البث المباشر

لماذا سمي الإمام الحسين (ع) بـ "ثار الله"؟

الأحد 3 أغسطس 2025 - 21:01 بتوقيت طهران
لماذا سمي الإمام الحسين (ع) بـ "ثار الله"؟

يعتبر "ثار الله" عبارة مقدسة تُميّز دم الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) عن الدماء العادية. ووفقًا لسماحة قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي، فإن هذه العبارة تعني "من الذي يكون ثأره هو الله".

نقرأ في زيارة عاشوراء:

 «اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا ثارَ اللَّهِ وَابْنَ ثارِهِ وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ».

إن من أهم وأبلغ عبارات زيارة عاشوراء هي هذه العبارة التي تصف الإمام الحسين (عليه السلام) بأنه "ثار الله". ووفقًا لسماحة قائد الثورة الإسلامية، فإن هذه العبارة تعني "من الذي ثأره هو الله".

لا يشير هذا المفهوم فقط إلى مظلومية الإمام الحسين (ع) واستشهاده، بل يحمل أيضًا معنىً فلسفيًا، عرفانيا وتاريخيا واسعا. كما أن الإدراك الصحيح لهذا المفهوم هو مفتاح فهم مكانة الإمام الحسين (عليه السلام) الرفيعة في الإسلام، وخاصةً في المذهب الشيعي.

 

الأصل اللغوي لعبارة "ثار" ومعناها 

إن كلمة "ثار" في اللغة العربية مشتقة من جذر "ثور"، وتعني "دم الثأر" أو "الدم المطالب بالثأر". وفي المعاجم العربية، ومنها لسان العرب لابن منظور، يُشير "الثار" إلى الدم الذي لقد أريق لأخذ الحق والانتقام.

هذا الدم هو دم من ظُلم ودافع عن حقه. لذا، يشمل "الثأر" مفهوم الدم المدافع عن الحق، الدم المطالب بالحق، ودم المضحي، ويشير إلى الدم الذي يكون الله صاحبه ومنتقمه.

 

تفسير مصطلح "ثار الله"

عندما يُذكر الإمام الحسين (عليه السلام) بـ "ثار الله" في زيارة عاشوراء، فهذا يعني أن دمه ليس دم إنسان عادي، بل هو دم "مظلوم إلهي" أُريق في سبيل الله والدفاع عن الدين الإلهي.

إن "ثار الله" يعني الدم الذي يخص الله، والذي أُريق في سبيل تحقيق الإرادة الإلهية وإحياء العدالة. ويشير هذا التعبير إلى مكانة الإمام الحسين (عليه السلام) كشهيد في سبيل الله، شخص لم يكن دمه مجرد ذبيحة بشرية، بل كان أيضًا تجسيدًا للإرادة الإلهية.

إن الإمام الحسين (عليه السلام) هو ابن النبي الأكرم (ص)، ومن سلالة النبوة والإمامة. وقاوم ظلم يزيد والحكومة الأموية الظالمة، ورفض الاستسلام للظلم وانعدام العدالة والفساد. وفي الواقع، يرمز الإمام الحسين (عليه السلام) في مدرستنا إلى ثبات الحق على الباطل والمظلومية. كما أن "ثار الله"  يُمثل إحياء الإسلام الحنيف والدفاع عن مبادئ الدين.

وفي الوقت نفسه، يُعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء حدثًا تحققت فيه الإرادة الإلهية، وأن الثأر بدمه هو الذي يريد الله سبحانه وتعالى أن يحققه. وحسب الروايات، لن يُهدر الثأر بدم الإمام الحسين (عليه السلام) حتى يوم القيامة، وسيُقتص منه.

 

وثائق تثبت أن دم الإمام الحسين (ع) "ثار الله"

جاء في كتاب "وسائل الشيعة"، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال:

«إن الحسين ثار الله، فمن قتله فقد قتل الله.».

تُظهر هذه الرواية بوضوح مكانة الإمام الحسين (عليه السلام) فوق كونه إنسانا . فتعبير "ثار الله" أي دم الإمام الحسين (ع) هو الذي يُمثل الحق الإلهي، وأن سفك دمه كدم الله، وأن ظلمه ظلم لله. فصاحب دم الإمام الحسين (عليه السلام) هو الله، والله سينتقم له من سفك هذا الدم المقدس.

كما ورد في كتاب الكافي عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أن دم الإمام الحسين (عليه السلام) له حرمة عظيمة، وقد حُفظ دمه كدم الله. ويعد في كتب الحديث الشيعية والسنية، استشهاد الإمام الحسين (ع) من أبرز مظاهر قرب الله منه، وظهور عقابه على الظالمين.

