أيها الإخوة والأخوات، حكى سماحة الشيخ سلمان حدادي قصته خلال مقابلة أجرتها معه الأخت الكريمة (مهري هدهدي) ونشرتها في منتصف شهر ذي الحجة الحرام سنة ۱٤۳۳ للهجرة على موقع تبيان في شبكة الإنترنت.
وملخص قصته في أقسامها الثلاثة التي استعرضناها في الحلقات السابقة من البرنامج هوأنه ولد في مدينة سنندج سنة ۱۹۸۲ ميلادية ونشأ على الأفكار الوهابية منذ صغره وقد درس في زاهدان والباكستان قرابة أربعة أعوام وانغمر في التعصب الأموي الوهابي وما أفرزه من كره شديد لأتباع مذهب أهل البيت خاصة وبقية المذاهب الإسلامية عامة.
وقد درس الأخ سلمان إضافة إلى دراسته الدينية في جامعة كرمانشاه فرع هندسة استخراج المعادن وانجذب إلى زميل له اسمه مهدي رضائي أعجب بطيب أخلاقه واحتفظ بعلاقته به رغم كونه شيعيا، واستجابة لإصراره ذهب معه إلى المجلس الحسيني في ليلة عاشوراء، وكان ذلك سببا لنفوذ هداية حسينية إلى قلبه إذ بكى طويلا في تلك الليلة ليبدأ رحلة طويلة من البحث العلمي استمرت قرابة أعوام انتهت بتشيعه لأهل بيت النبوة – عليهم السلام –.
هذا الأمر أغاظ أباه ومتعصبي أقاربه فحاولوا صرفه بشتى الطرق من المحاججة والإغراء بالمنح المادية ثم التضيق عليه في معيشته لكنهم فشلوا في ذلك، وعندما قرر الإنتقال إلى طهران للبحث عن عمل فيه هاجموا وضربوه على رأسه فأغمي عليه ورفسوا زوجته التي حاولت الدفاع عنه فأسقطوا جنينها ذا الأربعة شهور.. ثم هرب من المستشفى لكي ينجوبدينه ومعه زوجته ولجأ إلى صديق له في مدينة (أرومية) فأبى أن يأويهما عندما علم بتشيعهما، فسافر إلى مدينة قم وحيث لم يكن فيه أحدا لجأ إلى مسجد جمكران وبقي فيه مع زوجته خمسة وأربعين يوما..
يقول الأخ سلمان الحدادي ما ترجمته : (عانينا من الجوع والتشرد لكننا ما جرى على عيالات الحسين – عليهم السلام – فيهون علينا مصابنا.. وبقينا في جمكران مدة، كان ذلك في سنة ۱۳۸٥ هجري شمسي (۲۰۰٦ ميلادية)، نفذ المال القليل الذي كان معي.. فوجدت ورقة كتبت رسالة إلى إمام الزمان – عليه السلام – قلت فيه : يا مولاي أنا في ضائقة وقد تركت كل شيء وجئت إليك.. وببركة إمام العصر – عجل الله فرجه – حلت مشكلة الطعام فكان تأتينا مرة وجبة الغداء أوالعشاء من المواكب أوالزائرين لمسجد جمكران أومن غيرهم كنا ننام في الليل أنا وزوجتي على الكرتونة جائني ذات يوم أحد خدمة مسجد جمكران كان يراقبنا على ما يبدوفسألني عن هويتي المدنية فقدمتها له، ولما رأى أنني من أهل سنندج سألني : ما الذي يدعوك للبقاء هنا ؟ وبمشقة بالغة بسبب صعوبة النطق التي أصبت بها إثر تلك الضربة على رأسي ولازلت إلى اليوم أتلقى العلاج لإزلتها، أجبته قائلا : لقد تشيعت. فقال هل لديك مسكن في قم ؟ منعني الخجل من أن أجيبه بالنفي، فقلت لدينا ملجأ. ذهب الرجل ثم عاد إلينا بعد عشرين دقيقة وقدم لي ثلاثين ألف تومان وقال : هل تكفيكم للعودة إلى مدينتكم ؟ قلت لا أريد مالا. قال : إن غيرتنا لا تسمح لنا بعدم المبالاة وزوجتك تنام في العراء !)
أصر الرجل على أخينا سلمان أن يأخذ ذلك المبلغ، فرضي بذلك بعد أن وجد في قلبه أنه هدية من الله جوابا على الرسالة التي كتبها لمولاه صاحب الزمان أرواحنا فداه. يقول أخونا الشيخ سلمان حدادي : (كانت حادثة مجيئ هذه الثلاثين ألف تومان ألذ حادثة مرت علي، لازال تأثيرها قويا في قلبي، لقد بحثت طويلا فيما بعد عن ذلك الرجل فلم أجده إلى اليوم ؛ وعلى أي حال لقد كانت هذه الثلاثين ألف تومان عظيمة البركة علي وأغنتني ولم أشعر بعدها بالفاقة. لقد قسمت هذا المبلغ لشراء مقدار من الطعام كل يوم وبعد شهرين استطعت الذهاب للحمام للإغتسال وقص شعري.. ثم ذهبنا لزيارة السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم – عليه وعليها السلام – وقلنا لها : يا سيدتي لقد جئناك قربة إلى الله على محبتك ومحبة آبائك الطاهرين ولا نعرف أحدا هنا غيرك ولا ندري ما الذي نفعله هنا)
أيها الإخوة والأخوات وببركة التوسل إلى الله عزوجل بهذه السيدة الجليلة مولاتنا فاطمة المعصومة – عليها السلام – هيأ الله تبارك وتعالى للأخ سلمان حدادي من يدلهما على أحد المسؤولين في حوزة قم العلمية فلما عرف بقصتهما قال لها : إن شئتما البقاء في مدينة قم المقدسة هيئنا لكما السكن.أجاب الشيخ سلمان : لا، أرغب في العودة إلى مدينة (أرومية) والعمل في إحدى مدارسها. فقال : كما تشاؤون، وقدم لهما مبلغا من المال. يقول الأخ حدادي متابعا رواية ما جرى في ترجمته : (عندما خرجنا من عند هذا الرجل، قلت لزوجتي : لقد جئنا إلى قم والآن رزقنا الله هذا المال، فلنذهب أولا إلى زيارة الإمام الرضا – عليه السلام – ثم نذهب بعدها إلى أرومية للبحث عن عمل فيها.. وبالفعل ذهبنا إلى مشهد.. وقد بكيت كثيرا في الحرم الرضوي.. وشاء الله عزوجل أن تطول مدة إقامتنا في مشهد حدود أربعة أعوام.. لقد دخلت في حوزة مشهد لدراسة العلوم الدينية وتابعت الدراسة فيها طبق مذهب أهل البيت عليهم السلام ثم ذهبنا إلى قم وهيأ الله لنا دارا للسكن بمعونة بعض الأصدقاء).
