البث المباشر

انتهاك حرمة التحذيرات والتوصيات النبوية

الإثنين 30 سبتمبر 2019 - 14:05 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- فاجعة الطف وحرمات الله: الحلقة 4

لقد حملتنا في الزمان نوائبُه

ومزّقنا أنيابه ومخالبه

وأفجعنا بالأقربين وشتّت

يداه لنا شملاً عزيزاً مطالبه

وأردى أخي والمرتجى لنوائبٍ

وعمّت رزاياه وجلّت مصائبه

حسينٌ لقد أمسى به التّرب مشرقا

وأظلم من دين الإله مذاهبه

تمزّقنا أيدي الزمان وجدّنا

الرسول الذي عمّ الأنام مواهبه


إخوتنا الأعزّة الأفاضل.. السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كما أنّ الله تبارك وتعالى أودع في العقل الهداية، كذا أودع في الفطرة فهماً وبصيرة تدرك بهما المقدّسات والحرمات، وهو القائل في كتابه الحكيم: "إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً" (سورة الإنسان۳) والقائل جلّ وعلا "وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ" (البلد۱۰) فقد فهّم هذا الإنسان طريقي الخير والشّر، والحقّ والباطل. وتلك حجّةٌ لله بالغةٌ على عباده، وكان الله عزّ شأنه قد بعث أنبياءه ورسله سفراء إلى خلقه، فقدّموا لهم شرائع الدين، وبينوا لهم حُرُمات الله عزّ وجلّ، وكان منها ما جاء في سورة البقرة في قوله تبارك وتعالى: "الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" (البقرة ۱۹٤). قال أهل التفسير إنّ الشهر الحرام يقابل الشهر الحرام في الحرمة والهتك، فإذا هتك الشهر الحرام بالقتال فيه، فلا محذور في قتالهم فيه ومعاملتهم بالمثل، وذلك إعلاءً لكلمة التوحيد، ودفاعاً عن حرمات الدين وقيمة. أيها الأخوة والأخوات، والإمام الحسين – عليه السَّلام – لم يبدأ بني أمية بقتالٍ كما سنتحدث عن ذلك لاحقاً وإستناداً الى ما روته المصادر المعتبرة لجميع الفرق الإسلامية ورغم ذلك فقد إبتدأه بنوأمية بالقتال وفي الشهر الحرام منتهكين حرمته وغير عابئين بتحذيرات النبي الأكرم الكثيرة من الإساءة لأهل بيته وذريته – صلى الله عليه وآله.
وهنا نقول – إخوتنا الأكارم – إنّ الإمام الحسين ـ عليه السَّلام ـ لم يخرج من المدينة وإنّما أُخْرِجَ منها، وذلك باستفزازٍ من والي المدينة ومروان بن الحكم صاحب الفتن الكبرى، فَخُيِرَ بين مبايعة يزيد بن معاوية، وبين القتل، فاختار الخروج؛ حفاظاً على نفسه المقدّسة، واعتراضاً على حكم الجور والفساد، وتجنّباً للهتك الذي قد يقدم عليه أزلام يزيد في حرم النّبي ـ المصطفى صلى الله عليه وآله ـ كما حدث من بعد في واقعة الحرّة الفضيعة، بعد مقتل سيد شباب أهل الجنّة ـ عليه السَّلام. ولمّا ذهب أبوعبدالله الحسين ـ سلام الله عليه ـ إلى مكة المكرّمة، وكان قد حلّ موسم الحجّ، لم يخرج منها إلّا بعد أن تعقّبه أزلام يزيد يريدون قتله بأمرِ سيدهم، حتّى لو كان سبط رسول الله متعلّقاً بأستار الكعبة، فخرج أبوعبدالله الحسين ـ عليه السَّلام ـ من مكة صوناً لحرمة كعبتها وموسمها وبقعتها، وهي موطنُ جدّه المصطفى ـ صلّى الله عليه وآله ـ فذهب إلى العراق، يدعو إلى الإسلام الحقّ، وإلى الخلافة الحقّة في كلّ موقف تطلّب كلمة حقٍّ تصدع في الآفاق، وتصكّ أسماع الظّلمة المفسدين. فخاطب والي المدينة بقوله ـ عليه السَّلام: "إنّا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة ومهبط الرحمة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجلٌ شاربُ الخمر، وقاتل النفس المحترمة، معلنٌ بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون أينا أحقّ بالخلافة والبيعة.. ". رواه الطبريُّ في تاريخه، وابن الأثير في كامل تاريخه. وفي