البث المباشر

شرح فقرة: يا من هو بمن عصاه حليم، يا من هو بمن رجاه كريم

الأحد 11 أغسطس 2019 - 09:08 بتوقيت طهران
شرح فقرة: يا من هو بمن عصاه حليم، يا من هو بمن رجاه كريم

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة: " يا من هو بمن عصاه حليم، يا من هو بمن رجاه كريم " من دعاء الجوشن الكبير.

 

نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها: دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدّثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدّثك الآن عن أحد مقاطعه التي ورد فيها: (يا من هو بمن عصاه حليم، يا من هو بمن رجاه كريم).
هاتان العبارتان، تتناولان عظمة الله تعالى في تعامله مع العبد العاصي من جانب، والرّاجي لرضاه وثوابه من جانب آخر. وهذا ما نبدأ بإلقاء الإنارة عليه.
إن (الحلم) من حيث دلالته اللغوية هو، الصّبر والأناة مع القدرة، بمعنى انه يتناول نمطاً من التّعامل المقترن بالصّبر على ما هو سلبي، مع القدرة على العقاب العاجل او حتّى الآجل أيضاً، وبكلمة أشدّ وضوحاً: الحلم هو الصّفح عن المسيء وعدم الّتعّجيل في معاقبته اذا كان الموقف يتطلّب العقاب، والنّاتج فإنّ عدم معاجلة العقاب قد يفضي الى إلغائه أساساً أو تأجيله وهذا ما يمكن الاستشهاد بنماذج أو أمثلة له.
الظالم او الكافر مثلاً، يمهله تعالى ولا يعجّل بمعاقبته، وهذا ما صرّحت النصوص القرآنية به بوضوح.
والأمر كذلك بالنسبة الى الفاسق المصرّ على ممارسة الذّنب.
قبالة ذلك، فإنّ (الحلم) قد يفضي الى إلغاء العقاب عاجلاً او آجلاً أيضاً، وما نستهدف إلقاء الإضاءة عليه هو، إن الله تعالى: (وهووَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ، واسع الرّحمة) يصفه الدعاء هنا بأنّه تعالى (يحلم) عن العاصي، سواء أكان حلمه تعالى ينسحب على العقاب العاجل أو الآجل، أو يلغى أساساً، بمعنى انه تعالى يصفح عن العاصي، ويغفر ذنوبه.
وفي الحالات جميعاً، فإنّ (الرحمة) المتمثلة في (الحلم) تظّل هي: المظهر لعظمته تعالى.
بعد ذلك تواجهنا عبارة: (يا من هو بمن رجاه كريم)، وهذه العبارة لها صلة بسابقتها من حيث (الرحمة) التي تقف وراء تعامل الله تعالى مع عبده، العبارة السابقة تتحدّث عن التّعامل مع (المعاصي)، أما العبارة الحالية فتتعامل مع (الرّاجي)، فماذا نستخلص من العبارة الأخيرة؟
ان (الراجي) لرحمته تعالى ينشطر الى نمطين، أحدهما: العاصي الذي سبقت الإشارة إليه، والآخر، المطيع الرّاجي لرضاه تعالى.
والفارق هو: إن العاصي (يرجو) عفوه تعالى عنه، بينما الرّاجي (يرجو) رضاه تعالى عنه، أي: انه يتطلّع إلى كسب رضاه تعالى وهو قمّة السّلوك الايجابي بطبيعة الحال.
المهم في الحالتين، يقول الدعاء إن الله تعالى بمن يرجوه (كريم)، اي: ان الله تعالى يكرم عبده الرّاجي، يستوي في ذلك أن يكون الرّاجي عاصياً يرجو رفع عقاب الله تعالى، أو مؤمناً يتطّلع إلى كسب رضاه تعالى.
ثمّة نكتة هنا تتّسم بالأهمية وهي: إن الفارق بين الكرم والجود، ان (الجود) هو: تقديم العطاء بعد السّؤال، وأمّا (الكرم): فهو تقديم العطاء قبل السّؤال، والنكتة هنا هي: أن الدعاء يتحدث عن عظمة الله تعالى في سعة رحمته، حيث انه يحقّق رجاء الرّاجين، سواء أطلبوا ذلك بألسنتهم من خلال الدعاء المنطوق او كان ذلك بمجّرد الرغبة الداخلية، وهذا هو - كما أشرنا - منتهى الرحمة التي يتطلّع إليها العبد.
اذن أمكننا أن نتبيّن جانباً من الأسرار الكامنة وراء العبارة القائلة: (يا من بمن رجاه كريم)، حيث تضمّنت سعة رحمته تعالى.
أخيراً نسأله تعالى أن يشملنا برحمته وكرمه، وأن يوفّقنا الى ممارسة الطاعة، والتّصاعد بها الى النحو المطلوب.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة