في حين إنا نرى جملة من الروايات والنصوص تذكر لفظ الحائر في زمان يسبق زمان وقوع هذه الأحداث كالخبر الوارد عن أبي عبد الله عليه السلام: "من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن: مكة، والمدينة، ومسجد الكوفة، وحائر الحسين (عليه السلام)"، فما الوجه في التسمية؟.
الجواب:
إنَّ من الثابت تأرخياً أنَّ المتوكِّل العباسي حرث قبر الحسين (ع) وأجرى الماء عليه (1) فحار حول القبر الشريف إلا أنَّ من غير الثابت أنَّ تسمية موضع القبر المعظَّم بالحائر نشأت عن هذه الحادثة، فقد وردت هذه التسمية في بعض الروايات الواردة عن الإمام الصادق (ع):
منها:
مرسلة الصدوق في الفقيه قال: قال الصادق عليه السلام: "من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن: بمكة، والمدينة، ومسجد الكوفة، وحائر الحسين عليه السلام" (2).
ومنها:
ما رواه جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارات بسندٍ معتبر إلى حمَّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن: بمكة والمدينة ومسجد الكوفة والحائر" (3).
فهذه الرواية وإنْ أرسلها حمَّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن الصادق (ع) إلا أنَّها معتبرة السند إلى حمَّاد، وحمَّاد بن عيسى الثقة الجليل رحمه الله أدرك الإمام الصادق (ع) وروى عنه، وهو ما يُدللِّ على أنَّ تسمية موضع القبر الشريف بالحائر كانت -في أقلِّ التقادير- منذُ عهد حمَّاد والذي هو عهدُ الإمام الصادق والكاظم عليهما السلام والذي سبق عهد المتوكل العباسي بما يقرب من مائة سنة حيث تُوفي المتوكِّل العباسي كما قيل- سنة 247. وكان استشهاد الإمام الصادق (ع) سنة 148ه.
ويظهرُ من بعض الأخبار التي أوردها الشيخُ الطوسي رحمه الله في الأمالي أنَّ المتوكِّل وإنْ كان قد أمر بتخريب القبر سنة 236 للهجرة إلا أنَّه لم يتهيأ له ذلك في تلك السنة (4) وإنَّما تهيأ له كربُ القبر الشريف وحرثه في سنة 247 للهجرة (5) يعني في السنة التي هلك فيها.
أقول:
لعلَّه لم يتهيأ له حرثه في سنة 236 للهجرة فاكتفى بهدم القبر والبيوت المجاورة في تلك السنة ثم عاود تخريبه في السنة التي هلك فيها. فإنَّ تخريب المتوكل القبر الشريف سنة 236 للهجرة هو ما عليه مشهور المؤرخين، ولا يبعد عدم الخلاف في ذلك.
هذا وقد أورد الشيخ الطوسي في الأمالي خبراً يظهر منه أنَّ أول من أمر بتخريب القبر الشريف هو موسى بن عيسى العباسي الهاشمي في عهد هارون الرشيد، ويظهر من بعض الأخبار أنَّ ذلك كان بأمر هارون الرشيد العباسي (ت: 193ه)(6) وقد ورد في سياق الخبر تسمية موضع القبر الشريف بالحير أو الحائر(7) وهو ما يؤكِّد أنَّ التسمية بالحائر كانت قبل عهد المتوكِّل العباسي.
وعليه فلعلَّ تسمية موضع القبر الشريف بالحائر نشأ عن ملاحظة مناسبة ذلك لطبيعة تلك البقعة، فعنوان الحائر في اللَّغة يُطلق على المكان المطمئِنِ الوَسَطِ، المرتفع الحُروف أي المكان المنخفض الوسط المرتفع الأطراف بحيث لو أُجري الماء على ذلك الموضع فإنَّه يحور حول الأطراف فلا يصلُ إلى الموضع الوسط المنخفض، فلعلَّ اسم الحائر كان أحد أسماء تلك البقعة منذ عهدٍ بعيد وكان منشأ التسمية هو المناسبة اللغويَّة لطبيعة تلك البقعة وأنَّ حادثة المتوكِّل أكَّدت التسمية ولم تكن منشأً لحدوث التسمية.
الشيخ محمد صنقور
------------------------
1- تاريخ الطبري -الطبري- ج7 / ص365، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج7 / ص55، مقاتل الطالبيين -الأصفهاني- ص396، المختصر في تاريخ البشر -أبو الفدا- ج2 / ص68، تاريخ الإسلام -الذهبي- ج17 / ص18، تجارب الأمم -ابن مسكويه- ج4 / ص299، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك -ابن الجوزي- ج11 / ص237، البداية والنهاية -ابن كثير- ج10 / ص347.
2- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج1 / ص442، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج 8 / ص531.
3- كامل الزيارات -جعفر بن محمد بن قولويه- ص430، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج8 / ص 532.
4- الأمالي -الطوسي- ص328.
5- الأمالي -الطوسي- ص329.
6- الأمالي -الطوسي- ص325.
7- الأمالي -الطوسي- ص323.