البث المباشر

شرح فقرة: يا اقرب من كل قريب

الإثنين 19 أغسطس 2019 - 09:24 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة: " يا اقرب من كل قريب " من دعاء الجوشن الكبير.

 

لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها: دعاء (الجوشن الكبير) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه على هذا النحو: (يا اقرب من كل قريب، يا احب من كل حبيب، يا ابصر من كل بصير). 
ان هذا المقطع من الدعاء يتضمن اسلوباً جديداً في رصده لصفات الله تعالى، متمثلة في اعتمادها عنصر (التشبيه)، ولكنه التشبيه الذي نطلق عليه مصطلح (تشبيه التفاوت)، اي: التشبيه الذي يقارن بين طرفين احدهما اعلى والآخر ادنى، وهذا ما تجسده العبارات التي لاحظناها الآن، واولها عبارة (يا اقرب من كل قريب). فماذا نستلهم منها بلاغياً ودلالياً؟ 
قلنا: ان العبارة المتقدمة تجسدها صورة تشبيهية تعتمد الاعلى والادنى من طرفي التشبيه، فالله تعالى هو قريب من عبده، الا ان المقارنة بين الله تعالى وبين الآخرين تجعل الطرف الاول وهو الله تعالى (اعلى) من الطرف الآخر وهم الناس، ولا حاجة بنا الى ان نوضح كيفية ـ وهو الله تعالى ـ بالنسبة الى الناس، بقدر ما نعتزم الاشارة الى ان المقطع يستهدف الاشارة الى ان الله تعالى وليس سواه هو الاقرب الى عبده ان الناس حينما يجسدون قربياً من بعضهم للآخر، فان هذا القرب اولاً نسبي وليس مطلقاً لبعضهم البعض. 
اذن عندما يقول الدعاء (يا اقرب من كل قريب) انما يستهدف الاشارة الى ان الآخرين لا يصلون البتة الى ما يمنحه تعالى لعبده من العطاء. 
الامر نفسه بالنسبة الى سائرما ورد في المقطع مثل عبارة (يا احب من كل حبيب) ان الله تعالى (يحب) عبده، والعبد (يحب) الله تعالى ولكن هذين الحبيبين متفاوتان من جانب، ونسبية احدهما الى الآخر مقابلاً لمطلقية الحب المرتبط بالله تعالى من جانب آخر. كيف ذلك؟ 
ان كلمة (حبيب) تنسحب الى المحب والمحبوب، اي: ان الله تعالى (محبوب) الى عبده، بحيث يحبه العبد اكثر من الآخرين سواء اكانوا الابوين او الاخوة او الاولاد او الاقرباء او الاصدقاء، لذلك ورد في النصوص الشرعية ما مؤوده: ان العبد لا يصل الى المرحلة المطلوبة حتى يكون لله تعالى اكثر من حبه لابويه واولاده واهله وهذا فيما يتصل بعلاقة محبة العبد لله تعالى. 
واما فيما يتصل بعلاقة الله تعالى حيال عبده، فالامر كذلك من حيث محبته تعالى للعبد اكثر من محبة العبيد فيما بينهم. 
بعد ذلك نواجه عبارة (يا ابصر من كل بصير) وهذه العبارة وما بعدها بدورها تتماثل مع ما اوضحناه من التفاوت بين طرفي التشبيه، ان الله تعالى (بصير) بعباده، بصير بكل شيء، واذا كان الله تعالى قد منح عباده قدرة البصر للاشياء، فان بصره تعالى لا يقاس بما منحه لعباده، انه (ابصر) منهم بطبيعة الحال لنفس الاسباب التي ذكرناها قبل قليل. بيد ان النكتة التي ينبغي الانتباه عليها هي: ان الفقرات الاخرى في مقطع الدعاء تظل متجانسة في دلالاتها مع ما اوضحناه الآن من التشبيه المتفاوت، ولذلك نعرض لها سرداً دون ان نفصل الحديث عنها. 
الفقرات الواردة في مقطع الدعاء تتمثل في: (يا اخبر من كل خبير، يا اشرف من كل شريف، يا ارفع من كل رفيع، يا اقوى من كل قوي، يا اغنى من كل غنيّ، يا اجود من كل جواد، يا ارأف من كل رؤوف ). 
ان مفردات الخبرة، والشرف، والرفعة، والقوة، والغنى، والجود، والرأفة: تظل مظاهر متنوعة لعظمة الله تعالى، انها جميعاً تظل مطلقة غير محدودة العطاء بالقياس الى عطاء الناس، حيث تستهدف العبارات جيعاً ان تلفت نظرنا الى ان نتجه الى الله تعالى وليس الى العباد. صحيح ان العباد قد وظفهم تعالى لخدمة البعض للآخر، الا ان خدماتهم تظل محدودة لها سياقاتها الخاصة، اما العطاء الاصلي فهو عطاء الله تعالى، بصفة ان قدرات الناس محدودة لا يستطيعون تجاوزها، بينما عطاء الله تعالى لا حد له: كما هو واضح. 

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة