وتحدثت فيها عن مقدمات الإهتداء الذي سبقها إليه زوجها منذ عدة سنين دون أن تتأثر لذلك... قالت حفظها الله:
حصلت على بكالوريوس التعليم الثانوي في مادة الكيمياء في المعهد العالي الجزائري للأساتذة، وانشغلت بتدريس مادتي الفيزياء والكيمياء لمدة تسع سنوات، والآن ومنذ خمس سنوات أشرف على الإدارة الداخلية لمعهد السيدة خديجة عليها السلام للعلوم الإسلامية في قم المقدسة، ومنذ أيام الجامعة كان أمل زوجي أبي عبد الرحمن أن يلتحق بقم المقدسة لطلب علم أهل البيت، وقد تعرّف على المذهب الشيعي ومنجزات الثورة الإسلامية عن طريق شاب إيراني كان يدرس معنا في الجامعة، وأضحى هدفه الوحيد منذ ذلك الوقت هو الهجرة وطلب العلم ولم يتحقق هدفه إلا بعد مرور إثنتي عشرة سنة، في أيام الجامعة تقريباً أما أنا فقد كنت منغمسة في التدريس ومسؤولياته ولم يكن لدي أدنى توجّه في المعارف الإسلامية، بل كان تديني تقليديا كأغلب الناس، فلم أكن أناقشه في مسائل المذهب الجديد، ولم أكن أهتم بمطالعة الكتب الشيعية القليلة التي كان يحصل عليها وهكذا بقيت طول هذه الفترة على مذهبي.
وتتابع أختنا الجزائرية قصتها فتعرفنا بالإنطلاقة التي هزت وجودها وهدتها الى الدين الحق، قالت:
قدم أبو عبد الرحمن إلى ايران سنة قبل سفري حيث أستطاع أن يهيء لنا المسكن وغيره ثم أرسل إلينا على أن نلتحق به أنا والأطفال، فنزلنا إلى سوريا في محرّم سنة ۱٤۱٤ هـ وهناك إلتقينا به.
أوّل ما فعله في سوريا هو أنه أخذنا إلى زيارة مقام السيدة زينب سلام الله عليها طبعاً، معلوم أن المشرق أرض الأنبياء و المغرب أرض الأولياء، فمقامات أولياء الله الصالحين منتشرة في كل المغرب العربي، حيث يرد عليهما الناس فيرفعون حاجاتهم الى الله تعالى ويتوسلون بهم. وكثيراً ما كان يستجاب دعاؤهم وتقضى حاجاتهم، إلا أنّه وبعد ظهور أفكار بعض الفرق الإسلامية التي تعتقد بأن زيارة المراقد شرك قلّت زيارة الناس وترددهم على هذه المقامات، فلمّا دخلنا إلى مقام السيدة زينب عليها السلام لم أتعجب ممّا رأيته من توسل الناس، وتبركهم بمرقدها الشريف، وبكائهم ودعائهم، إلا أنه بهّرني جماله وإتقان صنعه، وأحترام الزوّار للمرقد، لما كنت أتردد على مراقد الأولياء الصالحين في بلدي (خاصة أنّ عقيدتي بهم كانت ضعيفة جدّاً لأنني كنت أجهل دور وساطة الأولياء والصالحين ومكانتهم عند الله تعالى، وكان يرتابني الشك والخوف من السقوط في الشرك).
مستمعينا الأعزاء ولكن هذا الخوف و الشك زال في الحرم الزينبي وزال غباره عن قلب الأخت أم عبد الرحمن ولكن كيف... تقول الأخت:
عندها ناولني أبو عبد الرحمن التربة وزيارة السيدة زينب عليها السلام قائلاً: صلي ركعتين ثم أقرأي هذه الزيارة.
