نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها: دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه: (يا اسرع الحاسبين، يا اسمع السامعين، يا ابصر الناظرين،...).
هذه العبارات امتداد لعبارات متجانسة حدثناك عنها في لقاءات سابقة، والآن نحدثك عن الجديد من ذلك، ونقف اولاً عند عبارة (يا اسرع الحاسبين)، فماذا نستخلص منها؟
لقد ورد في القرآن الكريم وسواه، بان الله تعالى هو سَرِيعُ الْحِسَابِ، وهي عبارة تتكرر كثيراً، وتعني انه تعالى يحاسب خلقه، اي: المحاكمة باسرع ما يتصوره الملاحظ.
والنكتة الكامنة وراء ذلك هي تأكيد القدرة في مطلق تعامله تعالى مع الاشياء او المواقف، وهو اثر ينسجم مع العبارات السابقة في مقطع الدعاء مثل انه تعالى احسن الخالقين، حيث حدثناك عنها في لقاء سابق، واوضحنا ان حسن الخلق يرتبط بقدرته تعالى من جانب، وبكونها ذات فاعلية ايجابية للانسان وسواه.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا اسمع السامعين) وعبارة (يا ابصر الناظرين)، فماذا نستخلص منهما؟
الجواب: الملاحظ في النصوص القرآنية وسواها، ان السمع والبصر طالما يجيئان مقتربين، والسرّ وراء ذلك (في التجربة البشرية مثلاً)، ان السمع والبصر يجسدان اشد الاجهزة الاستجابية للانسان في تلقيه للحقائق، بواسطة (السمع) تصل مبادئ الله تعالى الى الانسان، وبواسطة (البصر) يشاهد عظمة الله تعالى وخيرية المبادئ التي تصل الى سمعه.
وحينما نقل او لنقل، حينما نتجه الى صلة العبد بالله تعالى، واطلاع الله تعالى على سلوك عبده، حيث انه تعالى او عمل الملكين مثلاً، اذ انه تعالى اساساً يطلع على اعمال عباده، الظاهر والمخفي منها، ممارسة او تفكيراً، حينئذ عندما يقرر تعالى بانه (اسمع السامعين) و (ابصر الناظرين)، فهذا يعني انه (السميع) مثلاً مناجاة عباده، او يسمع كلامهم بنحو مطلق: ايجابه وسلبه، وانه تعالى يبصر ما يمارسه هذا العبد او ذاك من السلوك: عندها يستخلص قارئ الدعاء مظاهر عظمة الله تعالى في نطاق علمه المطلق، واطلاعه على حركة الوجود في مختلف مستوياتها.
بعد ذلك يُختم المقطع بهاتين العبارتين (يا اشفع الشافعين) و (يا اكرم الاكرمين)، فماذا نستخلص منها؟
الجواب: ان هاتين الفقرتين من مقطع الدعاء، تتحدثان عن مظاهر عظمة الله تعالى في ميدان (رحمته)، بعد ان كانت العبارتان السابقتان كليهما تتحدثان عن مظاهر عظمة الله تعالى ميدان (علمه)، والمهم الآن هو ان نشير الى مظاهر رحمته تعالى في التعامل مع عبده، في ترتيب الجزاءات الاخروية والدنيوية، حيث ان الله تعالى يجازي عباده في الآخرة والدنيا، وفي الحاتين فان (الرحمة) تظل هي المواكبة للمجازات، ان (الشفاعة) هي طلب الاعانة من الآخر لهذا الشخص او ذاك، وعندما ننقل القضية الى تعامله تعالى مع عباده، نجد انه تعالى هو (المعين) لعبده، وهو المطالب من الاخرين ان يعفو عن عبده: اذا كان مدينا لهم.
واما بالنسبة الى عبارة (يا اكرم الاكرمين)، فان الامر يتضح بجلاء اكثر من حيث سعة رحمته تعالى، انه تعالى يتكرم على عبده باغداق عطائه تعالى على العبد، انه تعالى يكرمه في الاخرة والدنيا، يكرمه في مجازاته، يتفضل عليه بالتجاوز عن سيئاته.
اذن بشفاعته تعالى وتكريمه للعبد، يكون الله تعالى قد انزل عليه اكبر الرحمة غير المحدودة، كما هو واضح.
ختاماً نسأله تعالى ان يشفع لنا ويكرمنا، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******