كما أن خطب الإمام علي (ع) تذكر مظلومية الإمام الحسين (ع) ودمه المقدس، ويسمي دم ابنه دم الله.

 

"ثار الله" في بيان قائد الثورة الإسلامية

أوضح سماحة قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامني - حفظه الله - في 25 يوليو/تموز 2016، وخلال لقاء مع عوائل شهداء السابع من تير ومجموعة من عوائل الشهداء المدافعين عن الحرم الشريف، مفهوم "ثار الله" للإمامين علي والحسين (عليهما السلام)، قائلاً:

"هذا الرجل العظيم (الإمام علي عليه السلام) هو أعظم شهيد في تاريخ الإسلام، بل في تاريخ البشرية أيضًا. وكما استُخدمت عبارة "ثار الله" في حق سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (ع)، أي من كان ثمن دمه هو الله جل جلاله، فهذا هو معنى "ثار الله".

فعظمة ثمن دمه (ع) لا يمكن أن يكون ثمن دماء هؤلاء الأحبة إلا الله تعالى نفسه. وينطبق الأمر نفسه على أمير المؤمنين (ع)؛ لأنك تقول: "يا ثارَ اللهِ وَابنَ ثارِه". «وَابنَ ثارِه»" أي أن أمير المؤمنين (ع) أيضًا في نفس مرتبة العظمة من حيث "ثار الله". وعظمة هذا الشهيد الجليل، شهيد المحراب، شهيد سبيل الحق، شهيد العزيمة، شهيد الصمود، تتجلى جليًا من هذه التفسيرات.


 

الأبعاد الفلسفية والعرفانية لـ "ثار الله"

يُعبّر "ثار الله" فلسفيًا عن ارتباط دم الإمام الحسين (عليه السلام) بالحق الإلهي. دمه ليس دمًا ماديًا فحسب، بل هو أيضًا رمز للحياة الروحية ودينامية الدين. يُمثّل دم الإمام الحسين (عليه السلام) صراع الحق ضد الباطل في العالم. وقد أصبح هذا الصراع حيًا وأبديًا من خلال واقعة عاشوراء.

ومن الناحية الباطنية، إن دم الإمام الحسين (عليه السلام) مُحي ومنير، يُغيّر قلوب المؤمنين ويُنير طريق الهداية. وفي الواقع، "ثار الله" يعني أن دمه (ع) يحمل رسالة المطالبة بالعدالة الإلهية وتطهير المجتمع من الظلم والجور والفساد.

 

ابن ثاره والوتر الموتور؛ استمرارٌ دلالي لكلمة "ثار الله"

إن "ابن ثاره" يعني "ابن دم الله"، في إشارة إلى كون الإمام الحسين (عليه السلام) وارثًا لدم النبي (ص) وأهل البيت (عليهم السلام)، ومواصلًا لنهجهم. و"الوتر الموتور" يعني أيضًا "الوحيد والمظلوم"، في إشارة إلى وحدته في كربلاء والمظلومية التي لا مثيل لها. وتُظهر هذه التركيبات أبعادًا مُختلفة لشخصية الإمام الحسين (ع) ومكانته؛ أخذ الثأر، المظلومية، والقدسية.

يُذكّرنا تعبير "ثار الله" في زيارة عاشوراء بمسؤولية الحفاظ على رسالة الإمام الحسين (عليه السلام) وتكريمها. وتُعبّر هذه العبارة عن الرابطة بين الزائر وسيد الشهداء، وتُؤكّد على أن سبيل الإمام الحسين (عليه السلام) هو نهج الله ودمه يمثل الحق الإلهي.

ونتيجةً لذلك، فإن "ثار الله" تعبيرٌ مقدسٌ للغاية، يُميز دم الإمام الحسين (عليه السلام) عن الدماء العادية، ويُنسبه إلى الدم الإلهي والدم المنتقم. ويُمثل هذا الدم التضحيةَ والتفاني، وصراعَ الحقِّ ضدَّ الباطل الذي لا ينتهي طوال التاريخ.

إنَّ إدراكَ هذا المفهوم وفهمَه الصحيح يزيدان من إخلاصِ المؤمنين والتزامِهم وتمسكِهم بنهجِ الإمام الحسين (عليه السلام) والمبادئِ المطالبة بالحق والعدالة. لأنَّ دمَ الإمام الحسين (عليه السلام)، باعتباره "ثار الله"، هو ضمانٌ لإيقاظ الضمائر الإنسانيِّة واستمرارِ مسيرة الإصلاحِ والعدالة في المجتمع.

 

المصادر:

- مقتل الحسين (ع) لابن شهرآشوب

- بحار الأنوار، العلامة المجلسي

-الإرشاد، الشيخ المفيد

- وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي

- الكافي، الشيخ الكليني

- لسان العرب، ابن منظور

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة