موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا برهان، يا سلطان، يا رضوان، يا غفران..."
لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها: دعاء (الجوشن الكبير) حيث يتضمن الف سمة من صفات الله تعالى او اسمائه، وحيث كنا مع المقطع الخامس من الدعاء المذكور، فيما يتضمن كل مقطع (۱۰) سمات، ورد ضمنها ما يأتي: (يا برهان، يا سلطان، يا رضوان، يا غفران...). ونبدأ بألقاء الاضاءة اولاً على عبارة: (يا برهان)، فماذا نستخلص منها؟
لنتأمل قليلا حتى ندرك بأن (البرهان) مأخوذة من البرهنة على الشيء للوصول الى اثباته، او مأخوذ من الحجة، حيث ان الحجة هي تمامية البرهان على أحقية الظاهرة من هنا، فان الدعاء حينما يصوغ عبارة (يا برهان) يعني: يا (حجة)، بمعنى ان الله تعالى حجة على خلقه لا سبيل الى التشكيك بوحدانيته، وهذا من الوضوح بمكان.
بعد ذلك تواجهنا صفة او اسم (يا سلطان) ونعتقد بان الكلمة المذكورة لاتحتاج الى توضيح، لانها تعني: سلطة الله تعالى وسلطنته على الوجود، فهو: خالق الوجود، والمسيطر عليه، والمدير له وقد جاءت هذه الصفة (من حيث تسلسلها في مقطع الدعاء بعد صفة (يا برهان)، ليتداعى الذهن من خلال ذلك الى تاكيد الوحدانية لله تعالى، انه تعالى ما دام حجة على الوجود بنحو لا تشكيك في وحدانيته، عندئذ: فان الوحدانية المذكورة تتداعى باذهاننا الى سلطنته تعالى على الوجود والهيمنة عليه: كما هو واضح، وهذا ما تنسحب عليه عبارة (السلطان).
بعد ذلك، نواجه عبارة (يا رضوان)، فماذا نستلهم منها؟
لقد كانت عبارة (يا سلطان) ممهدة لعبارة (يا رضوان)، كيف ذلك؟
ان تسليمنا بان الله تعالى له سلطنة وهيمنة على الوجود تقتادنا بالضرورة الى (الرضا) بسلطته، اي: التقبل لذلك، واذا سحبنا الصفة المذكورة على احد اسماء الله تعالى حينئذ فان صيغة (رضوان) تعني: رضاه تعالى في الصيغة المبالغة: وهذا ما تنطبق عليه عبارة (رضى الله عنهم ورضوا عنه)، هذا الى ان المصادر اللغويية تشيد الى دلالة اخرى لمفهوم (الرضا) الا وهو: (المحب) وهذا بدوره ينسحب على رحمته تعالى، حيث ان الله تعالى (محب) لعباده، رؤوف بهم.
ونتجه الى اسم آخر وهو (يا غفران)، وهذا الاسم او الصفة لاتحتاج بدورها الى توضيح، ما دمنا نعرف تماما بان الغفران هو: من المغفرة، وان الله تعالى ما دام (محباً) لعباده و كما هو مفاد الاسم السابق (يا رضوان)، حينئذ فان مغفرته تعالى لذنوب عباده وتقصيرهم في اداء وظائفهم، يتساوون مع رضاه.
بعدها نواجه ثلاث سمات يختم بها المقطع الخامس من دعاء الجوشن، وهي (يا سبحان، يا مستعان، يا ذا المن والبيان.
ولنتحدث في البداية عن الاسم او الصفة (يا سبحان) وهذه السمة تعني: التنزيه او التمجيد لله تعالى طبيعياً، عندما نسلم بمحبته تعالى وبغفرانه لسلوكنا المقصر، فان ثمن ذلك ـ لا اقل ـ هو: تعظيمه تعالى وتمجيده وتنزيه من حيث تفرده او وحدانيته في هذا السياق او ذاك: بحسب تنوع صفاته في الرحمة بعباده.
يتبقى ان نحدثك عن عبارة (يا مستعان)، واخيراً (يا ذا المن والبيان)، ونعتقد ان السمة الاخيرة وهي (يا ذا المن والبيان) تحتاج الى مزيد من الانارة، لذلك نؤجل الحديث عنها الى لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
ونكتفي بالاشارة الى ما سبقها وهي صفة (يا مستعان)، حيث ان الاستعانة الله تعالى وحده تفرض علينا مشروعيتها، ما دامت الصفات المتقدمة على هذه الصفة في المقطع الخامس من الدعاء مشيرة الى سلطنته ومحبته، حيث ان (وحدانيته) في ذلك جميعاً: تقتادنا الى عبادته والاستعانة به، ألم نقرأ سورة الحمد «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ»؟
اذن العبارة له وحده تعالى، والاستعانة به وحده تعالى، تفرضان علينا ذلك، وهو امر يقتادنا من جديد الى ان نسأله تعالى بان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.