لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة'>الادعية المباركة وما تتضمنه من المعرفة العقائدية وسواها، ومن ذلك: دعاء (الجوشن الكبير) حيث يتضمن (۱۰۰) مقطع، كل مقطع (۱۰) مظاهر من صفات الله تعالى وعظمته، وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا الى مقطع جديد هو المقطع الرابع والعشرون، حيث يبدأ بهذا النحو (يا بديع السماوات، يا جاعل الظلمات، يا راحم العبارت،...).
والآن نبدأ بالقاء الاضاءة على عباراته، ونحدثك عن العبارة الاولى وهي: (يا بديع السماوات)، فماذا نستلهم منها؟
لعل قارئ الدعاء يتساءل في البداية، قائلاً: ما هي النكتة الكامنة وراء الاستهلال بعبارة (يا بديع السماوات)؟
ثم لماذا لا يقرنها الدعاء باضافة (والارض) حيث ورد التعبير عن ذلك بعبارة (يا بديع السماوات والارض) في نصوص اخرى؟
الجواب: طبيعياً، لا يستطيع احدنا ان يدرك الاسرار الكامنة وراء ذلك، لان علمها عند الله تعالى وعند المعصومين عليهم السلام، كل ما في الامر ان القارئ للدعاء بمقدوره ان يستخلص او يستلهم او يحتمل بعض النكات الكامنة وراء ذلك.
من الواضح، ان (السماوات) تختلف عن الارض برّه وبحره بكونها ظاهرة لا يمكن لأحد ان يخترقها ليتبين معالمها، ان وجودها سقفاً هائلاً يغطي افق الوجود، يجعل الناظر اليها منبهراً، دون ان يصل الى ادراك بصري لها، بل حتى الادراك التصوري والقرآن الكريم يشير الى هذه الظاهرة في مواقع متنوعة من سوره، ومنها ما ورد في سورة الملك: «الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ، وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ،...».
المهم، ان العجز في ادراكنا لظاهرة السماوات بفخامتها الهائلة التي يعجز القلم عن رسمها، هذا العجز يجعلنا منبهرين امام عظمة الخالق لهذه الظاهرة، ويفسر لنا الاستدلال بها دون غيرها من الظواهر المرئية، ومنها (الارض)، حيث ان ادراكنا البصري الجزئي للارض يفسر لنا نكتة عدم ذكر الدعاء لظاهرة (الارض) واقترانها بظاهرة (السماوات).
ونتجه الى الظاهرة الثانية او العبارة الثانية القائلة (يا جاعل الظلمات)، فماذا نستلهم منها؟
ايضاً نتسائل هنا عن السرّ الكامن وراء العبارة المكتفية بذكر (الظلمات) دون (النور) مع ان نصوص القرآن الكريم والاحاديث طالما تقرن الظلمات بالنور، فتقول مثلاً (جاعل الظلمات والنور)، فلماذا نجد الدعاء الآن مكتفياً بالظلمات دون النور؟
هذا بدوره يحتاج الى تفسير احتمالي، فما هو؟
في تصورنا ان الظلمات بما انها ليست كالنور ومنه: الشمس والقمر، والنهار، بعامة، فان الاشارة الى الظلمات وحدها تتماثل مع الاشارة الى (السماوات) وحدها من حيث اشتراكها في بعض اسرارها غير البادية للعيان، يضاف الى ذلك جهلنا الكامل بالاسرار الكامنة وراء عالم الظلمات وما تختزنه من الظواهر الابداعية.
بعد ذلك نتجه الى العبارة الثالثة (يا راحم العبارت) فنجدها متجسدة في موضوع آخر غير الابداع للسماوت والظلمات، مما يقتادنا للتساؤل عن اسرار ذلك، وهذا ما نحدثك به لاحقاً ان شاء الله تعالى.
ختاماً، نسأله تعالى ان يوفقنا الى التفكير بعظمة ابداعه، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******