نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها: دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن آحد مقاطعه الذي ختم بعبارة "يامن لا تخفى عليه ذرة في العالمين" ، وبعد ذلك نحدثك عن المقطع الاخير من الدعاء وهو (المقطع ۱۰۰)، انشاء الله تعالى. اذن: لنتحدث اولاً عن عبارة "يامن لا تخفى عليه ذرة في العالمين" فماذا نستخلص منها؟
*******
لقد ورد هذا الكلام في سياق فقرات تتحدث عن ان الله تعالى لا يشغله سمع عن سمع، ولا يمنعه فعل عن فعل، ولا يغلطه سؤال عن آخر، وهكذا... وهذا يعني ان عبارة الدعاء تعني: انه تعالى مهيمن على كل شئ، على شتى المستويات، فضلاً عن العظمة المتمثلة بانه تعالى في آن واحد يمرر فاعليته في الامور: كما لو كان الكلام مثلاً صادراً من الملايين وهو: يتجه الى السؤال او الدعاء او... الخ. والامر نفسه بالنسبة الى عدم خفاء شئ عليه مهما صغر ودق وتعدد الشئ المذكور. والنكتة في العبارة المذكورة انها تتحدث عن اصغر وحدة مادية: تعبيراً عن الحقيقة الذاهبة الى ان الله تعالى يعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الخ...
*******
والآن: نتجه الى آخر المقاطع من دعاء (الجوشن الكبير) وهو المقطع (۱۰۰)، حيث يبدأ لهذا النحو: "ياحليماً لا يعجل، ياجواداً لا يبخل، يا صادقاً لا يخلف... الخ " . هذه العبارات – اتساقاً مع سائر المقاطع التي تتميز ببلاغة فائقة من حيث الاسلوب والعبارة والصياغة الخ، حيث تتجانس العبارات في دلالاتها الرئيسة والفرعية مثل عبارة (الحليم) الرئيسة وعبارة (لا يعجل) الفرعية التي تفسر وتكمل سابقتها، وهكذا... المهم نبدأ نحدثك عن العبارة الاولى، فماذا نستلهم منها؟ الاستلهام هنا هو: التعلم من الله تعالى في تنظيم سلوكنا النفسي، فالحليم هو: الكاتم لما يحمله من ردود الافعال حيال هذا الموضوع او ذاك،... ان الجازع مثلاً او العجول مثلاً ونحوهما، يسارعان الى ممارسة هذا العمل او ذاك: تأكيداً للذات والأنا، أو اشباعاً لحاجات شاذة، بينما الحليم يكتم مرارة ما يتحسسه من الاذى... يضاف الى ذلك ان صفة الحلم تأتي مقابلة لصفة العجلة، حيث ان العجول يتسم بالافكار المرتجلة، واحياناً يتسم بالهستيريا: تعبيراً عن عدم قابليته على الصبر حيال الشئ. من هنا، فان قارئ الدعاء عندما يواجه عبارة "ياحليماً لا يعجل"انما يستلهم منها ضرورة ما يسميه علماء النفس باستواء السلوك حيث تضبط الشخصية انفعالاتها وتتصرف بحنكة ورصانة وتأنٍّ ومهل... الخ. وهذه هي ابرز معالم الشخصية السوية في نطاق التعريف البشري للسلوك... من هنا نكرر ان قارئ الدعاء يتعين عليه ان يكتسب من الله تعالى ما يتوافق نسبياً مع ما ينبغي ان يعمل، ومنه: الحلم، وعدم العجلة في الامور، لان العجلة – فضلاً عن سمتها العصابية – تظل مقترنة بنتائج غير صائبة مما تقتاد الشخصية الى الندم علي عجلته في الامور...
*******
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة السلوك السوي في مختلف مجال الحياة، وان يوفقنا الى الالتزام بمبادئ الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******