مما لاشك فيه بأن مسيرة الأربعين، باعتبارها أكبر تجمع بشري في العصر الحالي، ليست مجرد حدث ديني، بل هي تعد أيضا قدرة حضارية وتاريخية تحمل في طياتها دلالات روحية، اجتماعية، سياسية وثقافية عميقة.
وبعض الآثار المعنوية للمشاركة في هذه المسيرة، تتخلص في السعي لنيل رضا الله، ترسيخ الهوية التوحيدية والعبودية، تمرين النفس على الطاعة والإيثار، خدمة الزائرين، التعلق بالأدعية والزيارات والقرآن وتذكّر المعاد.
ومن بركاتها الاجتماعية يمكن الإشارة إلى تعزيز وحدة الأمة الإسلامية، ترسيخ روح الأُلفة والتعايش بين القوميات والجنسيات، وتجربة عملية للخدمة بلا حدود.
إن الآثار الحضارية لمسيرة الأربعين يمكن ذكرها في إعادة إحياء الحضارة الحسينية القائمة على العدالة، الكرامة والمقاومة، إنشاء نموذج للحكم الشعبي بمشاركة عامة، وتنمية العلاقات الثقافية واللغوية بين الأمم حيث هذه الآثار لاتقتصر على العالم الإسلامي فحسب بل تحمل رسالة عالمية إذ أصبحت مسيرة الأربعين لغة رمزية للمقاومة على صعيد العالم.
وهذا التجمع المليوني، من خلال تعزيز الوحدة بين السنة والشيعة، والتعاطف مع شعوب فلسطين ولبنان، وتقوية الدوافع النضالية ضد الصهيونية، يُعتبر دعمًا ناعمًا ونفسيًا وثقافيًا لمحور المقاومة".
ضرورة تأسيس جبهة ثقافية للمقاومة خلال الأربعين بمشاركة النخب
إن من أهم السبل لتعزيز الآثار الحضارية لمسيرة الأربعين: إعداد نخب حضارية برؤية استراتيجية للأربعين، توظيف الإعلام والفنون لشرح رسالة الأربعين، تحويل المسيرة إلى تيار دائم وليس مجرد مناسبة موسمية، إنشاء مراكز بحثية "أربعينية" في الحوزات والجامعات، وتوسيع الروابط الدولية مع الشيعة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا وآسيا، وكل ذلك في إطار التمهيد لظهور الإمام المهدي (عج).
كما أنه يمكن للنخب الحوزوية إعادة صياغة الإطار النظري للحضارة الحسينية، وشرح نموذج الحياة المستوحى من الأربعين، استنباط العلاقة بين الأربعين مع الحضارة الإسلامية الحديثة، وإنتاج المحتوى التعليمي والإعلامي لنشر معارف الأربعين.
ولذلك ينبغي التأكيد على أهمية استثمار الطاقات الإعلامية لمسيرة الأربعين للدفاع عن مظلومي غزة واليمن وسوريا، وتفعيل دبلوماسية شعبية من داخل الأربعين لكشف جرائم أمريكا والكيان الصهيوني، حتى يمكن مواجهة الفتن الصهيونية والاستعمارية من خلال هذا الحدث العالمي.
كما أنه يجب عرض الأبعاد الحضارية للأربعين في المحافل الأكاديمية على أساس الحب بين الشعوب والحضارات، حيث يمكن توحيد البشرية تحت راية التوحيد والعبودية لله، والتمهيد لظهور المنقذ العالمي والمصلح الشامل من خلال الحب للإمام الحسين عليه السلام، والدروس التي علمنا إياها الإمام السجاد والسيدة زينب عليهما السلام.
وأخيرا يجب تأسيس جبهة ثقافية للمقاومة في إطار مسيرة الأربعين بمشاركة نخب العالم الإسلامي، بحيث الأربعين ليست مجرد طقس ديني، بل قلب نابض لحضارة قادرة على إلهام البشرية جمعاء.
وإذا نظر نخب الحوزة والجامعة إليها بعين حضارية، فإن هذه المسيرة يمكن أن تكون منصة لبناء الحضارة الإسلامية وتمهيدا لظهور الإمام المهدي عليه السلام".