وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: كَانَ أَبِي إِذَا دَخَلَ شَهرُ المُحَرَّمِ لَا يُرَى ضَاحِكاً، وَكَانَتِ الكَآبَةُ تَغلِبُ عَلَيهِ حَتَّى يَمضِيَ مِنهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، فَإِذَا كَانَ يَومُ العَاشِرِ كَانَ ذَلِكَ اليَومُ يَومَ مُصِيبَتِهِ وَحُزنِهِ وَبُكَائِهِ، وَيَقُولُ هُوَ اليَومُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الحُسَينُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ.
وروي عن الامام الصادق (عليه السلام) أنه إذا هل هلال عاشور اشتد حزنه وعظم بكاؤه على مصاب جده الحسين (عليه السلام) والناس يأتون اليه من كل جانب ومكان يعزونه بالحسين ويبكون وينوحون على مصاب الحسين فإذا فرغوا من البكاء يقول لهم: أيها الناس اعلموا أن الحسين حي عند ربه يرزق من حيث يشاء وهو (عليه السلام) دائما ينظر إلى مكان مصرعه ومن حل فيه من الشهداء وينظر إلى زواره والباكين عليه والمقيمين العزاء عليه وهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وبدرجاتهم ومنازلهم في الجنة وإنه ليرى من يبكي عليه فيستغفر له ويسأل جده وأباه وأمه وأخاه أن يستغفروا للباكين عليه والمقيمين عزاه ويقول لو يعلم زائري والباكي علي لانقلب إلى أهله مسرورا وما يقوم من مجلسه إلا وما عليه ذنب وصار كيوم ولدته أمه.
فما عذر من هلّ عليه شهر عاشور وتغافل عن هذه المصيبة التي ابكت كل عين؟
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إذا هل هلال محرم نشرت الملائكة ثوب الحسين عليه السلام وهو مخرق من ضرب السيوف وملطخ بالدماء، فنراه نحن وشيعتنا بالبصيرة لا بالبصر، فتنفجر دموعنا.
وعندما يأتي هذا الشهر تأتي معه هذه الذكريات الأليمة تأتي معه صور من واقعة الطف وتعود إلى الذهن صور مما جرى في واقعة الطف فيكثر الحزن والألم. إذا هل على أهل البيت هذا الشهر يعقدوا له المأتم، فلقد كان الإمام الصادق (عليه السلام) يجتمع مع شيعته وخاصته ويعقد المأتم ويستدعي بعض الشعراء ويكلفهم أن ينظموا في واقعة الطف القصائد الحزينة ويجلس نساؤه من وراء الستر.
لقد كان هذا الشهر إذا هل هلاله على بني هاشم من بعد واقعة الطف تتحول بيوتهم إلى حزن ولوعة. وقيل إذا مر هذا الشهر على الوديعة زينب (عليها السلام) التي شاهدت ما جرى فيه من المصائب والمحن، تجول بديار بني هاشم من دار إلى دار.
وروي عن الريان ابن شبيب: قال دخلت على الامام الرضا (عليه السلام) في أول يوم من المحرم فقال لي يا بن شبيب أصائم انت؟ فقلت إن هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا ربه فقال رب هب من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء، فاستجاب الله تعالى له وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى، يا بن شبيب إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال لحرمته، فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها، لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته وسبوا نسائه وانتهبوا رحله، فلا غفر الله لهم ذلك. يا بن شبيب إن كنت باكيا لشيء فابكِ الحسين بن علي بن أبي طالب، فإنه ذبح كما يذبح الكبش وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الأرض شبيه، ولقد بكت السماء والأرض لقتله ولقد نزل إلى الارض من الملائكة أربعة آلاف لنصرته فلم يؤذن لهم فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم (عليه السلام) فيكونون من أنصاره وشعارهم يا لثارات الحسين..
يا بن شبيب لقد حدثني أبي عن جده (عليه السلام) أنه قال: لما قتل جدي الحسين (عليه السلام) أمطرت السماء دما وترابا أحمر، يا بن شبيب إن سرك أن تلقى الله ولا ذنب عليك فزر الحسين، يا بن شبيب إن سرك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي (صلى الله عليه وآله) فالعن قاتله، يا بن شبيب إن سرك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا وعليك بولايتنا فلو أن رجلا أحب حجرا لحشره الله معه يوم القيامة.