البث المباشر

من طقوس حسن الضيافة لدى العراقيين في الأربعين

الإثنين 11 أغسطس 2025 - 13:32 بتوقيت طهران
من طقوس حسن الضيافة لدى العراقيين في الأربعين

يتسارع أهل العراق في أداء زيارة الإمام الحسين (ع) قبل الأربعين في كل عام، لإفساح المجال لملايين الزوار. لكن هذا العام، ازداد هذا السلوك أكثر بروزا، وبلغ حسن الضيافة للشعب العراقي ذروته مع الحضور الكبير للزوار الأجانب.

إن كربلاء تشبه هذه الأيام كبحر عاصف، تتلاطم أمواجها من جميع أنحاء العالم نحو شاطئ واحد، شاطئ يُدعى حب الحسين (عليه السلام). ومع مرور كل ساعة، تزداد الشوارع المؤدية إلى ضريحي الإمام الحسين (ع) والعباس (ع) أكثر ازدحاما.

أينما نظرت، تتدفق الحشود. رجال ونساء، كبار وشباب، حتى أطفال صغار يحملون أعلامًا صغيرة أو صورا للشهداء في أيديهم. وصل بعضهم للتو، وقد استقر غبار الطريق على ملابسهم، لكن بريق الفرح في عيونهم أكبر من التعب. لقد مكث البعض هنا طويلاً، ومع ذلك لا يشعرون برغبة في المغادرة.

يمتزج صوت الحشود بأصوات "لبيك يا حسين" و"لبيك يا عباس" ورائحة الخبز الطازج من المواكب. يخطو الزوار القادمون من النجف، بعيون حمراء من الدموع وقلة النوم، خطواتهم الأخيرة بثبات أكبر.

يتمتع باب القبلة في مرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام) بأجواء لا تكتمل إلا برؤيتها. تدخل الحشود وتخرج بلا توقف. تمتد الأيدي نحو القبة الذهبية، والشفاه تحيي بصمت.

من سار على طريق النجف - كربلاء يعرف جيدًا عن أي لحظة نتحدث. قبل العمود الأخير، عندما ترى القباب الذهبية من بعيد، يبدو وكأن ساقيك فقدتا السيطرة. تنهمر دموع غير مبررة، ويحترق حلقك، ويرتفع صوت "يا عباس" أو "يا حسين".

يقول "علي"، زائر عراقي من البصرة عن مجيئة لزيارة الأربعين طوال 15 يومًا:

"كل عام، بمجرد أن نرى القبة من بعيد، كنا نحييها ونعود. هذا العام وصلنا مبكرًا ووصلنا إلى بين الحرمين وقمنا بتحية وسلام، والآن نحن عائدون".

أينما نظرت، تجد العراقيين يقفون بوجوه مفتوحة. أحدهم يقدم لك كوبًا من الماء البارد، وآخر يقدم لك نصيبه من الطعام. لكن ما يجذب الانتباه أكثر هو سلوك ربما نادرا ما رأيته:

"زوار قدموا من مدن عراقية، يعودون أدراجهم بعد رحلة زيارة قصيرة لإفساح المجال للآخرين".

أحد هؤلاء الزوار هو "محمد باقر"، الذي لقد جاء لزيارة الأربعين لأكثر من 15 عامًا ويقول:

"لقد تعلمنا أن الخدمة لا تقتصر على إطعام الزوار فقط، ففي بعض الأحيان يجب التحلي بالصبر لإفساح الطريق، حتى يتمكن الزوار القادمون من دول أخرى أيضًا على أداء زيارة الأربعين".

كما يلاحظ بأنه لم يقم بعض الزوار بأداء التحية والسلام لضريحي الإمام الحسين (ع) والعباس (ع) بعد، لكنهم يقرؤون زيارة الوداع. كما يقول "حسن" من بغداد:

"بما أننا لم نكون موجودين هنا للأربعين، فنقرأ زيارة الأربعين من الآن فصاعدًا".

تمتلئ هواء بين الحرمين بالأصوات. أصوات دعاء هادئة، وهمسات بكاء من الزوار بلغات مختلفة.

تبدو كربلاء الآن كسجادة مليئة بالنقوش. إيرانيون، لبنانيون، باكستانيون، هنود، أفغان، وحتى زوار من دول أفريقية وأوروبية. كل واحد منهم يحمل علم بلده أو علم "يا حسين". لا أحد غريب هنا، الجميع في هنا قلوبهم وأصواتهم واحدة.

عندما يحل الليل، تُضاء الأنوار ويصبح بين الحرمين بحرا من النور. القباب تتلألأ، الأعلام سوداء، والأرض تعجّ بالزوار، إما جالسون يقرؤون الأدعية بهدوء أو واقفون يلقون التحية بصوت عال.

إن المشي على هذه الأمتار القليلة بين الحرمين يشبه عبور جسر يكون أحد جانبيه الدنيا والجانب الآخر هو الجنة.

كربلاء المقدسة قد بلغت ذروتها بالفعل من كثرة زوار الأربعينية. لقد فضّل الكثيرون عدم البقاء في الأربعين لإفساح المجال للآخرين. ولقد أتاحت هذه المشاركة المليونية بأن يستمر شغف وشوق الزوار لأداء زيارة سيد الشهداء.

تقول إحدى النساء العراقيات مبتسمةً:

"على المضيف أن يعلم أن الضيافة أحيانًا تعني مغادرة كربلاء والزيارة مبكرا. وهذا يُعتبر أيضًا نوعًا من تقديم الخدمة للإمام الحسين عليه السلام".

ومع غروب الشمس، تزداد أنوار بين الحرمين أكثر سطوعا، لكن القلوب لا تهدأ ولا تستقر. كل تحية هي أيضا وداع. البعض يحزنون بالفعل، مدركين أنه يجب عليهم الانتظار حتى العام المقبل لأداء زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام في يوم الأربعين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة