البث المباشر

الرسالة الحضارية لزيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام

الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 21:40 بتوقيت طهران
الرسالة الحضارية لزيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام

لقد أصبح لزيارة الإمام الحسين عليه السلام اليوم، بُعدٌ حضاري إنساني عالمي، فزيارة الأربعين تحوّلت إلى ظاهرة يرصدها العالم كلّه، وتتابعها وسائل الإعلام المختلفة، وتترك أصداءً كبيرة قلّ أن تحظى بها أيّ شعيرة دينية أخرى.

روي عن الإمام الرضا عن أبيه عليهما السلام قال: «سُئِلَ الصادق عَنْ زِيَارَةِ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي : أَنَّ مَنْ زَارَ قَبْرَ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَارِفاً بِحَقِّهِ كَتَبَهُ اَللَّهُ فِي عِلِّيِّينَ»(1).

 

زيارة الحسين في روايات أهل البيت

حيث ورد عن أئمة أهل البيت مئات الروايات في الحثّ على زيارة الإمام الحسين عليه السلام، وتبيين فضلها وآدابها، وفوائدها، وآثارها في الدنيا والآخرة.

وتتفاوت هذه الروايات في اعتبارها السندي، ففيها ما هو صحيح ومعتبر السند، وفيها ما هو ضعيف السند، وكثرتها يوجب القطع والاطمئنان بتأكيد الأئمة على أهميتها وفضلها.

لذلك ترسّخت هذه الشعيرة في تاريخ أتباع أهل البيت عليهم السلام، وتوارثتها أجيالهم عبر القرون والعصور، وكلّفتهم أثمانًا باهظة، وتضحيات كبيرة، في بعض الأزمنة والعهود.

وإلى وقت قريب في عصرنا الحاضر، كان الإرهابيون التكفيريون يستهدفون قوافل ومواكب زوار الإمام الحسين عليه السلام، وقبل ذلك في عهد النظام البائد في العراق، كانت زيارة الإمام الحسين عليه السلام محفوفة بالمخاطر، لكنّ أتباع أهل البيت عليهم السلام تحمّلوا تلك المصاعب والآلام، واستمرّوا في إحياء هذه الشعيرة المباركة وخاصّة في مناسبة الأربعين.

ونتابع هذه الأيام، كما يتابع العالم كلّه، عبر وسائل الإعلام المختلفة، زحف الملايين إلى كربلاء، لزيارة الإمام الحسين عليه السلام بمناسبة ذكرى مرور أربعين يومًا على شهادته، نسأل الله تعالى أن يوفق الزائرين لإتمام زيارتهم بأمن وسلام، وأن يتقبّل منهم زيارتهم، ويعيدهم إلى أهاليهم سالمين.

 

مضامين وأهداف الزيارة الحسينية

إنّ زيارة الامام الحسين عليه السلام كسائر الشعائر والممارسات الدينية، لها مضامين وأهداف، يجب أن يلتفت لها المؤدّون لكلّ عبادة وشعيرة، ليحقّقوها في نفوسهم وسلوكهم.

لذلك تتحدّث النصوص الدينية عن مضامين وغايات شعائر الحج مثلًا، كما في قوله تعالى:

﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ … ﴾(2).

ويقول تعالى عن شعيرة الهدي في الحج:﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ … ﴾(3).

ويقول تعالى عن الصلاة: ﴿ … إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ … ﴾(4)،

ويقول تعالى عن الصوم:﴿ … كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾(5).

فإذا لم يهتم الحاج والصائم والمصلي بمضمون العبادة والشعيرة، فإنّها ستصبح مجرّد ممارسة طقوسية شكلية لا تترك أثرًا على نفسه وسلوكه، ولا تكون لها القيمة المرجوة عند الله تعالى.

وورد في التحذير من شكلية الممارسة العبادية كثير من النصوص:

عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، لَمْ يَزْدَدْ بِهَا مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا»(6)..

وورد عن الإمام علي عليه السلام : «كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا اَلْجُوعُ وَاَلظَّمَأُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا اَلسَّهَرُ وَاَلْعَنَاءُ»(7).

