أهلًا بكم في الحلقة الخامسة من بودكاست "اكتشف إيران".
إيلام محافظة صغيرة غرب إيران، يمتاز أهلها ببطولاتهم وملاحمهم، بطبيعتها البكر وإمكاناتها الهائلة التي تؤهلها لأن تصبح مركزًا سياحيًا بارزًا. يُطلق البعض على هذه المحافظة اسم "عروس زاغروس"، بينما يُطلق عليها آخرون اسم "أرض شروق الشمس"، وهي محافظة عريقة تقع بين جبال زاغروس الشامخة. ورد اسمها في النقوش البابلية باسم آلام أو آلامتو ، أي الجبل أو أرض شروق الشمس. كما ونظرًا لجمالها الطبيعي والجبلي تُعرف هذه المحافظة باسم "عروس زاغروس"
تبلغ مساحة إيلام 20,333 كيلومترًا مربعًا، وهي ثاني أكبر محافظة في إيران، وتقع في قلب جبال زاغروس، ويمتد حدودها مع العراق لمسافة 425 كيلومترًا.
تقع إيلام في منطقة مناخية شبه حارة وشبه رطبة، وتُعتبر من محافظات إيران الغنية بالغابات. يتميز شمال المحافظة بمناخ جبلي مع شتاء بارد، بينما يتميز جنوبها بسهول شاسعة وصيف حار. وباستثناء المناطق الجنوبية الغربية، تتميز المحافظة بجبال شاهقة ومتشابكة تتشكل من طيات متوازية عديدة. وتتميز المناطق الوعرة في شمال وشمال شرق المحافظة بمنحدرات شديدة وسهول جبلية صغيرة، بينما تمتد السهول الواسعة في الجنوب والجنوب الغربي من المحافظة.
يُعد جبل "كبيركوه" أحد أبرز مرتفعات منطقة پشتكوه ، ويمتد إلى سهل خوزستان ليشكل مساحة كبيرة. أعلى قمة في هذه السلسلة الجبلية هي قمة "كان صيفي"، التي يصل ارتفاعها إلى 3062 مترًا، وتغطي غابات البلوط أجزاء من منحدراتها. تؤدي المنحدرات الشرقية لكبيركوه بشكل حاد إلى وديان عميقة غنية بالمياه تصب في نهر سيمره ، بينما تزخر منحدراتها الغربية بموارد النفط والاحتياطيات الجوفية.
جبل كبيركوه هو أحد أكبر الجبال وأكثرها انتظامًا في غرب زاغروس، ويبلغ طوله حوالي 160 كيلومترًا ويبلغ عرضه من 6 إلى 7 كيلومترات، ويمتد كجدار ضخم في پشتكوه بأكملها من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي. جبل "قلاقيران" الواقع بالقرب من مدينة إيلام في منطقة ششدارالغابية، جبل يرمز إليه في أشعار الشعراء المحليين. المنحدر الشديد لهذا الجبل جعل تسلق قمته واستكشافه أمرا بالغ الصعوبة، ولكن في فصل الربيع، يمكن لكل سائح الاستمتاع بمناظر خلابة لسهوله المليئة بالأزهار ومنحدرات البلوط الخصبة.
جبل قلاقيران ليس رمزًا لمحافظة إيلام فحسب، بل هو أيضًا الشعار الرسمي للقناة التلفزيونية الإقليمية لهذه المنطقة.
إلى جانب الجبال الخصبة، تتميز محافظة إيلام، غرب إيران، بسهولها الشاسعة الخصبة وهي تضم إلى جانب الحقول الزراعية المزدهرة، العديد من المواقع الأثرية والتاريخية القيّمة. تشير هذه الآثار إلى وجود وتجمع المجتمعات البشرية في هذه المنطقة منذ القدم.
بفضل الطبيعة الجبلية التي تتمتع بها محافظة إيلام وتساقط الثلوج والأمطار بكميات كافية، تتدفق في هذه المنطقة أنهار صغيرة وكبيرة، تُعدّ المصدر الرئيسي لري الأراضي الزراعية وبناء السدود وتوفير مياه الشرب في المحافظة، والتي غالبًا ما تنبع من نهر كبيركوه. نهر سيمره، الذي كان يُعرف قديمًا باسم "أكنو" أو "أقنو"، وبين اليونانيين باسم "كواسپس" أو "خئوپس" يعد أهم وأغنى أنهار المحافظة، وهو ينبع من المنحدرات الغربية لجبل ألوند في محافظة همدان ومنطقة نهاوند.