وببركة رضوية كريمة حقق الله لهذا الشاب الصبور وزوجته زيارة الإمام الحسين – عليه السلام – الذي كان سبب هدايتهما وعوضهما عن ولدهما السقط الذي أجهضه التعصب الوهابي بما لم يكن في الحسبان.
يقول سماحة الشيخ سلمان حدادي : (بسبب الصعاب والمشاق التي عانتها فقدت زوجتي حدود أربعة عشر كيلوغراما من وزنها وأصيبت بالكآبة.. وفي سنة ۱٤۳۲ للهجرة وبمناسبة يوم عيد الزهراء – عليها السلام – طلبت أمرين من الله عزوجل هما الولد وزيارة كربلاء. وبعد أسبوع من ذلك جاء أحد الأصدقاء من هيئة الموكب الحسيني وقال لي : لقد رأيت البارحة في المنام أنك وزوجتك تقومان في الحسينية بخدمة المشاركين في مجلس العزاء الحسيني وتقدمان الشاي لهم. وقد أوّل هذا الأخ رؤياه بلزوم إرسالنا إلى كربلاء، فوجد متبرعا تطوع بتقديم تكاليف السفر.. وبالفعل توجهنا إلى العراق لزيارة العتبات المقدسة. وفي كربلاء علمنا بما لم نكن نصدقه.. لقد علمت أن زوجتي حاملة وهذا ما كان محالا بسبب تلك الرفسة التي تلقتها وأدت إلى إجهاضها !
ابتهج قلب الشيخ الشاب وزوجته بهذه العطية الكريمة التي شاء الله أن يتحفهما بها في كربلاء المقدسة معززا في قلبيهما جمال الإهتداء بالحسين – عليه السلام –. يقول أخونا الشيخ سلمان حدادي في الفقرات الأخيرة من روايته لقصته المؤثرة : (لقد كانت تلك الدموع التي ذرفتها وأنا وهابي يومها على مظلومية الحسين – عليه السلام – في تلك الليلة العاشورائية دموعا خاصة ولطفا إلهيا لقد بكيت حتى ابتلت ثيابي، فمهد الحسين وهو– عليه السلام – سفينة النجاة لنجاتي.. أعتقد استغراق رحلتي للتشيع أكثر من أربعة أعوام من البحث العلمي كان لطفا آخر يهدف إلى تقوية خلفيتي العلمية والفوز في جميع المناظرات ولكي أستطيع أن أتغلب على جميع الشبهات.
إن لدي أربعة إخوة وأربعة أخوات اعتنق أحد إخوتي وإحدى أخواتي التشيع لأهل البيت – عليهم السلام – بعدي وهم الآن يقيمون مع عوائلهم في طهران لقد درست جميع الأديان فلم أجد فيها الروح السامية التي وجدتها في علي وأولاد علي – عليهم السلام –، إنها الروح التي تجمتع فيها الولاية مع البراءة في انسجام كامل. إن العشق الذي يتجلى في الحسين وفي مشاهد كربلاء وملحمة الشهداء والأسرى وتضحيات الزهراء – سلام الله عليها – لا نظير له في أي من الأديان. وإن الإمام أمير المؤمنين – عليه السلام – هوالبحر المحيط الذي لا يمكن حده بحد. إن الصديقة الزهراء – عليها السلام – هي أعظم ملاذ وملجأ في هذا العالم، ومن يقسم على الإمام علي – عليه السلام – بها – سلام الله عليها – لن يخيب مهما كانت مشكلته وطلبته.
إن مطلبي الثابت من الله هوسلامة مولاي إمام العصر – عجل الله فرجه – ؛ وكل ما أسعى له الآن هوأن لا أقوم بأي عمل سوى ما ينصب في خدمة المعصومين الأربعة عشر وأن أعرف واجبي تجاههم، أريد أن أكون شيعيا مفيدا سائرا في طريق أمير المؤمنين والإمام الحسين وجميع أهل بيت النبي – صلى الله عليه وآله – والحمد لله رب العالمين.
وبهذا ننهي أيها الإخوة والأخوات استعراض قصة أخينا سماحة الشيخ سلمان حدادي من أهالي سنندج ونجاته بالحسين من ظلمات التعصب الوهابي إلى أنوار النهج المحمدي القويم قدمنا لكم ضمن برنامج (بالحسين اهتديت) من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية.
نجدد لكم أخلص التحيات ودمتم بكل خير.