الله اكبر يا لها من نكبةٍ
ذرت على الآفاق شبه رماد
لهفي لرأسك وهو يرفع مشرقاً
كالبدر فوق الذابل المياد
يتلو الكتاب.. وما سمعت بواعظٍ
اتخذ القنا بدلاً من الأعواد
فمن المعزي للرسول بعترة
نادى بشملهم الزمان بداد؟!
ومن المعزي للبتول بنجلها
شلوى على الرمضاء دوم مهاد
ومن المعزي للوصي بفادحٍ
أو هي القلوب وفت في الاعضاد
أين الحسين رمية تنتاشه
أيدي الضعون بأسهم الأحقاد
وكرائم السادات سبي للعدى
تعدو عليها للزمان عوادي
السلام عليكم اخوتنا الأعزة الأكارم ورحمة الله وبركاته.
تحية لكم طيبة ومباركة حيث تتواصلون معنا.
أيها الكرام، صحيح أن فاجعة كربلاء أحزنت أهل البيت أشد الحزن، الا ان سبي عيال الحسين كان له أعمق الاثر في قلوبهم، فذلك فصل كئيب جداً في حياتهم الشريفة. أخذ السبايا الى الكوفة وأدخلوا على طاغيتها عبيد الله بن زياد ليتشفى بانتقامه من آل علي، ثم أرسلوا الى الشام يطاف بهم وبرؤوس الشهداء في البلدان في رحلةٍ شاقةٍ مريرة بعد وقعة الطف الفجيعة حتى أدخلوا الى دمشق الشام. وهناك دعا يزيد بن معاوية طاغية الشام برأس الحسين -عليه السلام- ووضعه أمامه في طست ينظر اليه متشفياً وكان نساء الركب الحسيني الأسير ينظرن خلفه ويتطاولن للنظر الى الرأس المقدس ويزيد يستره، فلما رأينه صرخن بالبكاء ثم أذن يزيد للناس أن يدخلوا لينظروا الى هذا الموقف العجيب وقد أخذ عصا فجعل ينكث ثغر الحسين -صلوات الله عليه-.. ذكر ذلك: اليافعي في(مرآة الجنان) والطبري في(تاريخ الامم) وابن الاثير في الكامل وسبط ابن الجوزي الحنفي في (تذكرة الخواص) وغيرهم مضيفين أن أبا برزة السلمي لم يتحمل ذلك الموقف فصاح: أشهد لقد رأيت النبي يرشف ثنايا الحسين وثنايا أخيه الحسن ويقول لهما: "أنتما سيدا شباب أهل الجنة قتل الله قاتلكما ولعنه وأعد له جهنم وسائت مصيرا". فغضب يزيد من أبي برزة هذا وأمر به فأخرج سحباً! وكذا لم يتحمل المنظر هذا رسول قيصر الروم وكان حاضراً لم يفهم ما كان يجري، ولكنه ظل مستغرباً في بادئ الامر حتى اذا علم التفت الى يزيد قائلاً له: «ان عندنا في بعض الجزر حافر حمار عيسى نحن نحج اليه في كل عام من الأقطار ونهدي اليه النذور ونعظمه كما تعظمون كتبكم، فأشهد أنكم على باطل!». هكذا روى ابن حجر في( الصواعق المحرقة) فيما أضاف الخوارزمي الحنفي في«مقتل الحسين» أنه أغضب هذا القول من رسول القيصر يزيد بن معاوية فأمر بقتله فقام رسول القيصر الى رأس الحسين فقبله وتشهد الشهادتين. قال ابن نما في(مثير الاحزان): وعند قتل رسول القيصر سمع أهل المجلس من الرأس الشريف صوتاً عالياً فصيحاً: "لاحول ولاقوة الا بالله!". هذا.. فيما كتب المقيزي في(خططه) والشبراوي الشافعي في(الاتحاف بحب الاشراف) وابن كثير في(البداية والنهاية) والذهبي في(سير أعلام النبلاء) أنه أخرج رأس الحسين -عليه السلام- بعد ذلك من مجلس يزيد وصلب على باب قصره ثلاثة أيام> مستمعينا وأضاف غيرهم أن يزيد أمر برؤوس شهداء كربلاء أن تصلب أيضاً ولكن على أبواب دمشق وأبواب الجامع الأموي ففعل أزلامه ما أراد وأمر به! فأي هتكٍ لحرم الله ورسوله ذاك، الذي جرى على يد يزيد وأعوانه القتلة المجرمين؟! ومتى كان في تاريخ البشرية مثل هذا الهتك لحرمة البشر فضلاً عن الاولياء والصالحين؟! ترى مالذي يكشف تعامل الطاغية يزيد نفسه مع أسرى آل الرسول -صلى الله عليه وآله-؟ عن هذا السؤال يجيبنا ضيف البرنامج فضيلة الشيخ فيصل الاعوامي الباحث في الشؤون القرآنية من السعودية. نستمع معاً.
العوامي: بسم الله الرحمن الرحيم وأفضل السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين
في الحقيقة من خلال الحوارية التي دارت بين عقيلة الطالبيين زينب سلام الله عليها وبين يزيد بن معاوية في مجلسه نكتشف أمراً او خللاً كبيراً في العقلية الجاهلية ليزيد وهي جهله بسنن التاريخ وسنن الحياة والجاهل بالسنن في الحقيقة يعتبر انساناً فاقداً لكل المعاني الانسانية سواء كانت الروحية او العقلية لأن أول ما ينتزع العقل غير الجاهلي المعرفة بالسنن من خلال الدمج والتركيب بين الكثير من المعطيات. هنا مولاتنا الحوراء سلام الله عليها في الحوار مع يزيد كشفت له خللاً كبيراً، يزيد حاول أن يكسر نفسيات أهل البيت عندما ادخلهم الى مجلسه في تلك الهيئة المأساوية والمفجعة وتمثل ببعض أبياته الشعرية التي نقلها بعض المؤرخين. هنا إنطلقت الحوراء زينب سلام الله عليها لتنبهه الى سنة كان يجهلها ولايلتفت اليها وصدقت الحوراء والواقع والوجدان أثبت دقة وعظمة البصيرة التي تحملها هذه المرأة العظيمة، قالت له: مهلاً مهلاً لاتطش جهلاً. هذه اشارة الى العقلية الجاهلية التي يحملها يزيد. لاتطش جهلاً يعني طريقة التفكير عندك، قراءتك للحياة، قراءتك للسنن قراءة سطحية جاهلية غير واعية، لاتطش جهلاً. ثم بينت له الحقيقة، قالت: "أظننت يايزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء وأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا على الله هوانا وبك عليه كرامة فشمخت بأنفك ونظرت بعطفك جذلان مسروراً" يعني تقول ليت أشياخي يعني اشياخك ببدر تتمثل بأشياخك ببدر عتبة وشيبة والوليد وهم من اهل الكفر ثم قالت: لاتطش جهلاً، أما سمعت قول الله تعالى: "وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً (سورة آل عمران۱٦۹) وهي بذلك تشير الى سنة من السنن التاريخية " بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ". (سورة سورة آل عمران۱٦۹)نتيجة هذه السنة التي كان يجهلها يزيد وأنه ينقرض وينتهي وان أهل البيت وأن الحسين سلام الله عليه وعلى أهل بيته أجمعين باقون مابقي الدهر بإيمانهم ورسوخ يقينهم. قالت: "فكد كيدك وإسع سعيك وناصب جهدك".
لاحظوا المعادلة التي كان يجهلها يزيد "فوالله لاتمحو ذكرنا" نحن باقون "ولاتميت وحينا" ثم قالت: أنت منتهي "فهل رأيك إلا فنداً وأيامكم إلا عدد وجمعك إلا بدد" هذه المعادلة وهذه السنة المهمة كان يجهلها هذا الطاغية، الحوراء نبهته الى عقليته الجاهلية وصدقت سلام الله عليها فقد مر الزمان ورأت الانسانية ونحن نرى اليوم سترى الانسانية في المستقبل أن أهل البيت بقوا كما أنبأت عن ذلك الحوراء وأن يزيد إنقرض وإنتهى ولذلك لمخالفته وجهله لتلك السنن العميقة التي تمثل بها الشاعر قائلاً:
يازائراً قبر العقيلة قف وقل
مني السلام على عقيلة هاشم
هذا ضريحك في دمشق الشام
قد عكفت عليه قلوب اهل العالم
يعني اهل البيت بقوا والحوراء التي كانت سبية في الشام اليوم صارت مهبطاً لأفئدة القلوب من كل انحاء العالم بينما يزيد فيقول الشاعر عن يزيد:
سل عن يزيد واين أصبح قبره
وعليه هل من نائح او لاطم
اخزاه سلطان الهوى وأذله
ومشى عليه الدهر خشية راغم
في ذلك اليوم كان حاكماً في الشام واليوم لم يبق له أثر إلا اللعن والخزي فهذه هي السنة التي كانت الحوراء تنبهه بها والتي كان يجهلها، تعامله مع السبايا كان ينبأ عن هذه العقلية الجاهلية والحوراء سلام الله عليها نبهته ونبهتنا من خلال ذلك التنبيه الى ضرورة الإلتزام بالسنن ومعرفة سنن الله سبحانه وتعالى في الحياة وفي التاريخ وصلى الله على محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
نشكر سماحة الشيخ فيصل الاعوامي الباحث في الشؤون القرآنية من السعودية على هذه التوضيحات ونتابع تقديم هذه الحلقة من برنامج فاجعة كربلاء وحرمات الله، بالاشارة الى ان مبايعة الذين بايعوا يزيد خليفة وحاكماً كانت تعني مبايعة الروح الجاهلية التي ترسخت فيها، اخوتنا الأعزة الأفاضل، لولا الامام أبوعبد الله الحسين -عليه السلام- ولولا ركب الأسر الزينبي لواصل بنو امية في تحريف الاسلام الحنيف ولظللوا الناس وساقوهم الى صحراء التيه والضياع والهلاك. ولكن واقعة الطف –كربلاء- أبانت الحقائق وعرفت أصحاب الحق وفضحت أهل الباطل وعينت للامة تكاليفها من قبل ومن بعد. فليس من عذرٍ بقي لمعتذر ولم تبق حجة لمتهرب أو متنصل عن المسؤولية، ولم يعد هنالك مسوغ لمتجاهل أو متغافل.
