تُعدّ حادثة عاشوراء نقطة تحوّل في تاريخ الإسلام والحياة المعنوية للمسلمين؛ حادثة مريرة بقيت في ذاكرة التاريخ، ليس فقط بسبب مظلومية الإمام الحسين (ع) وأصحابه الأوفياء، بل أيضاً لعمق دروسها وتعاليمها، وستبقى إلى الأبد دليلاً لمن يسعى إلى العدالة والحرية. كما أن عاشوراء مشهدٌ يتجاوز صراع السلطة؛ إنها عمليةٌ تُعرض فيها القيم والقيم المضادة بوضوحٍ وشفافية لا مثيل لهما.
مما لا شك فيه أن فهم جذور حادثة كربلاء وتداعياتها الاجتماعية يُشكّل دائماً دليلاً لتحليل وضعنا الراهن. عندما نتأمل في جوانب ما جرى على الإمام الحسين (عليه السلام)، نكتشف محاور أساسية كانت العوامل الرئيسية المؤدية إلى انحراف المجتمع ومهدت الطريق لكارثة عاشوراء؛ قضايا مثل المال الحرام، الأرستقراطية، وظاهرة أبناء السادة، والتي إذا ما تم شرحها بشكل صحيح، ستوضح طريق الهداية لجيل اليوم وتجعلنا يقظين من تكرار قصة كربلاء المريرة.
1. المال الحرام وأثره على المجتمع
إن من أهم دروس واقعة عاشوراء التحذير من المال الحرام. وتشير المصادر التاريخية بوضوح إلى أن العديد من أصحاب يزيد وجيش الكوفة، بسبب اللقمات المحرمة والتبعية المالية للحكومة، قد سلكوا الطريق الخطأ وتجاهلوا الحقيقة. ويمكن للمال الحرام أن يُظلم قلب الإنسان ويحرمه من سماع نداء الحق، ويمكن اعتباره مقياسًا لسعادة الإنسان وقسوته؛ لهذا السبب، عندما واجه الإمام الحسين (عليه السلام) زغاريد الأعداء في خطبه، قال: "فقد ملئت بطونكم من الحرام،وطبع على قلوبكم".
2. الأرستقراطية والفجوة الطبقية
كان الميل إلى الأرستقراطية،والترف، وخلق فجوة بين الشعب والمسؤولين، عوامل مهمة في انحراف المجتمع الإسلامي قبل عاشوراء. فمن خلال تعزيز ثقافة الأرستقراطية والفصل بين الطبقات، شكك النظام الأموي في قيم الإسلام التوحيدية والعادلة، ومهد الطريق للتمرد والفساد. وقد حارب الإمام الحسين (عليه السلام) هذه الروح نفسها بثورته.
٣. عواقب كون أبناء السادة ومنح الامتيازات
تجلّت ظاهرة أبناء السادة، أو امتيازات العوائل والمنتمين إلى السلطة، جليةً في واقعة عاشوراء. فقد أجّج الأمويون، بمنح أبنائهم وأقاربهم المناصب والامتيازات دون حساب، أجواء الإساءة والتمييز إلى ذروتها. وأدى هذا النهج إلى فساد المجتمع وتدميره، وهدم قيم الجدارة.
٤. خطر تحريف الدين والشرعية
كان تحريف الدين وإساءة استخدام المقدسات عاملاً آخر من عوامل الانحراف. فقد صوّر النظام الحاكم، بجذوره وتشويهه للمفاهيم الدينية، الحق باطلاً والباطل حقاً، لخداع الناس وتهوين انتفاضة الإمام الحسين (عليه السلام). وكان العامل الأهم في تحريف الدين من السقيفة نفسها، ومهّد الطريق لسقوط المجتمع الإسلامي في غياهب القيم الإنسانية.
لقد شوّهت حياة النبي (ص) وتم تغييرها، وعُزلت آل بيته (عليهم السلام)، الذين قُدّموا كقادة للأمة في واقعة غدير، بسبب الدعاية السلبية التي مارسها حكامٌ مثل معاوية.
إن الوعي بفخ التحريف وحماية الدين الأصيل حاجةٌ دائمةٌ للمجتمع.
5. إضعاف مكانة العترة وأهل البيت (عليهم السلام)
كان من أشدّ جوانب واقعة عاشوراء مرارةً المحاولة الممنهجة لإضعاف مكانة أهل البيت (عليهم السلام). فبعد السقيفة، حاول البعض إبعاد الناس عن حقيقة آل النبي (ص) وفضائلهم بمنع كتابة الحديث، ومنع نقل فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) ونشرها.
اشتدت هذه السياسة تدريجيًا ووصلت إلى حد أنه في عهد معاوية بن أبي سفيان، أصبح السب والشتم العلني لأمير المؤمنين (عليه السلام) على المنصات الرسمية ممارسة حكومية؛ وهو عمل كان يهدف إلى تشويه الرأي العام وتدمير صورة أهل البيت (عليهم السلام) في أذهان المجتمع الإسلامي. ولم يتسبب هذا الاتجاه المنحرف في ابتعاد الناس عن التعاليم الأصلية للإسلام فحسب، بل مهد الطريق أيضًا لمآسي مثل كربلاء واستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام).
ونتيجة لتغلب هذه الأضرار هي أن المجال صار مهيأ لفتن الشياطين، سواء كانوا من الجن أو الإنس. وإن المجتمع الذي يقوض قدسية القيم الإلهية يكون أعزل أمام حجم الهجمات والفتن، وينمو فيه مجال الظلم والظلمة.
ففي مثل هذا الجو، يتم تهميش الخير والفضيلة ويحل الباطل محل الحق. ويُعزل الصالحون، ويسيطر الانتهازيون والمنافقون على مصائر الناس. ويغرق عامة الناس في حيرة وانعدام هوية، ويحل اللامبالاة، بل وحتى الانخراط في الباطل، محلّ الأمل في الإصلاح.
ولا سبيل إلى تجنّب هذا المصير المرير إلا الوعي الجماعي بجذور الانحراف والعودة إلى مبادئ الدين الصافية وتعاليم أهل البيت (عليهم السلام) ليتحرر المجتمع من هيمنة الشياطين والفتن.