فصلّيت ركعتين ثم بدأت في قراءة الزيارة وكنت كلّما أقرأ ما فيها من وصف حال أبناء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم، تأخذني رعشة، ولم أكن أدري ما حصل في يوم عاشوراء للحسين عليه السلام وأهله و أصحابه، ولم أكن أعلم ما لحق بالسيدة زينب وبنات رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بعد ذلك، فكانت هذه الحقائق تدمي القلوب وتذيبها هل يمكن أن يفعل هكذا بأحفاد الرسول صلى الله عليه وآله و سلم وإذا كان الأمر كذلك لماذا نجهل هذه الأمور؟ لماذا ندرسها في دروس التربية الإسلامية؟
والتاريخ؟ ألا تستحق هذه الفجيعة أن تعرف من طرف كل مسلم، أم أنها أخفيت لهدف معين وعمداً، تساؤلات لا أجد لها أجوبة، لأن الحقيقة حجبت علينا والتاريخ محرّف مزيف فما وجدت حيلة ولا وسيلة إلا البكاء والنحيب، وفي تلك اللحظات الحاسمة الحزينة التي يجد فيها الإنسان نفسه أمام حقائق خطيرة تمس بعقيدته وتاريخ دينه أصاب شعاع من أشعة الرحمة واللّطف والعناية الإلهية التي كانت تعم تلك الحضرة الشريفة قلبي فحرّك الفطرة الدفينة والحب العميق الذي أودعه الله تعالى في قلب الإنسان تجاه أهل بيت الرسول، وبحمد الله وعونه صارت نقطة التحول في حياتي وحياة أسرتي كلها منذ تلك اللحظة. وقد كانت هذه الهبة الإلهية أجمل وأفضل نعمة أنعمها الله علينا الى جانب نعمه وفضله الدائم فالحمد لله رب العالمين.
أيها الأخوة والأخوات، وببركة هذه الهزة الحسينية الزينبية تفضل الله عزوجل على هذه الأخت بنعمة أن فتح قلبها للبحث والتحقيق وصولاً لمعرفة الدين الحق عن علم ويقين، تقول الأخت أم عبد الرحمن في تتمة حكايتها:
بعد أسبوع تركنا سوريا و توجهنا إلى ايران، هناك بدأت أطالع كتب التاريخ والسيرة وأتعرف على سر الإمامة فأستغربت كيف حجبت الحقيقة عن الناس، وقد ورد في القرآن الكريم آيات وفي السيرة روايات عديدة تنص على تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة من ولده منصب الخلافة والإمامة فأوّلت الآيات وأخفيت الروايات أو أتلفت وكلّ من يعترّف الى مذهب أهل البيت ومناقبهم، فإنه يعثر على إيجابيات يفتقدها غيره تتلخص – في اعتقادي – في هذه النقاط التالية:
إن المذهب الشيعي عقلي، فهو يوافق الأحكام العقلية سواء على مستوى المعتقدات أو على مستوى الفروع، فكلّما تعمّق الإنسان في معرفة المذهب وفهمه ازداد أقتناعه به، وأنّه: المذهب الحق.
أعزاءنا المستمعين ثم تتوجه الأخت أم عبد الرحمن لعرض الأدلة التي أوصلتها الى النتيجة في حديث مفصل نختار لكم بعض مقاطعه بما يتيسر له وقت البرنامج... تقول أختنا الجزائرية عن ما توصلت إليه من مميزات مذهب أهل البيت – عليهم السلام –:
إنّ كل الديانات السماوية نزلت لتنظيم حياة الإنسان وإيصاله إلى كماله المنشود، لينال بذلك سعادة الدنيا، والآخرة فإن كان الدين محرّفاً أو مشوهاً بالبدع والخرافات – التي يرفضها كل عقل سليم – فإنه لا يؤدي الدور المطلوب منه و يترك الكمال الحقيقي وهو التأسي بالإنسان الكامل الذي لا يحصل إلا عن طريق الدين والإلتزام به وإن المذهب الشيعي (أو الدين الإسلامي الحق) إنتقل من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، صاحب الوحي والرسالة إلى كافة الناس بعد ارتحاله عن طريق فئة مختارة من طرف الله تعالى تمتاز عن باقي البرية بكونها من أهل بيت النبوة، كبرت وترعرعت أخذت من فضائله، وقيمه، وأخلاقه، في أحضان رسول الله صلى عليه وآله وسلم وعلمه، والأهم من ذلك تمتاز هذه الفئة بصفة لا يتصف بها إلا نبي منزل أو رسول مرسل وهي العصمة.
فللعصمة الدور الأساسي للحافظ على الدين وصونه من التحريف والبدع والخرافات، فبقي دين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على حاله ينتقل من إمام معصوم إلى وصي معصوم إلى يومنا هذا ولذا يستحيل أن يخالف المذهب أحكام العقل.
