نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها دعاء الجوشن الكبير، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن أحد مقاطعة الذي ورد فيه: (يا من جعل الجبال أوتاداً، يا من جعل الشمس سراجاً، يا من جعل القمر نوراً).
والآن نحدثك عن الفقرات المتقدمة، ونبدأ ذلك بعبارة: (يا من جعل الجبال أوتاداً)، فماذا نستلهم من ذلك؟
قلنا في حديث سابق - ان هذا المقطع من الدعاء يتناول الاشارة الي احد مظاهر عظمته تعالي وهو: عظمة الخلق أوالابداع أوالايجاد للظواهر الكونية، ومنها: الارض وقد حدثناك عنها، ومنها: (الجبال) - ونحدثك الآن عنها، فنقول: لقد استخدم الدعاء: صورة فنية هي: (التمثيل) أو (الاستعارة) حيث استخدم عبارة (الوتد) وهو المسمار الكبير، وخلعه علي (الجبل)، فجعله وتداً أو (أوتاداً) ثبتها تعالي في الارض حتي لا تميد، أي: جعلها أداة توازن: كما هو واضح.
طبيعياً، ان هذه الصور التمثيلية أو الاستعارية، تظل حافلة بجمالها التعبيري والموضوعي، فأما (التعبيريّ) فلانها تركيب صوري أي: المجاز، وأما (الموضوعي) فلان التشبيه او استعارة المسمار الكبير، الذي يثبت في الحائط، وخلعه علي الارض فأن جمالية تصوره تظل مقترنة بالانبهار لمن يتأمل المنظر أو المرأئ الطبيعي للجبال وطريقة وجودها علي الارض، أي: تصور الارض المنبسطة وقد تخللتها الجبال، وهو مرأئ له جماليته الخارجية فضلاً عن فائدته العمارية.
ونتجه الي العبارة القائلة: (يا من جعل الشمس سراجاً) ثم عبارة (يا من جعل القمر نوراً). فماذا نستلهم منها؟
الجواب: الشمس والقمر: كوكبان يستمد الثاني من الاول نوره وهذا هو المرأئ أو الصورة الطبيعية ولكن يتعين علينا ايضاً ان نعرض لجمالية المرأئ، فضلاً عن العطاء العظيم للشمس والقمر. أما الشمس فلا نحتاج الي الحديث عنها من حيث معطياتها التي تتطلب حديثاً طويلاً لا يجهل احد منا معطيات ذلك، حيث يكفي ان نقرر بان زيادة او نقص حرارتها كافية لان تشل البشرية. ان القران الكريم طالما تحدث عن الشمس وعن صلتها بالنهار ومعطيات ذلك، ونكرر بأن الحديث عن ذلك لا يتناسب وحجم الاحاديث التي نعرضها سريعاً عبر قرائتنا للادعية المباركة ولكن: لنعرض إشارة جمالية كما عرضنا ذلك في مرأئ الجبالوالارض والاوتاد.
لقد عبرت الفقرة القائلة: (يا من جعل الشمس سراجاً) عن اضاءة الشمس بصفة ان السراج هو المصباح وهو امر يتصل بالاضاءة النهارية مع ملاحظة أنّ النصّ الدعائي لم يعرض للمعطيات التي أشرنا الي عظمتها وتوقف الحياة واستمراريتها علي ذلك.
واما استعارة (السراج) للشمس واستعارة الانارة للقمر، لان المعطي الجمالي سهل ويسير في تصوره بينما المعطي الانتفاعيّ يحتاج الي دراسة علمية لا يسمح لنا المجال ولا التخصص العلمي بذلك.
*******