لانزال نحدثك عن الأدعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا من يقبل التوبة عن عباده، يا من يحول بين المرء وقلبه، يا من لا تنفع الشفاعة الابأذنه).
ونقف اولاً عند فقرة (يا من يقبل التوبة عن عباده)، وهي فقرة من الوضوح بمكان، ولكنها تحفل بما ينبغي ان نستحضره الآن من دلالاته المثيرة والمذكرة بوجوب الطاعة والتوبة، وعدم العود الي الذنب.
العبارة- كما نلاحظ - تشير الي ان الله تعالي بلغ من رحمته التي لا حدود لها أن يقبل التوبة من العباد مع انهم خالفوا اوامره ومارسوا ما منعهم وحذرهم منه، لكنهم مع ذلك واصلوا الممارسات المنهي عنها او تخلوا عن الممارسات التي آمرهم بها.
نقول مع ذلك فان الله تعالي يقبل التوبه عن العباد. فماذا نستلهم من قبوله التوبة؟ وماذا نستلهم من دلالات التوبة؟
نتحدث أولاً عن دلالة التوبة. فماذا نستخلص منها؟
الجواب: من البين ان التوبة تعني: عزم الشخصية علي عدم العود الي الذنب، بشرط أن تكون التوبة صادقة: بطبيعة الحال.
والسؤال المهم هو: ان عدم العود الي الذنب يقترن بتعديل في السلوك النفسي للشخصية وذلك لأن ممارسة الذنب هي: سلوك منحرف أو سلوك شاذ او سلوك عصابي: كما هو واضح ولكن الشخصية التي تعتزم وتقرر عدم العودة الي الذنب فان هذا يعني: تحولاً في السلوك، اي: التحول من المرض النفسي الي الصحة النفسية، وهو معطي ضخم، حيث ان العبادات النفسية والارشادية لا يعنيها الّا أن تحولّ الاشخاص العصابين الي أسوياء وهذا ما يتحقق في التصور الاسلامي للسلوك في أحد انماطه، ألا وهو: التحول من ممارسة الذنب الي الطاعة.
اذن مادام العبد قد ندم علي سلوكه، واطاع الله تعالي: حينئذ فان الرحمة الالهية تتدخل فتقبل التوبة. ليس هذا فحسب، بل تحوّل السيئة الي حسنة، وهذا هو منتهي ما نتصور من الرحمة الالهية: كما هو واضح.
ومن مستويات الرحمة غير المحدودة لله تعالي، هو: ان نتصور مدي عطاء الله تعالي حيال عبده حينما يبشّره ويعده بقبول التوبة قبالة ما يتصوره المذنب من اليأس - لا سمح الله تعالي - من رحمته تعالي وذلك لان اليأس يعني: ان يتوقف العبد عن ممارسة وظيفته العبادية فيقول او يتحدث عن نفسه قائلاً: ما معني ان امارس الطاعة اذا كنت من اصحاب النار؟
لذلك، فان بث الأمل بدلا من اليأس يسهم في تصعيد السلوك وتعديله، وتشجيع الشخصية علي ممارسة ما هو الاحسن من السلوك، وهذا بدوره معطي ضخم من الزاوية النفسية التي تحقق توازناً داخلياً للشخصية من حيث تركيبتها العامة، فضلاً عما يحققه قبول التوبة من معطيات عبادية يجد جزاءها في اليوم الآخر.
اذن ما اضخم ما تتضمنه عبارة (يا من يقبل التوبة) من المعطيات الدنيوية والأخروية؟ سائلين الله تعالي ان يوفقنا الي التوبة، والي ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الي النحو المطلوب.
*******