أعزاءنا المستمعين وفي جانب أخر من حديث الأخت الجزائرية (أم عبدالرحمان) نستشعر آثار نفوذ الروح الزينبية الى قلبها وإستعانتها بها للثبات على المذهب الحق الذي إنطلقت لمعرفته من المظلومية الزينبية، تقول حفظها الله: إن الإنسان في حياته اليومية قد يتعرض إلى مشاكل ومصائب فيسعى الى حلّها بكلّ الوسائل لكنّه يفشل أو قد تكون لديه حاجات معنوية لا يقدر على تحقيقها، أو قد يشعر أحياناً بنعم خالقه ولطفه ورعايته فلا يعرف كيف يشكره ويحمده، وقد يشعر أحياناً... بشغف وشوق وحب عميق لله تعالى فيريد أن يبرزه فلا يجد السبيل إلى ذلك أمّا من عرف أهل البيت عليه السلام فإنه ينال مناله بكل سهولة ودون عناد وتعب، فهم حبل ممدود من السماء الى الأرض لا يضيع من تمسّك به ولا يشقى ولا يخيب، فقد تركوا لشيعتهم ومحبيهم ومواليهم الأدعية والمناجاة يعيش في خلالها المؤمن مع خالقه، في كل آن وحين، يبرز له العبودية والفقر والحب والإشتياق، يطلب حاجات فيجاب، يستغفر فيجاب يتوسّل فيجاب يشفع فيجاب، هذا الأمر مفتقد لدى المذاهب الإسلامية الأخرى.
لا شك بأن المسلمين كافة مجمعين على ظهور صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف. وإن إختلفوا في جزئيات المسألة والجانب الإيجابي المفقود عند السنّة في مسألة الظهور هو أن الشيعة يعيشون الظهور بعلمائهم وعوامهم ويحضّرون له، فيصبح للإنسان هدف مقدس يعيش من أجله وهو الاستعداد ليوم الظهور والعمل على تعجيل ذلك اليوم كلّ حسب مرتبته، فهم يعيشون مع إمام زمانهم أرواحنا له الفداء في غيبته وهذا أمر مهم جداً لأنه يعيش ضابطاً يمشي وفقه المسلم و تترتب بذلك آثار إيجابية على حياته وسلوكه ومعتقداته.
أيها الأعزاء وفي ختام حكايتها توجه أختنا الجزائرية (أم عبدالرحمان) الكلمات التالية لكل من يطلب الهداية والحق... إنها كلمات تمثل نتيجة رحلتها للهدى والدين الحق التي انطلقت من حرم إخت الحسين وحاملة رسالة إستشهاده مولاتنا زينب عليها السلام ، قالت حفظها الله:
لو اتبع المسلمون نصائح أهل البيت عليهم السلام وتوجيهاتهم وعملوا بما أوصوا له لما شقى مسلم على الأرض ولما تخلف أحد عن الحق ولما ركن إلى أي رأي كونيه ومعتقدات غير المعتقدات الإسلامية، فالعقل إذا تحرك وصل إلى كشف الحقائق وتشخيص المصلحة من المفسدة، وفي هذا العصر مع تطوّر وسائل الإعلام والأتصال لم يبق لأحد حجّة فعلى كل واحد منا أن يبحث وينقّب في التاريخ، فليبحث كل واحد منا في كتب الشيعة أو السنة عن حديث المنزلة، عن حديث الدار، عن حديث الثقلين عن حديث الغدير حتى يطلع على محتواها وقد تواترت هذه الأحاديث بأسانيد صحيحة و معتبرة القول على وصية الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم في كل فرصة يرى الناس أن له نائباً، ووصي، وخليفة إن الله تعالى لما جعل الدين الإسلامي خالداً صالحاً لكل الأزمنة والعصور، فقد جعل له أيضاً رجاله، فلو لم يرسل الله رسوله الأعظم ويذهب الأئمة لإكمال الرسالة المحمدية اضمحلّت ولما كان الدين الإسلامي خالداً الى قيام الساعة، فلنبحث ولنصبر ونغتنم والله ولى التوفيق والحمد لله رب العالمين.
وبهذا ينتهي أعزاءنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران لقاء اليوم من برنامج (بالحسين إهتديت) تقبل الله حسن الإصغاء ودمتم في رعايته سالمين.