نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء الجوشن الكبير، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن ا حد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا خير المطلوبين، يا خير المسؤولين، يا خير المقصودين، ...).
هذه الفقرات من مقطع الدعاء متجانسة الدلالة كما هو واضح، فالمطلوب، والمقصود، والمسؤول، تظل مصطلحات تحوم على دلالات متجانسة هي: ان الله تعالى هو الهدف الذي يسعى العبد الى الوصول اليه لانجاز حاجاته، كل ما في الامر ان المستهدف تتنوع الوسائل او الصفات التي يحقق بها تعالى هدف الآخرين ولكي تتضح بجلاء هذه المستويات من الاوصاف المرتبطة بعطاء الله تعالى، يجدر بنا ان نحدثك عن كل منها.
ان العبارة القائلة (يا خير المطلوبين)، تعني: ان الله تعالى هو خير من يتجه اليه الطلب، فقد يطلب العبد مثلاً من اخيه او اي شخصية تمتلك وسائل الاشباع: يطلب منه أنجاز حاجاته، ولكن الله تعالى هو خير من يُطلب اليه انجاز الحاجة، لان الله تعالى:
اولاً: هو صاحب الفاعلية لكل موجود.
وثانياً: هو المالك لوسائل الاشباع مطلقاً، بعكس عباده الذين منحهم تعالى قدرات محدودة من وسائل الاشباع.
بيد ان ما نعتزم توضيحه الآن ليس ملاحظة انه تعالى هو المالك المطلق لوسائل الاشباع، بينما العبد لا يمكلك الا ما ملــّكه الله تعالى فحسب، بل ملاحظة ان الله تعالى هو خير من توجه اليه الطلب، وهو بمعنى تقديم حاجتك اليه، والطلب منه تعالى بان ينجزها لك وهذا هو دلالة عبارة (خير المطلوبين)، ولكن عندما نتجه الى العبارة التي تليها نجد انها تقول (يا خير المسؤولين). فماذا نلحظه من الفارق بين العبارتين ؟
من البيّن، ان (المسؤول) عن انجاز حاجتك هو القادر على تحقيق طلبك بانجاز الحاجة لذلك جاءت عبارة (يا خير المسؤولين)جواباً لعبارة (يا خير المطلوبين)، بصفة ان (المسؤول) هو القادر على تحقيق الشيء: نظراً لتملكه ادارة الوجود.
ولكن اذا كان (المسؤول) هو المالك لوسائل الاشباع، بحيث (يُطلب) منه انجاز الحاجة، حينئذ تجئ العبارة الثالثة الجديدة وهي(يا خير المقصودين) جواباً جديداً للعبارة السابقة عليها، فماذا نستلهم منها؟
قد يقول قائل: ما هو الفارق بين عبارة (يا خير المطلوبين) حيث حدثناك عنها قبل قليل، وبين عبارة (يا خير المقصودين)؟ أليس(المقصود) اليه، هو (المطلوب) منه؟
الجواب: انك حينما تطلب (حاجة) من جهة ما، فان (الطلب) لا بدّ وان (يُقصد) اليه كالمسافر الذي (يطلب) عملاً تجارياً، حيث (يقصد) جهة ما ليصل اليها ويعمل تجارته من خلالها.. من هنا فان عبارة (يا خير المقصودين) تختلف عن عبارة (يا خير المطلوبين) ومن ثم فان السؤال ينبغي ان يثار على النحو الآتي: ان الله تعالى هو (خير المقصودين)، ترى ما هي علاقة ذلك بالعبارة السابقة عليها وهي (يا خير المسؤولين)؟
لا ترديد بان (المسؤول) الذي سُئل من قبل عبده بان ينجز له حاجته، انما تتحقق حاجة عبده عندما (يقصده) العبد، والا لا معنى لأن تسال من لا تقصده بالسؤال منه، لذلك فان عبارة الدعاء تستهدف الاشارة الى ان الله تعالى هو خير من نقصده في سؤالنا اليه بان ينجز حاجاتنا.
بقي ان نحدثك عما يترتب على (طلبك) من (المسؤول) الذي (قصدته) من نتائج، وهذا ما تتكفل به العبارات اللاحقة من مقطع الدعاء وهو ما نحدثك عنه لاحقاً ان شاء الله تعالى.
ختاماً نسأله تعالى ان ينجز لنا حاجاتنا، وان يوفقنا لممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******