نحن الان مع مقطع جديد من دعاء (الجوشن الكبير) وهو الدعاء الذي يتضمن مائة مقطع، في كل مقطع عشر صفات او عشرة اسماء او مظاهر من عظمة الله تعالى، والمقطع الذي نعتزم الحديث عنه يبدأ بما يأتي: (يا من لا يرجى الا فضله، يا من لا يسأل الا عفوه، يا من لا ينظر الا برّه)، هذا المقطع من الدعاء يتضمن حقائق عن عظمة الله تعالى ورحمته بخاصة، حيث يتناول (الرحمة) في مصاديق متنوعة، منها الفضل، العفو، البرّ، والسؤال الآن هو: ما هي الاستخلاصات التي يمكننا أن نفيد منها في ملاحظتنا لهذه المصاديق من (الرحمة)؟
ونبدأ ذلك بالحديث عن (الفضل)، فماذا نستلهم من ذلك؟
(الفضل) هو، ما ينعم به الله تعالى على عبده من مختلف شؤون المساعدة، طبيعياً: المساعدة لها مصاديق كثيرة منها: ما هو زائد على الشيء، أي: المزيد من المساعدة للعبد، فقد يحتاج العبد الى مساعدة محدودة، إلا أن الله تعالى يساعده بما هو زائد عن الحد المذكور.
فمثلاً قد يحتاج العبد الى مؤونة سنة مثلاً، إلا أن الله تعالى يتفضل عليه بمؤونة عدة سنوات.
والعبارة تشير الى أن العبد لا ينظر الى الله تعالى إلا بما هو فضل منه، اي: الزائد عن المساعدة، وليس المساعدة المحدودة.
أما العبارة الثانية فتقول: (يا من لا يسأل الا عفوه) والسؤال الآن قبل الاجابة عن هذه العبارة هو: لماذا ذكرت عبارة الدعاء مصطلح (الرجاء) بالنسبة الى فضل الله تعالى، بينما استخدمت مصطلح (السؤال) بالنسبة الى (عفو) الله تعالى، حيث قالت: (يا من لا يسأل الا عفوه) وقالت يا من لا يرجى الا فضله؟
الجواب: إن (الفضل) بما أنه زائد على الحاجة، فيكون (الرجاء) و(الامل) هو المناسب لما هو اكثر من الحاجة، بصفة أن المحتاج إلى (۱۰۰) مساعدة مثلاً، حينئذ فإنّ الزائد عن المائة يكون من باب الرجاء او الأمل لأنه زائد على ما هو مطلوب.
واما (العفو) فعلى العكس من ذلك، حيث أن العبد المسئ او المذنب يتطّلع الى عفو الله تعالى ويسأله ذلك، ولا يسال ما هو الزائد عن محو الذنب، لان العفو: هو المحو للشيء: كما أو غطّت الرياح آثار الرمال مثلاً.
أما العبارة الثالثة فهي: (يا من لا ينظر الا برّه) هنا نطرح سؤالاً جديداً هو: لماذا بالنسبة الى (البرّ) لا يقترن الا بالنظر اليه فحسب؟
اي، لماذا قال الدعاء: (يا من لا ينظر الا برّه) حيث انتخب الدعاء مفهوم (البرّ) بدلاً من (الفضل) او (العفو) مثلاً؟
الجواب: البرّ هو الإنعام المقترن بالجزاء على ما يمارسه العبد من الطاعة، اي: أن العبد عندما يطيع الله تعالى، فإن الله تعالى ينعم عليه ليس بما يتناسب مع الطاعة بل الاكثر، ولذلك ورد بأن الله تعالى يتقدّم بعشر خطوات الى من تقدّم الى الله تعالى بواحدة، أي: يجازي أضعاف ما يستحقه العبد.
من هنا، فان العبد لا ينظر إلاّ الى كيفية (برّ) الله تعالى إياه، إنه - أي العبد- (ينظر) و(يتوقع) ما ينعم عليه الله تعالى من النعم، حيث لا محدودية لرحمته تعالى.
إذن أمكننا أن نتبين جملة نكات وراء العبارات المتقدمة، سائلين الله تعالى أن يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******