بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد والمجد غياث المستغيثين ومجيب دعوة المضطرين تبارك وتعالى أرحم الراحمين، وأنمى صلواته وصلوات ملائكته المقربين على كنوز رحمته الكبرى للعالمين حبيبه المصطفى الأمين وآله الطيبين الطاهرين.
سلام من الله عليكم أيها الاخوة والاخوات ورحمة منه وبركات، أطيب تحية نهديها لكم في مستهل لقاءنا بكم اليوم في حلقة جديدة من هذا البرنامج، نستضيء فيها بالعبارة الثانية من المقطع الثالث من دعاء الحجب أو الإحتجاب وهو من غرر أدعية الفوز بقضاء الحاجات.
في هذا المقطع يعلمنا الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله) أن نتوجه الى ربنا الكريم قائلين: (أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك، وبكل اسم هو لك سميت به نفسك، او استاثرت به في علم الغيب عندك وبكل اسم هو لك انزلته في كتابك، او اثبته في قلوب الصافين الحافين حول عرشك فتراجعت القلوب الى الصدور عن البيان باخلاص الوحدانية وتحقيق الفردانية مقرة لك بالعبودية وانك انت الله انت الله انت الله لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ، ...).
ايها الاطائب، اولى الوسائل التي يعلمنا هذا الدعاء الشريف ان نتوسل بها الى الله عزوجل كوسيلة للفوز بما نطلبه من الله عزوجل، هي معاقد العز من العرش الالهي والتي تمثل في الوقت نفسه منتهى الرحمة في الكتاب الرباني، والمقصود هو الوجودات التي يظهر الله عزوجل بها عز عرشه اي عز سلطنته وادارته لشؤون عباده، وكذلك يفيض بهم رحمته على العالمين.
وقد عرفنا في الحلقة السابقة ان المقصود بهذه الوجودات هو النبي الاكرم واهل بيته الطاهرين (صلوات الله عليه وآله اجمعين)، وقد خص الله عزوجل سيد الانبياء والمرسلين من بين جميع الانبياء (عليهم السلام) خصه بوصف الرحمة، في اشارة الى كونه (صلى الله عليه وآله) منبع منتهى الرحمة الالهية، فالله تبارك وتعالى عندما يتحدث عن سائر الانبياء يقول كما في الآية ۸٦ من سورة الانبياء: «وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ»، اما عندما يتحدث عن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) فهو يخاطبه بالقول كما في الآية ۱۰۷ من سورة الانبياء نفسها: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ».
والفرق بين التعبيرين واضح للمتدبر في الآيتين، وفيهما اشارة لطيفة الى ان سابقية الرحمة وانها الهدف المحوري لوجود سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله). اي ان بعث لكي ينشر الرحمة الالهية في الخلق.
وقد ثبت في الدراسات العقائدية في مباحث الامامة ان مقامات النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) جعلها الله عزوجل في اهل بيته باستثناء النبوة اذ انه خاتم الانبياء وسيد الخلائق اجمعين صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين.
مستمعينا الاطائب، وفي العبارة التالية يهدينا الهادي المختار (صلوات ربي عليه وآله الاطهار) الى التوسل الى الله عزوجل بجميع اسمائه ويذكر عدة اقسام لها، الاول هو الوارد في قول الداعي: (وبكل اسم هو لك سميت به نفسك). فما هو المراد بذلك؟
ذكر علماء اللغة، ان معنى الاسم هو مادل على المسمى ووصفه، وعبارة (هو لك)، تخصص الاسم الذي يناسب الله عزوجل وكمالاته، اي ان عبارة (هو لك) تخصص الاسماء والصفات التي تليق بالذات الالهية المقدسة.
اما عبارة (سميت به نفسك)، فهي تبين عبارة (هو لك)، اي ان الاسماء التي تليق بالذات الالهية المقدسة، هي الاسماء التي سمى بها الله عزوجل نفسه، سواء كان بصورة مباشرة كالذي انزله في القرآن الكريم او في عموم نصوص ينابيع الوحي، او الذي اركزه في الفطرة السليمة او الذي يقره العقل او يتوصل الى اثباته لله عزوجل وفق المنطق السليم، اذ ان العقل السليم هو الحجة الباطنية لله عزوجل على الانسان كما صرحت بذلك النصوص الشريفة.
مستمعينا الاطائب، وعلى ضوء التوضيحات المتقدمة يتضح ان القسم الاول من الاسماء التي يامرنا الدعاء الشريف ان ندعو الله عزوجل بها هي الاسماء التي تليق بذاته المقدسة، وهي المرتبة العليا من كل صفات الخير والبركة والرحمة والكمال، اذ ان الله تبارك وتعالى وبحكم غناه وكماله هو وحده الجدير بالمرتبة العليا لكل صفات الخير، وهذا هو ما يشير اليه قوله عزوجل في الآية الكريمة ۱۱۰ من سورة الاسراء: «قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى».
قال العلامة الطباطبائي في بيان معنى هذه الآية من تفسيره الميزان: (الاسماء الدالة على المسميات منها حسنة تدل على ما فيه حسن ومنها قبيحة بخلافها، ولا سبيل للقبيح اليه تعالى. والاسماء الحسنة منها ما هو احسن لاشوب نقص وقبح فيه كالغنى الذي لا فقر معه والحياة التي لاموت معها ... ولله سبحانه الاسماء الحسنى - بصيغة التفصيل- وهي كل اسم هو احسن الاسماء في معناه كما يدل عليه قول ائمة الدين (عليهم السلام): ان الله تعالى غنيٌ لا كالاغنياء حي لا كالاحياء عزيزلا كالاعزة، عليم لا كالعلماء وهكذا اي ان له تبارك وتعالى من كل كمال صرفه ومحضه الذي لا يشوبه خلافه).
ايها الاخوة والاخوات، لا يخفى عليكم ان ادراك الحقيقة المتقدمة ومعرفة ان الله عزوجل هو الحاوي لاحسن الصفات والتوجه اليه ودعوته بها، يملا قلب الداعي بقوي الامل في استجابة دعائه.
كما نستفيد من هذه العبارة ان من الآداب المهمة للدعاء المستجاب ان يستذكر الداعي وجدانياً اسماء الله الحسنى اثناء الدعاء، وذلك لتحقيق الغاية المتقدمة.
وبهذه الاستفادة ننهي ايها الاطائب لقاء اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم له من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. تقبل الله منكم طيب الاستماع ودمتم في رعايته سالمين.