لانزال نحدثك عن أدعية الزهراء (عليها السلام)، ومن ذلك دعاؤها الشامل لحوائج الدنيا والآخرة حيث انتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه: (ولا تعذبني وانا استغفرك ولا تحرمني وانا أسألك) ، هذا النص ينطوي على معطيات معرفية يتعين على قارئ الدعاء أن يعيها، وهذا ما نبدأ بتوضيحه الآن. ثمة موضوعان احدهما متميز عن الاخر، الاول هو: الاستغفار، والاخر هو: السؤال، ثم هناك توسل بالله تعالى بألا يعذب الله تعالى من يستغفره، ثم ألا يحرمه تعالى من سؤاله والآن مع العبارة الاولى: (لا تعذبني وانا أستغفرك) وهي تعني ان العبد يقر بوجود ذنوب صدرت عنه لذلك يسأل الله تعالى ألا يعذبه ما دام قد استغفر، واما العبارة الثانية فهي: ان العبد يسأل الله تعالى حاجاته، ويتوسل بالا يحرمه منها. هنا قد يقول القائل: ان من حاجات العبد ان يغفر الله تعالى ذنوبه. وقد تضمنت العبارة الاولى هذا الموضوع، وحينئذ ما معنى ان يطلب في العبارة الثانية بالا يحرمه مما سأله؟الجواب: ان لكل منهما سياقه الخاص، وهذا ما نكرر توضيحه. لا ترديد ان خلاصة الحاجات من الله تعالى هي: تحقيق الرغبات لدى الانسان: كما لو طلب ان يوفق للعبادة أو يتسع رزقه أو يديم عافيته، ... الخ. واما الحاجة المقابلة فهي: ليست اشباع حاجات بل دفع الضرر، مثل توسل العبد بالله تعالى بان يغفر له ذنوبه، وان يشافيه من مرضه. وكل منهما قد يكون امراً دنيوياً كسعة الرزق أو اخروياً كغفران الذنب. بيد ان ما نعتزم الاشارة اليه هو: ان جلب الفائدة ودفع الضرر يظلان اولاً في صميم التركيبة النفسية للبشر، وينبغي في سياقات خاصة ان يكون الاهتمام باحدهما دون الاخر، كما لو اراد دفع الضرر فحسب، وهذا ما ينبغي الاهتمام به، كعملية التوسل بالله تعالى بان يدفع عن الانسان ضرره الأخروي. واما الدنيا فلا ينم الحرص على دفع الضرر فيها ما دام الله تعالى قد أكد بان الدنيا سجن المؤمن، الا ان هذا لا يعني طلب العبد ذلك بل اذا قدر له الضرر فعليه الصبر. بيد ان الرحمة الالهية من السعة بحيث تترك لقارئ الدعاء ان يدعو بما يحلم به وهو: دفع الضرر وجلب الفائدة وهذا ما عبرت العبارة الدعائية عنه بقول الزهراء (عليها السلام): (لا تعذبني وانا استغفرك، ولا تحرمني وانا اسألك) ، حيث تتناول الاولى دفع الضرر الاخروي والثانية جلب المنفعة الدنيوية والاخروية. والآن الى دعاء آخر ورد فيه: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وتوفني اذا كانت الوفاة خيراً لي) ، ثم تقول: (اللهم اني أسألك كلمة الاخلاص، وخشيتك في الرضا والغضب والقصد في الغنى والفقر) . هذا المقطع من الدعاء يتضمن اولاً توسلاً بالله تعالى بان يحيي عبده اذا كانت الحياة خيراً له وان يميته اذا كانت الوفاة خيراً. وبما ان هذين الموضوعين تحدثنا عنهما في دعاء آخر للزهراء (عليها السلام) لذلك لا نعيد الحديث عن ذلك الا ان ثمة ملاحظة يتعين علينا لفت نظرك اليها وهي: ان التكرار يرد في سياقات متنوعة فهنا يشمل السياق في الاشارة الى علم الله تعالى بالغيب وفي قدرته على الخلق لذلك فان التوسل بالاحياء او الاماتة يظل مرتبطاً بسياق هو: علمه تعالى بالغيب وقدرته تعالى على ما يريد فعله. وبالفعل توسلت الزهراء بعلم الغيب وبقدرة الله تعالى على تحقيق الحاجة وهي: الاحياء او الاماتة بصفته تعالى عالماً بما هو مصلحة العبد وقادر على تحقيق ذلك. اذن السياق هنا من حيث التكرار يختلف عما حدثناك عنه في لقاءات سابقة. ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى طاعته، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******