نواصل حديثنا عن الأدعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا الي مقطع ورد فيه: (يا من في السماء عظمته، يا من في الارض آياته، يا من في كل شيء دلائله، ...). تري ما دلالة هذه العبارات؟
العبارات الثلاث متجانسة فيما بينها، انها تتحدث عن السماء والارض وكل شيء وهل يعني ذلك من شيء؟ اذن العبارات تتحدث عن الوجود ولكن السؤال هو: ما هي الدلالات التي انتخبها الدعاء في هذا الميدان؟
الجواب: ان الدعاء يتحدث عن عظمة الله تعالي في ابداعه للوجود، وهو السماء والارض وكل شيء، الّا ان السؤال من جديد: ما هي مظاهر الابداع التي يتحدث الدعاء عنها؟
الابداع المرتبط بالسماوات، قال الدعاء عنه: (يا من في السماء عظمته) ولكن الابداع المرتبط بالارض، قال الدعاء عنه (يا من في الأرض آياته). تري لماذا تحدث الدعاء عن العظمة بالنسبة الي السماء، وعن الآيات بالنسبة الي الأرض؟
الجواب: السماء: مرأي أو منظر وبناء لا يمكن لأحدنا ان يفقه او يتبين تفصيلات بنائه، كل ما نعرفه هو: ان هذه الظاهرة او البناء شيء ضخم لاندرك حتي بداية ونهاية خطوطه، انه مجهول، ولكنه عظيم في مظهره.
اذن العظمة نستكشفها من ضخامة البناء الذي يحط بنا في الاعلي وهذا علي العكس من الارض كيف ذلك؟
الارض مساحة لا اقل نحيا في بعضها ونشاهد آثار ذلك من جبال وبحار ومزارع، وكلها مناظر او مشاهد واضحة لمن يحيا فيها، وكلها - بطبيعة الحال - (آيات) اي: علائم لعظمة الله تعالي في ابداعه فاذا كانت السماء محفوفة بعظمة نجهل تفصيلاتها، فان الارض محفوفة بعظمة تجد بوضوح تفصيلات كثيرة منها وان كنا نجهل الكثير ايضاً منها.
من هنا جاء التعبير عن ظواهر الارض بعبارة (الآيات) اي: العلامات او الحجج الدالة علي عظمة الله تعالي، بينما جاء التعبير عن ظواهر السماء بعبارة (العظمة) اجمالاً.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا من في كل شيء دلائله)، نتساءل اولاً: ما الفارق بين (الايات) و (الدلائل) حيث لاحظنا ان الدعاء يعبر عن الارض بوجود (آيات) فيها، بينما يعبّر عن الاشياء التي فيها او الي كل شيء بعبارة (الدلائل)؟
الجواب: الدليل هو البرهان الذي يقيمه الانسان لاثبات الحقيقة، بينما الآية هي: العلامة التي يستكشف منها الانسان: الحقيقة، وهذا يعني: ان الانسان يستطيع ان يبرهن علي عظمة الله في الارض وهذا ما تعبّر عنه عبارة (الآيات) لانه يشاهد ظواهرها المحددة في بعضها، اما انه لشاهد كل شيء: مادياً ومعنوياً، اعم من السماء والارض، فيتسائل (برهاناً) علي عظمته لان البرهان اوسع دلالة لمعرفة الشيء: كما هو واضح.
*******