لا نزال نحدثك عن الأدعية المباركة، ومنها دعاء الجوشن الكبير، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا من جعل الليل لباساً، يا من جعل النهار معاشاً، يا من جعل النوم سباتاً).
ان هذه الفقرات الثلاث متجانسة في ارتباطها بظاهرتي الليل والنهار، لذلك يحسن بنا ان نحدثك عن النكات المتصلة بهذا الجانب، فتقول: بالنسبة الي العبارة الاولي (يا من جعل الليل لباساً) سبق ان حدثناك عنها، وقلنا: انها صورة فنية تخلع علي الليل طابعاً من الملبس بحيث يغطي الملبس ويستر ضوء الشمس: تعبيراً عن الظلام الذي يتميز به الليل ويفترق فيه عن النهار واما النهار فقد جعله الله تعالي وقتاً للحركة الاقتصادية وهي: معاش الناس.
واما العبارة الثالثة فهي: تتصل بالنوم، وقد رسمه النص بكونه راحة ولكن دون ان يربط بالليل او بالنهار وهذا يتطلب كلاماً مفصّلاً لان الكثير من الاشخاص يلتبس عليهم الأمر حتي انهم لم يلتفتوا الي العبارة الدقيقة والفنية التي يستخدمها النص الشرعي، بل يخيّل اليهم ان النوم هو من نصيب الليل، في حين انهم يقعون في تصور وهمي يتنافي مع التصور الشرعي للظاهرة.
يقول الله تعالي في كتابه الكريم «وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ» وهذا النص لا يحتاج الي توضيح، انه يقرر بان النوم هو في الليل وفي النهار وليس خاصاً بأحدهما، اذن كيف يستنتج الكثير من الناس بان الليل هو: وقت النوم وليس النهار؟
هذا من جانب، من جانب آخر وردت النصوص الشرعية بقيام الليل وباحيائه في مناسبات كثيرة في شهر رمضان المبارك وفي الاشهر الاخري في ليال خاصة، بالاضافة الي النصوص النادبة الي قيام الليل، بحيث ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بما مؤداه: لا يزال جبرئيل يوصيني بقيام الليل حتي ظننت ان المؤمنين لا ينامون، وفضلاً عن النصوص الشرعية التي تصف المؤمنين بانهم: عمش العيون، اي من السهر وحيال ذلك جميعاً، هل يبقي ترديد بان النوم هو ليس من الصفات المحمودة ليلاً الّا قليلاً في الايام العادية، واما سائر الليالي الخاصة، فان السهر وليس النوم هو الممدوح أو المندوب إليه، مضافاً الي ما قلناه من ان الآية الكريمة «مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ» تنفي النوم بالليل وحده.
ولذلك يرد السؤال الآتي لماذا يتوهم الكثير بان النصوص الشرعية تقرر بان النوم هو في الليل؟
ان الكثير يخيّل إليه ان الآيات الكريمة المشيرة الي انه تعالي جعل نومنا سباتاً، ان المقصود من (السبات) هو النوم بينما السبات هو: الراحة او الاستراحة في احدي دلالاته، وهذا ما يتعين علينا ان نلفت النظر إليه حتي لا يقع الآخرون في الوهم المذكور.
*******