إخوتنا الأفاضل.. إن قاعدة الإضطرار إلى النبي والحاجة إليه، هي بعينها جارية في أوصيائه، لأن الحاجة إليهم غير مختصة بوقت دون آخر، فبالنبي والوصي يجتمع شمل الناس، ويقام فيهم العدل، وتثبت الحجة، وقد تعهد الله تبارك وتعالى بذلك، فقال عزمن قائل:"وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ"(سورة فاطر ۲٤)، وقال جل وعلا مخاطبا رسوله:"إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ"(سورة الرعد ۷). أما رسول الله صلى الله عليه وآله فقد أخبر الأمة والأجيال القادمة، أن الأمر من بعده لاينقضي ولاينقطع، بل سيتصل عن طريق أوصيائه، وخلفائه، فقال: "في كل خلف من أمتي عدل من أهل بيتي، ينفون عن الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين".
أجل أيها الإخوة الأكارم، فكان خليفة رسول الله من بعده أمير المؤمنين، ثم الحسن المجتبى، ثم الحسين الشهيد، ثم تسعة من ذرية الحسين السبط سيد شباب أهل الجنة، دعاة إلى الله، أدلاء على مرضاة الله، هداة إلى سبيل الله.
إخوتنا الأعزة الأماجد.. إن إحدى وسائل الهداية: العلم، وعلم الإمام الحسين سلام الله عليه لم ينحصر في باب واحد، أو أفق ضيق محدود، وإنما شمل آفاق عريضة من المعرفة، في: العقائد والشرائع، والأخلاق والآداب، وشؤون الحياة الإنسانية والإجتماعية المتنوعة المتعددة، فتوافدت أحاديثه الشريفة تضع بين أيدي الناس أسباب المعرفة والهداية، حيث تجتمع من أحاديث أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) مئات النصوص المباركة الكاشفة للحقائق، والقاطعة في البراهين، والمدلية عن الله تعالى على نحو الصدق واليقين، في عبارات نورانية هادية.
ومن هنا، إخوتنا الأعزة الأفاضل، نخاطب الإمام الحسين وآل الحسين، صلوات الله عليه وعليهم، بهذه العبارات من الزيارة الجامعة الكبيرة، فنقول لهم: "كَلامُكُمْ نُورٌ وَأَمْرُكُمْ رُشْدٌ وَوَصِيَّتُكُمُ التَّقْوَى وَفِعْلُكُمُ الْخَيْرُ وَعَادَتُكُمُ الْإِحْسَانُ وَسَجِيَّتُكُمُ الْكَرَمُ وَشَأْنُكُمُ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ وَالرِّفْقُ وَقَوْلُكُمْ حُكْمٌ وَحَتْمٌ وَرَأْيُكُمْ عِلْمٌ وَحِلْمٌ وَحَزْمٌ".
لقد حاول البعض جمع كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) فتألفت عندهم موسوعة تجاوزت الألف صفحة، تقرأ حروفها معالم الواقع بدقة متناهية، وترسم الحقيقة بألوانها البينة الواضحة، وبتلك الكلمات يهنأ المرء بالهداية بعد أن يرى كل طريق غير طريق آل النبي مؤد إلى صحراء التيه والهلاك. سئل الإمام الحسين(عليه السلام) يوما: كيف أصبحت يابن رسول الله؟ فأجاب، ونعم الجواب: "أصبحت ولي ربٌ فوقي، والنار أمامي، والموت يطلبني، والحساب محدق بي، وأنا مرتهن بعملي، لاأجد ما أحب، ولا أدفع ما أكره، والأمور بيد غيري، فإن شاء عذبني، وإن شاء عفا عني، فأي فقير أفقر مني!"
ذلك، أيها الأحبة، هو العرفان، وتلك هي يقظة الروح، وهذه الكلمات تنطوي على بحوث في معارف عديدة، يهتدي بها من يحب الهداية. وسئل أبو عبد الله صلوات الله عليه: لم افترض الله على عباده الصوم؟ فأخبر السائل والمستمع بأمر واحد هنا علة لهذا الحكم الشريف، حكم الصوم لله عزوجل، فقال(عليه السلام) معللا: "ليجد الغني مس الجوع، فيعود بالفضل على المساكين".. وهكذا يشير الإمام الحسين(عليه السلام) إلى هذين الأمرين في هذه الفريضة الطيبة، وهما: الرحمة والإحسان، ففيهما المحبة والتكافل، وبهما تنال مرضاة الله وحسن ثوابه جل وعلا.