جوابه ـ عليه السَّلام ـ لمروان بن الحكم: "إنّا لله وإنّا له راجعون، وعلى الإسلام السَّلام إذا بليت الأمّة براعٍ مثل يزيد. ". ولقد سمعت جدّي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول: "الخلافة محرّمةٌ على آل أبي سفيان، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه. ". وقد رآه أهل المدينة فلم يبقروا، فابتلاهم الله بيزيد الفاسق، روى ذلك الخوارزميُّ الحنفيُّ في (مقتل الحسين ـ عليه السَّلام)، وغيره أيضاً، ولم يذكر أنّ أحداً أنكر هذه الحقائق في يزيد أو دافع عنه، فالأمر ذائع، وشائع، وفاضح، وواضح، وأشهر من أن ينكر. وفي جوابٍ كتابيّ إلى أهل مكة، كتب الإمام الحسين ـ سلام الله عليه: " فلعمري ما الإمام إلّا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والداين بالحقّ، والحابس نفسه على ذات الله.." ذكر ذلك الطبريُّ في تاريخه، وابن الأثير في الكامل، والخوارزميُّ في المقتل، وغيرهم. والسّؤال الملحّ - أيها الإخوة الأحبّة - أين كلُّ هذا من يزيد وأفعاله، وقد عجّت البلاد بمفاسده التي ذكرتها كلُّ كتب السيرة والتاريخ ؟! فخرج ريحانة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يطلب الإٌصلاح في أمّة جدّه، آمراً بالمعروف الذي انحسر، وناهياً عن المنكر الذي شاع وانتشر، وصائناً للحرمات التي هتكت. ومع ذلك – أيها الإخوة الأعزّة – لم تذكر جميع مصادر التاريخ والمقاتل أنّ الحسين شهر سيفاً أو دعا إلى منازلةٍ ومقاتلة، أو أنذر بحربٍ أو معركة، أو هدّد بقتل، أبدا حاشاه، وإنّما قدم معترضاً على ما انتهك من حرمات الإسلام والمسلمين، وموبّخاً للظالمين والمنحرفين المتسلّطين.. والأدلة على ذلك كثيرة، ووفيرة، منها – إخوتنا الأعزّة - ما رواه الطبريُّ في سادس جزءٍ من تاريخه، والشيخ المفيد، في الإرشاد، من أنّ شمر بن ذي الجوشن حين تجاسر على حرمة ابن رسول الله أبي عبدالله الحسين ـ عليه السَّلام ـ رام مسلم بن عوسجة أن يرمي الشمر بسهم، فمنعه الحسين قائلاً له: "أكره أن أبدأهم بقتال". فسبط المصطفى لم يكن همّه الشريف يوماً ما قتلاً للناس، بل جاء ليهديهم ويسمعهم ما فيه رضى لله تعالى وصلاحٌ لهذه الأمّة التي تحكم فيها طواغيت الجاهلية الجديدة، فاستعجلوه القتال، فكان من الحقّ والعقل الدفاع عن النفس والحريم، وإلّا كان سلام الله عليه قد استمهلهم، واسترعى أذهانهم وآذانهم ليسمعوا خطاباته، ويعوا بياناته، فلمّا رآهم مصرّين وبّخهم وعرّفهم مصائرهم إذا هُمُ تمادَوا في هتك الحرمات العظمى، فقال لهم في خطبته الثانية يوم عاشوراء: .. "فهلّا – لكم الويلات – تركتمونا والسيف مشيم، والجأش طامنٌ والرأي مستحصف، ولكن استسرعتم إليها كتطاير الدّبا، وتداعيتم عنها كتداعي الفراش، فسحقاً وبعداً لطواغيت الأمّة وشذّاذ الأحزاب ونفثة الشيطان، ومحرّفي الكلام ومطفئي السّنن، وملحقي العهرة بالنّسب، المستهزئين، الذين جعلوا القرآن عضين".
أيها الأفاضل، ونستنتج مما تقدم أن النصوص التأريخية الثابتة عند مختلف الفرق الإسلامية صريحة بأن الإمام الحسين –عليه السَّلام– قد سعى بكل جهده لحفظ حرمة بيت الله الحرام والحرم النبوي، ولم يبدأ القتال في يوم عاشوراء حفظاً لحرمة الشهر الحرام وفي المقابل فقد إنتهك اليزيدون كل هذه الحرمات الإلهية وبأبشع ما يمكن تصوره من أساليب الإنتهاك.. فإستحقوا بذلك لعنة الله وملائكته ورسله وعباده الصالحين الى يوم الدين. وها نحن نصل أيها الأعزاء الى ختام الحلقة الرابعة من برنامج فاجعة كربلاء وحرمات الله من إذاعة طهران شكراً لكم والسَّلام عليكم.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة