نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا من لا معقب لحكمه، يا من لا راد لقضائه، يا من انقاد كلشيء لامره).
ونبدأ فنحدثك عن العبارة الاولي والثانية وهما: (يا من لا معقب لحكمه، يا من لا راد لقضائه)، فماذا نستخلص منهما؟
النص المفسر يشير الي ان الله تعالي حينما يحكم بشيء أو يقضي بشيء فلا راد لحكمه وقضائه، ولا أحد ينقض ذلك، وقد يتساءل قارئ الدعاء: ما هي الاسرار الكامنة وراء هاتين العبارتين المتجاورتين في مقطع الدعاء؟
الجواب: لقد لاحظنا طيلة حديثنا عن مقاطع الدعاء ان كل مقطع يتناول عبارات متجانسة: أما جميعاً أو بعضها مع الآخر، وهو ما يطبع الادعية بطابع الاحكام البلاغي والفني فما يفصح بوضوح عن ان الادعية وسائر النصوص الشرعية تتسم ببلاغتها الفائقة، وبعصمتها من الخطأ.
والمهم الآن ان نلاحظ بأن العبارتين الواردتين واحدة بعد الاخري يطبعهما رافد واحد هو: حكم الله تعالي وقضاؤه، حيث انهما - اي الحكم والقضاء - يتجانسان في دلالتهما من حيث كونهما يعنيان ان كل ما صدر من الله تعالي من مبادئ وأحكام وكل ما صدر من الله تعالي من قضاء مبرم أو يخضع للبداء هو بحسب ماتتطلبه المصلحة الالهية فيما نجهلها بطبيعة الحال. من هنا ايضاً ورد نص مفسر بان عبارة (لا معقب لحكمه) تشمل ما هو الحكم وما هو القضاء من حيث لا أحد يرد أو ينقضهما.
بعد ذلك نواجه عبارة تقول: (يا من انقاد كل شيء لامره) وهذه العبارة امتداد - في الواقع - لسابقتيها، وقد تسأل عن ذلك فنقول: ان أنقياد كل شيء لامر الله تعالي، يعني: انه حينما يحكم بشيء او يقض بشيء: فان الحكم والقضاء يتحققان بارادته تعالي وان الاشياء جميعاً تنقاد الي ما يأمر به تعالي: كما هو واضح.
بعد ذلك نواجه عبارتين يختم بهما الدعاء وهي: (يا من السموات مطويات بيمينه، يا من يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته). تري ما هي الدلالات التي ترشح العبارتان المتقدمتان بهما؟ ان اول ما يواجهنا منهما هو: التعبير الرمزي أو الكنائي الذي يطبعهما، اي: الرمز القائل بان السموات مطويات بيمينه والرمز القائل بان (الرياح بشراً بين يدي رحمته) اي: ان اليمين، واليدهما رمزان يشيران الي سيطرة الله تعالي وهيمنته علي الكون، وفي مقدمة ذلك: السماوات والريح والنكتة هنا ان العبارة المتحدثة عن السماوات ترمز الي عظمته تعالي من حيث القدرة المطلقة التي لاحدود لها واما العبارة المتحدثة عن الرياح فانها ترمز الي رحمته تعالي حيث وردت الكلمة بشراً كما وردت كلمة رحمته لتشير الي عطاء الله تعالي والي رحمته غير المحدودة هنا يتعين علينا ان نذكرك بان كثيراً من النصوص الواردة في مختلف شؤون الحياة الدنيا او الحياة الاخرة تظل مؤكدة ومبرزة لظاهرتي (القدرة) و(الرحمة) وهذا لدلالته المهمة، حيث ان القوة حينما لا تنفصل عن الرحمة: حينئذ فان النعمة أو النعم تظل هي المبرزة لعظمة الله تعالي وهي نعم لا تحصي، كما ورد النص القرآني الكريم بذلك.
*******