نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها ادعية الزهراء (عليها السلام)، حيث حدثناك عن احد ادعيتها الخاص بيوم الجمعة، وانتهينا من ذلك الى الفقرة الاتية: (اللهم واجعلنا ممن اخلص لك بعمله، واحبك في جميع خلقك) . ان هذه الفقرة تجسد وثيقة عبادية ونفسية اي: بصياغة الشخصية السوية عبادياً ونفسياً وهذا ما يقتادنا الى القاء الاضاءة على هذا الموضوع، فماذا نستلهم من فقرة الدعاء؟
النص المتقدم يتضمن وثيقتين، احداهما هي: التوسل بالله تعالى بان يجعلنا ممن يخلص له بعمله، والاخرى هي: ان يجعلنا نحب الله في جميع خلقه والقارئ للدعاء قد يتساءل ما هي العلاقة بين طرفي الدعاء، حيث ان احدهما يتحدث عن عمل فردي محدود هو: الاخلاص في النية، بينما الثاني يتحدث عن عمل اجتماعي لاعلاقة له - في الظاهر- بالنية العبادية. فكيف نوفق بينهما؟
الجواب: مع تسليمنا بان احد شطري الدعاء فردي، والاخر اجتماعي، الا ان الرابط بينهما هو (الله تعالى) اي: العمل الخالص لله تعالى وحده. كيف ذلك؟
تقول العبارة الاولى: (اجعلنا ممن اخلص لك في عمله) ، هنا ينبغي لفت نظرك الى معنى الاخلاص، حيث يمكن تلخيصه بكلمة هي: ان يتمحض في سلوكه الفردي والاجتماعي لله تعالى، فالصلاة والصوم والخمس والانفاق ومساعدة الاخرين والاكل والنوم والقراءة والمشي والتجارة، ... الخ، ينبغي ان نتعامل مع هذه الممارسات من خلال العمل لله تعالى وحده دون اشراك الاخرين في ذلك، وقد سبق ان كررنا مقولة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليكن لك في كل شيء نية، حتى في الاكل والشرب) ، وفي ضوء هذه الحقيقة تظل اعمالنا الفردية والاجتماعية لله وحده، وتجئ العلاقة مع الاخر احد ابرز المصاديق الاجتماعية للاخلاص في العمل كيف ذلك؟
النص الدعائي يقول: (واحبك في جميع خلقك) هنا، نجيبك عن السؤال المتقدم، وهو العلاقة بين الاخلاص لله تعالى في اعمالنا وبين محبتنا لجميع خلقه تعالى. ان مخلوقاته تعالى تشمل جميع الظواهر، يستوي في ذلك ان تكون الظواهر كائنات حية، كالبشر وسواهم، او كائنات مادية، كالطبيعة مثلاً، وهكذا، والحب هنا يتجسد في نمطين، احدهما: الحب بمعنى ان العبد يقر بنعم الله تعالى وبرحمته وبقدرته و... الخ، بصفة ان مخلوقاته تعالى جميعاً تسبّح له ولكن لا نفقه تسبيحها، ونحن احد مصاديق هذا التسبيح. طبيعياً، نستثني ما هو منحرف من المخلوقات من شياطين الانس والجن، حيث ان الدار العاجلة هي المساحة الوقتية لانحرافاتهم اما الوجود الاكبر في الدارين (الدنيا والاخرة)، فان المهمة العبادية لمصاديقها تظل ممن يسبّحون الله ليلاً ونهاراً ولا يفترون عن عبادته.
يبقى ان نشير الى ان الذهن يتداعى - في الان ذاته- الى المخلوقات البشرية، بصفة ان الانسان كائن اجتماعي، وبصفة ان الاسلام رسم مبادئ التعايش الاجتماعي بينهم، حيث يتداعى الذهن الى ضرورة ان يوثق علاقته بالاخرين، حيث ينعكس ذلك على الحياتين: الدنيوية والاخروية كذلك، بيد ان الاستلهام الذاهب الى ان يجعلنا الله تعالى ممن يحبه في جميع خلقه مطلقا يظل هو الاقرب الى ما لاحظناه.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا لممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******