لانزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها: دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عنه في لقاءات سابقة، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه التي ورد فيها ما يأتي: (اللهم اني أسألك باسمك يا مؤمن، يا مهيمن، يا مكوّّن، يا ملقن).
وقد سبق ان حدثناك ـ في لقاء ماض - عن عبارة (يا مؤمن)، أما الآن نحدثك عن العبارة الثانية من المقطع وهي: (يا مهيمن)، فماذا نستلهم منها؟
من البيّن ان كلمة (المهيمن) تظل في الصدارة من العبارات الخاصة بعظمة الله تعالى، ان (الهيمنة) هي السيطرة، ولها مصطلحات ورموز متنوعة، منها ما ورد في القرآن الكريم عن ظاهرة الاستواء على العرش، حيث ان هذا الرمز يعني الهيمنة على الكون ولا نحسبك انّ احداً منا يجهل هذه الظاهرة التي تعني ان كل شيء ٍ هو بيده تعالى، سواء اكانت هيمنة مباشرة كهيمنته تعالى على ما في السماوات والارض من القوى المادية والمعنوية، او هيمنة غير مباشرة بمعنى انه تعالى يمنح البشراوالملائكة مثلاً قوى محددة لاعمالها في ادارة الكون او المجتمعات ولكنها ـ في الواقع ـ هي بفاعلية منه، كما هو واضح.
ولعل النكتة التي ينبغي استخلاصها من هذه الظاهرة هي ان ندرك بأن الامور جميعاً هي بيد الله تعالى، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، مما يدفع الشخصية الى ان يتوكل على الله تعالى في اموره جميعاً.
العبارة الثالثة من المقطع هي: (يا مكوّن)، هنا نتساءل ايضاً: ماذا نستلهم من هذه العبارة؟ ان (التكوين): هو انشاء للشيء كما هو واضح، طبيعياً، ثمة فارق بين القول مثلاً (يا خالق) وبين القول (يا مكوّن) مع ان كليهما يخضع لدلالة مشتركة هي، ايجاد الشيء وصنعه، الا ان الفارق هو ان (الخلق) هو: الايجاد بنحو عام، بينما (التكوين) هو: إيجاد ايضا ً لكن مع (الصنع).
ان الله تعالى (خالق) الزمن، ولكن الليل والنهار هما من (التكوين)، اي انه تعالى عندما خلقها صنع حركتها ووظائفها، لذلك، فان النصوص الشرعية عندما تتمنوع من جانب، وتتوافق من جانب آخر، فأنها تدلنا على السعة والشمولية والدقة والاستيعاب لكل ما يمكن تصوره من الظواهر، ومنها: العبارة المتقدمة (يا مكوّن) بالنحو الذي اوضحناه الآن.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا ملقن)، فماذا نستخلص منها؟ من حيث اللغة تقول المصادر بان (ملقن) مأخوذة من (اللقانة) وهي سرعة الفهم، وعندما نقول: انّ فلاناً لقن فلاناً، فمعناه فهمّه اياه، واذا نقلنا الحقيقة المتقدمة الى موضوع حديثنا عن اسماء الله تعالى ومظاهر عظمته ورحمته، نجد انّ اذهاننا تتداعى الى انه تعالى بعد ان خَلَقَ الإِنسَانَ، وعَلَّمَهُ الْبَيَانَ، (لقنّه) ما يحتاج اليه في ممارسة وظيفته العبادية التي خلق الله تعالى الانسان من أجلها.
من هنا، يمكننا ان نفرق ايضاً بين عبارة (علّم) وعبارة (لقنّ)، فالتعليم هو: تقديم المعرفة الى الشخص، واما (التلقين) فهي: تقديمها مقترنة مع سرعة الفهم، لان الفهم او التعلم لا يأخذ فاعليته المطلوبة اذا اقترن بسرعة التلقي في العلم، وهذا من الوضوح بمكان.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من الاسرار او النكات الكامنة وراء عبارات متجانسة مثل (يا مكوّن) في علاقتها بما هو (ابداع) من الله تعالى مثل كلمة يا مبدع او يا خالق، ومثل عبارة: (يا ملقّن)، وعلاقتها بعبارة (معّلم) في الآية الكريمة عَلَّمَهُ الْبَيَانَ والمهم هو، ان نسأله تعالى بأن يلهمنا مبادئ المعرفة، ويوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******