وكتب إليه يوما رجل من أهل الكوفة يا سيدي أخبرني بخير الدنيا والآخرة، فأجابه الحسين(عليه السلام) مختصرا مبلغا مراد الرجل بأن كتب له: "بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإن من طلب رضى الله بسخط الناس، كفاه الله أمور الناس. ومن طلب رضى الناس بسخط الله، وكله الله إلى الناس، والسلام". ولو تفكرنا، ثم تأملنا، لوجدنا أن الإعتبار بهاتين الكلمتين يحل لنا عقدا فكرية واجتماعية كثيرة وكبيرة، ويصحح نياتنا ويسدد أعمالنا، ويهدينا إلى إصابة الحق، وترك النفاق، وتحصيل الصدق في أقوالنا وأفعالنا.
وكتب إلى أبي عبد الله الحسين رجل آخر، وقد اشترط: عظني بحرفين. أجل، بحرفين فقط، بكلمتين فقط، والإمام(عليه السلام) هو العالم الرباني، والطبيب الدوار، يعرف ما يحتاجه هذا وما يحتاجه ذاك، ويعلم كل دواء لكل داء، وكأن الرجل كان أنسب ما يوعظ به أن يكتب إليه الحسين(سلام الله عليه) هاتين العبارتين الشافيتين الهاديتين:"من حاول أمرا بمعصية الله، كان أفوت لما يرجو، وأسرع لمجيء ما يحذر".
وأحب سيد شباب أهل الجنة أن يوصي بأمور تهدي الناس، فقال يخاطب أحدهم ويعني البشرية والأجيال جمعاء:"لاتتكلف ما لاتطيق، ولاتتعرض ما لاتدرك، ولاتعد بما لاتقدر عليه، ولاتنفق إلا بقدر ما تستفيد، ولاتطلب من الجزاء إلا بقدر ما صنعت، ولاتفرح إلا بما نلت من طاعة الله، ولاتتناول إلا ما رأيت نفسك له أهلا".
نعم.. ولو أخذنا بكل ذلك، أيها الأحبة، لكنا قد اهتدينا جميعا نعم الهداية بالحسين(عليه السلام).
مستمعينا الأفاضل والشعائر الحسينية خير ما يجذب القلوب للإستنارة بهدي المعارف الحسينية، كما تشهد لذلك كثير وكثير من الحوادث المقارنة لإقامة هذه الشعائر القدسية.. لنلاحظ الحادثة التالية التي جرت لامرأة من كرواتيا بعد اعتناقها الإسلام.. جاء في تقرير صحافي منشور على موقع صحيفة(الإنتقاد) اللبنانية ما يلي:(آنا) إمرأة في الخمسين من عمرها، كرواتية الجنسية، درست إختصاص الصيدلة في بلدها، اعتنقت الإسلام بعد أن إقترنت بمسلم تعرفت إليه على مقاعد الدراسة الجامعية... تقول(آنا): قدمت إلى لبنان منذ خمس وعشرين سنة، لم أكن يومها أفقه معاني عاشوراء.. لكنني كنت أسعد بتناول(هريسة الحسين، وكعك العباس) دون أن أعرف رمزيتهما..
وذات محرم.. شاركت صديقاتي اللبنانيات بتحضير الهريسة في عزاء الحسين.. ولدى تقديم الحصص إلى أحد الأشخاص قلت له: تفضل هذا الطعام عن روح الحسين(عليه السلام). فأجابني بعبارات الشكر، وبدا لي وكأنه استغرب لهجتي اللبنانية المكسرة وغير السليمة.. فسألني: ولكن ما ذا تعرفين عن الحسين؟ صدمني سؤال ذلك الرجل، واستصغرت نفسي حينها لأنني على مدى عشر سنوات لم أحمل نفسي عبء البحث لمعرفة عظمة الإمام الحسين(عليه السلام). ومنذ ذلك اليوم اجتهدت في حضور المجالس الحسينية لأتعرف على مفاهيم كربلاء ولم أجعل الأمر يقتصر على ذلك، فقد عمدت إلى متابعة المحاضرات التي تتناول سيرة هذا الإمام الطاهر سيرة الحسين وآل الحسين(عليهم السلام).
وبهذه الكلمات المؤثرة لأختنا الكرواتية نختم أيها الأعزة لقاء اليوم من برنامج(بالحسين اهتديت).. قدمناه لكم من اذاعة طهران، صوت الجمهورية الإسلامية في إيران تقبل الله منكم جميل المتابعة وسلام على الحسين وآل الحسين وعليكم ورحمة الله وبركاته.