وورد عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام :

«لاَ تَغْتَرُّوا بِصَلاَتِهِمْ وَلاَ بِصِيَامِهِمْ، فَإِنَّ اَلرَّجُلَ رُبَّمَا لَهِجَ بِالصَّلاَةِ وَاَلصَّوْمِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ اِسْتَوْحَشَ، وَلَكِنِ اِخْتَبِرُوهُمْ عِنْدَ صِدْقِ اَلْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ اَلْأَمَانَةِ»(8)..

 

زيارة الأربعين بين العهد والولاء

تركز نصوص الزيارات المروية عن أهل البيت عليهم السلام، على أن يقدّم الزائر تعهّدًا بالتزام نهج الحسين عليه السلام، والاقتداء بهديه وسيرته، كما تستحضر نصوص الزيارات صفات الحسين، ليستحضرها الزائر، فتكون ماثلة في نفسه، ليتحفّز لتطبيقها في سلوكه وعمله.

فقد ورد في الزيارة المروية عن الإمام محمد الباقر عليه السلام:

«اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي فِي مَقَامِي هَذَا مِمَّنْ تَنَالُهُ مِنْكَ صَلَوَاتٌ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ اَللَّهُمَّ اِجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيَا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمَمَاتِي مَمَاتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ»(9).

وورد في الزيارة عن الإمام الصادق عليه السلام:

«أُشْهِدُ اَللَّهَ وَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ وَلَكُمْ تَابِعٌ فِي ذَاتِ نَفْسِي وَشَرَائِعِ دِينِي وَخَاتِمَةِ عَمَلِي وَمُنْقَلَبِي وَمَثْوَايَ»(10).

وعنه:

«اَللَّهُمَّ اِجْعَلْ لِمَا أَقُولُ بِلِسَانِي حَقِيقَةً فِي قَلْبِي وَشَرِيعَةً فِي عَمَلِي، اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِمَّنْ لَهُ مَعَ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قَدَمٌ ثَابِتٌ»(11)..

ومن الصفات التي تذكرها الزيارات في سيرة الإمام الحسين عليه السلام ما ورد في أكثر من زيارة:

«أشْهَدُ أنَّكَ قَدْ أقَمْتَ الصَّلاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكاةَ، وَأمَرْتَ بالمعْرُوفِ وَنَهَيْتَ عَنِ المنْكَرِ، وَعَبَدْتَ اللهَ مُخْلِصاً حَتّى أتاكَ الْيَقين»(12).

 

الرسالة الحضارية لزيارة الإمام الحسين عليه السلام

وقد أصبح لزيارة الإمام الحسين عليه السلام اليوم بُعدٌ حضاري إنساني عالمي، فزيارة الأربعين تحوّلت إلى ظاهرة يرصدها العالم كلّه، وتتابعها وسائل الإعلام المختلفة، وتترك أصداءً كبيرة قلّ أن تحظى بها أيّ شعيرة دينية أخرى.

وذلك ما يستوجب الاهتمام من قبل كلّ الجهات الشيعية؛ لأنّها تعكس صورة المذهب والطائفة، وتعبر عن رسالة أهل البيت عليهم السلام الى العالم أجمع ورسالتهم الإصلاح في الأمة، حيث ورد عن الإمام الحسين عليه السلام:

«إِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي»، ورسالتهم جذب الناس بحسن القول وحسن التعامل، كما ورد عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام:

«رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً اسْتَجَرَّ مَوَدَّةَ النَّاسِ إِلَى نَفْسِهِ وَإِلَيْنَا، بِأَنْ يُظْهِرَ لَهُمْ مَا يَعْرِفُونَ، وَيَكُفَّ عَنْهُمْ مَا يُنْكِرُونَ» ، ورسالتهم نشر معالم العدل والتسامح والقسط إلى جميع أرجاء العالم .

 

العتبة الحسينية المقدسة

----------------

(1) عيون أخبار الرضا، ج2، ص44

(2) سورة الحج (22)، الآية: 27

(3) سورة الحج (22)، الآية: 37

(4) سورة العنكبوت (29)، الاية 45

(5) سورة البقرة (2)، الاية 183

(6) بحار الأنوار، ج82، ص198

(7) نهج البلاغة، حكمة: 145

(8) الكافي: ج2، ص104

(9) المصباح للكفعمي، ج1، ص482

(10) الكافي، ج4، ص572

(11) كامل الزيارات، ص254

(12) المصدر نفسه، ص243

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة