البث المباشر

شرح فقرة: يا من لا تحصي الآؤه

الثلاثاء 3 سبتمبر 2019 - 10:22 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة: "يا من لا تحصي الآؤه " من دعاء الجوشن الكبير.

 

لا نزال نحدثك عن الأدعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ينتهي بهاتين الفقرتين: (يا من لا تحصي الآؤه) و (يا من لا تعد نعماؤه) ان هاتين الفقرتين من الفقرات الملفتة للنظر من حيث اتسامها بالتزاوج وبالتجانس وبالتوازي الفني او الجمالي مما يضفي علي الموضوع طابعاً خاصاً. 
هاتان الفقرتان تخضعان اولاً للتوازن اللفظي ثم للتوازن الدلالي، فأنت تري ان طرفي كل فقرة يتضمنان مقدمة ونتيجة، وكل منهما يتوازن مع الآخر في ذلك. 
ان المفردات المستخدمة علي نحو تبدو وكأنها مترادفة تماما، فهناك مفردة (يا من لا تحصي) وتقابلها مفردة (يا من لا تعد)، ومن الواضح، ان الاحصاء والعد بمعنا واحد، ولكن النص - بطبيعة الحال - يستخدمهما مختلفين دلالة، والامر كذلك بالنسبة الي عبارتي(الاؤه) و (نعماؤه) فالالاء والنعماء بمعني واحد ولكن الدعاء يستخدمهما مختلفين كذلك وما نقدمه الآن هو: ملاحظة استخدام هذه الفقرات المترادفة في بعض الاستخدام، والمتفاوتة في استخدام آخر. كيف ذلك؟ 
ان قارئ الدعاء مدعو الي تأمل هذه الجوانب، لان قراءة هاتين الفقرتين اذا كانت علي نحو من ترادفهما فهذا ما لا يتناسب مع عصمة الدعاء فنياً ولغوياً. اذن كيف ننظر الي الفقرتين المتقدمتين؟ 
اولاً: من حيث المفردتين (لا تحصي) و (لا تعد)؟
الجواب: ان (لا تعد) وافتراقها عن (لا تحصي) تتمثل في ان العدد هو مجرد الوحدات التي يتألف منها الشيء: كالواحد والاثنين والثلاث، اما الاحصاء فهو العدد نفسه ولكن مع ضبطه، وهذا ما تشير اليه اللغة، في ضوء الفارق المتقدم يمكننا ان نميز بين دلالة (العدد) ودلالة (الاحصاء) ولكن بعد ان ننظر الي الفارق المترتب عليها من حيث النتيجة وهي عبارة (آلاؤه) وعبارة (نعماؤه)حيث نتساءل: ما الفارق بين النعم والالاء؟ 
في تصورنا - من خلال الاستخدام المتنوع للنصوص - ان (النعم) تختلف عن (الالاء) باتساع دلالة النعمة، وما يواكبها من اللين والطيب والحسن، وبذلك تكون (الاؤه) بمعني النعمة بعامة، و (نعماؤه) بمعني اكثر نعمة، وهذا ما نلحظه مثلاً في سورة«الرَّحْمَنُ» حيث استخدمت «آلاَءِ» في آية «فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ» بمعني عام، اي النعم بعامة في كل ما اشار النص اليه بحيث شملت «آلاَءِ» حتي ما هو الجزاء السلبي مثل «يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ» وفي ضوء الفارق المشار اليه يمكننا ان نعقب علي عبارة (يا من لا تعد نعماؤه) وافتراقها عن (يا من لا تحصي آلاؤه) ان الالاء بما انها مطلق النعم حينئذ لا تحصي من حيث ضبطها وذلك لشموليتها العامة، بينما عبارة: (يا من لا تعد نعماؤه) تشير الي مجرد الاحصاء المتمثل في تعدد النعم المتنوعة: كالنعومة واللين والحسن والطيب. 
اذن امكننا ان نتبين الي حد ما، بعض الفارقية بين عبارتي: (يا من لا تحصي آلاؤه) و (يا من لا تعد نعماؤه) وبذلك نتبين ايضاً ان رحمته تعالي تشمل كل المستويات التي يمكن تصورها، (سائلين الله تعالي ان يزيدنا من نعمائه وآلائه) وان يوفقنا الي ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الي النحو المطلوب.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة