البث المباشر

شرح فقرة: يا من هو قبل كل شيء، يا من هو بعد كل شيء، يا من هو فوق كل شيء

السبت 10 أغسطس 2019 - 12:03 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة: " يا من هو قبل كل شيء، يا من هو بعد كل شيء، يا من هو فوق كل شيء " من دعاء الجوشن الكبير.

 

نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها: الدعاء الموسوم بـ(الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه: (يا من هو قبل كلّ شيء، يا من هو بعد كلّ شيء، يا من هو فوق كلّ شيء،...).
ان هذه العبارات الثلاث تتناول الزمان والمكان الحادثين المخلوقين، ولكن من خلال ابداع الله تعالى وصلته تعالى بذلك، حيث اوضح الموقف على النحو الآتي: (يا من هو قبل كلّ شيء)، هذه العبارة تعني بوضوح انه تعالى قديم ازليّ بملاحظة ما بعدها ايضاً، وهي: (يا من هو بعد كلّ شيء).
ان العبارتين هنا تجعل الذهن متداعياً الى ما ورد في دعاء (يستشير): (لا إله إلاّ انت، كنت اذ لم تكن سماء مبنية، ولا ارض مدحية، ولا شمس مضيئة، ولا ليل مظلم، ولا نهار مضئ، ولا بحر لجّيّ...) ان هذه ليست مجرد بيان حقيقة وجود الله تعالى، بل هي مضافاً الى ما تقدم تجعل الذهن متداعياً الى عظمة الله تعالى الابداعية اي: ليست بيان الحقيقة الالهية المتفردة فحسب، بل بيان الابداع الالهي ايضاً، انه تعالى كان قبل ان يكون كون، ثم خلق الكون بالنحو الذي اشارت اليه نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف ممّا يجعلنا متعمّقين في عظمة الله تعالى الوجودية من جانب أو الابداعية من الجانب الآخر. لكن اذا كانت عبارة: (يا من هو قبل كل شيء) تتداعى بالذهن الى وجوده تعالى وإبداعه، فماذا تعني الفقرة التي بعدها، وهي: (يا من هو بعد كل شيء)؟
من الواضح، ان (البعديّة) هنا تتداعى بالذهن بدورها الى عظمة وجوده تعالى، والى الابداع ايضاً، ولكن من خلال الاشارة الى فناء الاشياء وبقائه تعالى، أمّا فناء الاشياء فان الآية القرآنية الكريمة تشير الى ذلك بوضوح ونعني بها آية: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ» وأمّا وجوده بعد فناء الاشياء فتدل عليه الآية التي تليها وهي: «وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ» اذن: ثمة حقائق متنوعة تحفل بها فقرتا الدعاء: (يا من هو قبل كل شيء) و (يا من هو بعد كل شيء)، ولكن ماذا نستلهم من العبارة الثالثة التي لا حظناها في مقطع الدعاء وهي: (يا من هو فوق كل شيء)؟
ان (الفوقية) هنا رمز يحفل بإيحاءات متنوعة دون ادنى شك، منها: الإشارة الى العلوّ حيث إنه عليّ في أحد أسمائه الحسنى، أي علوّه على كلّ ما يتصوّر حدوثه، سواء كان العلو هنا يرمز الى الهيمنة والسيطرة والى الوجود المادّي أو الى الوجود المعنوي المتمثل في علمه وإرادته ورحمته.
بعد ذلك نواجه علاقته تعالى بسائر (الأشياء) مثل عبارة: (يا من هو عالم بكل شيء، يا من هو قادر على كل شيء، يا من هو يبقى ويفنى كل شيء). ان هذه العبارات الثلاث التي ختم بها مقطع الدعاء تجسّد تفصيلاً وإجمالاً لما تقدم، أي: تفصيل بعض الاشياء وتختصر البعض الآخر.
انها تختصر ما سبق ان اوضحته من انه تعالى قبل كل شيء وبعد كل شيء، وتفصّل ما هو (علوّ) لله تعالى وهذه الاخيرة، أي: التفصيل تتمثّل في الاستشهاد ببعض سماته تعالى وهي (العلم) و(القدرة)، حيث ان الاشارة الى هاتين السمتين تعكس لنا موضوعين يرتبطان بالابداع، أي: علمه تعالى بما يبدعه، وقدرته على الابداع بما لا حدود له، أي: العلم المطلق والقدرة المحدودة.
إذن اتّضح لنا اكثر من استخلاص او استلهام او نكتة وراء العبارات المتقدمة ومن ثمّ فإنّ عظمته تعالى تفرض علينا ان نمارس الطاعة ونتصاعد بها الى النحو المطلوب.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة