نتابع حديثنا عن الأدعية المباركة، ومنها ادعية الزهراء (عليها السلام) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها، ونحدثك الآن عن دعائها في تعقيب صلاة العصر، وقد ورد فيه: (اللهم انزع العجب، والرياء، والكبر، والبغي، ...)، هذا المقطع من الدعاء خاص بما يمكن تسميته بالعلاج النفسي لامراض الكبرياء والعدوان والرياء.
أن الزهراء (عليها السلام) تتوسل بالله تعالي (علي السنتنا) بان ينزع عنا العجب والرياء (وهما سلوكان حدثناك عنهما في لقاء سابق). اما الآن فنلاحظ ان مقطع الدعاء يتناول مفردات أخري من السلوك العصابي أو المرضي وهي مفردة الكبر، ومفردة العدوان والحسد ونحدثك الآن عن الاولي منها وهي: (الكبر). فماذا نستلهم من ذلك؟
قال الامام الصادق (عليه السلام): (لا يتكبر المتكبر الالذلة يجدها في نفسه)، ان هذا التقرير العيادي او النفسي يفصح لنا عن معرفة المعصومين (عليهم السلام) بكل الانماط المتصلة بالسلوك الفردي والاجتماعي مما يكشف عن الالهام الالهي لهم، وقد انتبه في عصورنا الحديثة بعض المعنين بعلم النفس، ومنه: علم النفس العيادي بخاصة مايسمي بعلم النفس المرضي اي ما يعالج الامراض النفسية ومنها (الكبر) حيث فسروه بانه قناع أو احد اليات الدفاع المرضي الذي يتسترون به للتخفيف عن المرض الذي يعانون منه وهو (الاحساس بالنقص) حيث يحاول المريض ان يحتمي من الاحساس المرير بهذا النقص فيلجأ الي اسلوب مضاد هو (الكبر) حتي يعوض به احساسه بالدونية، بصفة ان التكبر هو: سلوك متعال تحاول الشخصية بان تبدو متكبرة علي الاخرين: تصوراً منها بان هذا التعالي يعوض عن التداني او الذل الذي تحس به الشخصية: كما عبر الامام الصادق (عليه السلام) وفي تصورنا ان تشخيص الامام الصادق (عليه السلام) لجذر المرض (التكبر) بانه تعويض عن الاحساس بالذل هو اكثر ثراءً وتخصصاً من غيره لان الاحساس بالنقص له مستويات وانماط معينة، ويجيء الاحساس بالذل ابرز مصاديقه ومن ثم ينعكس علي سلوك الشخصية في احساس بالكبر اي: التكبر علي الاخرين، متوسلة بآلية الدفاع المذكورة.
بعد ذلك تواجهنا مفردة (البغي) والبغي هو: الظلم او النزعة العدوانية، وهي بدورها سمة مرضية حادة، حتي ان بعض علماء النفس فسروا السلوك البشري في احد شطريه بانه نزعة الي العدوان ولكننا اسلامياً لا نقر بشطريته بقدر ما يعني: طغيانها - اي النزعة العدوانية - لدي الشخصية الخاضعة لظروف خاصة قد يكون الاحساس مثلاً باصطيادها يدفعها الي التجاوز علي الاخرين والتلذذ بعدائها علي الاخرين حتي تعوض بدورها عن الاضطهاد الذي لحقها وسبّب لها هذا المرض. المهم مهما كان الجذر المرضي فان المطلوب اسلامياً هو: تسليط الوعي العيادي علي مطلق السلوك، ومحاولة الالتزام بمبادئ الشرع حيث تتكفل المبادئ بصياغة الشخصية السوية دون ادني شك.
ختاماً (نواصل حديثنا عن مقطع الدعاء المذكور) ومتابعة مفردات السلوك الذي عرضته عليها السلام لاحقاً ان شاء الله تعالي.
*******