نعم مستمعينا، فذاك يزيد بمن معاوية بهتكه الحرمات فضح نفسه وأبائه وأسلافه فاذا كان جده أبو سفيان يصرخ أن قد حكم ابن تيم حتى اذا مات مات ذكره، وحكم ابن عدي حتى اذا مات محي ذكره. وذاك ابن أبي كبشة يقصد الرسول الأعظم -صلى الله عليه واله- مستهزئاً به ينادى باسمه كل يومٍ خمس مرات لاوالذي يحلف به أبو سفيان الا سحقاً سحقاً ودفناً دفنا! وقد نادى على اذنابه ال امية: يا بني امية تلاقفوها تلاقف الصبيان للكرة فو الذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولا نار. روى ذلك ابن عبد البر في(الاستيعاب) وابن ابي الحديد المعتزلي في(شرح نهج البلاغة) فيما كتب المسعودي في(مروج الذهب): أن ابا سفيان سأل بني أمية: أفيكم احد غيركم؟ قالوا: لا، فقال: يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة فو الذي يحلف به أبو سفيان مازلت أرجوها لكم(اي السلطة ولتصيرن الى صبيانكم وراثة!)
وتمضي السنوات فيكون يزيد حاكماً على بلاد الاسلام ومتسلطاً على رقاب المسلمين ومنتقماً من رسول الله صلى الله عليه واله مفتخراً بذلك ومهنئاً أسلافه المشركين أنه ثأر لهم فينشد منتشياً في مجلسه على مسامع الأساري:
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الاسل
لأهلوا واستهلوا فرحاً
ثم قالوا: يا يزيد لاتشل
قد قتلنا القرن من ساداتهم
وعدلناه ببدر فأعتدل
لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولاوحي نزل!
لست من خندف ان لم انتقم
من بني أحمد ما كان فعل
روى ذلك ابن كثير في(البداية والنهاية) وابن طاووس في(اللهوف) وابن طيفور في(بلاغات النساء) والخوارزمي في(مقتل الحسين) وغيرهم وكذا الطبري في تاريخه مضيفين: أن العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين -عليه وعليها السلام- لما سمعت يزيد يتمثل بتلك الأبيات نهضت بخطبةٍ جليلة أذلت بها طاغية الشام وفضحته وعرضت انتهاكاته المتطاولة على الاسلام. نعم مستمعينا فكان من خطبتها في مجلس يزيد ومخاطبتها اياه قولها -سلام الله عليها-: "أمن العدل يبن الطلقاء – تخديرك حرائرك واماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن تحدو بهن الأعداء من بلدٍ الى بلدٍ ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والدني والشريف وكيف يرجى مراقبة من لفظ فوه اكباد الأزكياء ونبت لحمه من دماء الشهداء وكيف يستبطئ في بغضنا أهل البيت من نظر الينا بالشنف والشنأن والاحن والاضغان ثم تقول غير متأثم ولامستعظم:
لأهلوا واستهلوا فرحاً
ثم قالوا: يا يزيد لاتشل!
منحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك فو الله ما فريت الا جلدك ولاحززت الا لحمك ولتردن على رسول الله -صلى الله عليه واله- بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ بحقهم "وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ".
وحسبك بالله حاكما وبمحمدٍ -صلى الله عليه واله- خصيماً وبجبرئيل ظهيراً وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلا وأيكم شر مكاناً وأضعف جندا ".
والى هنا ينتهي اعزاءنا مستمعي اذاعة طهران، صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، لقاؤنا بكم ضمن الحلقة العشرين من برنامج فاجعة كربلاء وحرمات الله. شكراً لكم ولاتنسونا من صالح الدعاء.