بفضل موقعها على المنحدرات الغربية لسلسلة جبال زاغروس، تتمتع إيلام بغطاء نباتي مناسب. تُعتبر غابات هذه المحافظة في معظمها غابات قاحلة وشبه قاحلة في جبال زاغروس، وتُقدر مساحتها بحوالي 500,000 هكتار. تضم هذه الغابات أنواعًا متنوعة، بما في ذلك البلوط، الذي يُشكل النسبة الأكبر من نباتات المحافظة،إضافة إلى الفستق الحلبي الجبلي، والتين الجبلي، والكرز البري، والزعرور، وأنواع محلية أخرى.
ومن الجدير بالذكر أيضًا أن أكثر من 90% من موارد النفط والغاز في غرب إيران، وحوالي 11% من موارد النفط والغاز المعروفة في البلاد، تقع في محافظة إيلام. لذا، تحتل إيلام المرتبة الثانية من حيث موارد النفط، والثالثة من حيث موارد الغاز في إيران.
ووفقًا للعديد من الوثائق التاريخية، وخاصةً النظرية الجديدة للدكتور والتر هينز، كانت محافظة إيلام جزءًا من أرض وإمبراطورية عيلام القديمة، التي غزاها آشور بانيبال حوالي640 عاما قبل الميلاد. بفضل موقعها الجغرافي والجبلي، هيمنت هذه المنطقة على بلاد ما بين النهرين، وكثيرًا ما سلك الغزاة السومريون والأكاديون والبابليون طرقها المعقدة وتقدموا شمالًا عبر الوديان والجبال إلى سهول خوزستان و شوش.
يُرجّح أن اسم " ورهشي " (أو مرهشي كما جاء في النصوص العيلامية القديمة) يشير إلى المنطقة الجبلية في عيلام الحالية والمناطق المحيطة بنهر سيمره. يعتقد معظم المؤرخين أن ورهشي كانت دولة مستقلة، تحالفت أحيانًا مع دول بلاد ما بين النهرين وتعاونت أحيانًا أخرى مع عيلام. خلال فترة حكم الدول العيلامية، ضُمّت ورهشي إلى أراضيها. ومع ذلك، بعد سقوط عيلام، انقسمت دائرة نفوذها إلى قسمين، تحت سيطرة الفرس والميديين، وخلال العصر الأخميني، حوالي 500 عام قبل الميلاد، كانت ورهشي جزءًا من الإمبراطورية الأخمينية العظيمة. كانت إيلام، الواقعة بين خوزستان وبلاد الرافدين ولرستان وكرمانشاه، جزءًا من أراضي ميديا الكبرى خلال العصر البارثي، الذي غزاه أرشك. يعتقد بعض الباحثين أن آثار مدينة سيروان القديمة في مقاطعة سيروان، الواقعة شمال محافظة إيلام، هي آثار تعود إلى العصر البارثي.
بعد فتح المسلمين لإيران وفي القرون الإسلامية الأولى، كانت هذه المنطقة على الأرجح جزءًا من ولاية الكوفة، وكانت تُدار من قِبل ولاة مسلمين. من أوائل القرن الرابع إلى أوائل القرن السادس الهجري ، حكم الحسنويون لرستان وإيلام، ومن عام ٥٧٠ إلى ١٠٠٦، حكم الأتابكة اللوريون لرستان وپشتكوه أي "إيلام" الحالية. في العصر الحديث، وبناءً على أول قانون لتقسيم البلاد في إيران، والذي أُقرّ بعد الثورة الدستورية عام 1907 ، قُسِّمت إيران إلى أربع ولايات واثنتي عشرة محافظة. وفي هذا التقسيم، اعتُبرت منطقة إيلام جزءًا من ولاية لرستان، ثم أُعلنت محافظة مستقلة عام 1974.
وفقًا للإحصائيات فإن الأكراد يشكلون (86%) واللور (10%) من سكان محافظة إيلام وهناك نسبة صغيرة من الجماعات العرقية الأخرى. وبالطبع، تضم كل من الجماعات العرقية الكردية واللورية العديد من القبائل والعشائر. بالإضافة إلى اللغتين الكردية واللورية، تُعد اللغتان اللكِية والعربية شائعتين أيضًا في إيلام.
إريك أنونبي، العالم اللغوي البارز ومدير مشروع أطلس للهجات الإيرانية في جامعة كارلتون الكندية يعتبر محافظة إيلام منطقة واسعة من التقارب والتآلف بين اللغات اللورية واللكِية والعربية والكردية. ويصف وضع ترسيم اللغات واللهجات في هذه المحافظة بأنه معقد للغاية، ويؤكد أن هوية الجماعات العرقية التي تعيش في إيلام لا تتوافق دائمًا مع اللغات التي يتحدثون بها.
كان الزي المحلي لشعب إيلام في الماضي يشمل العمائم والشالات والسراويل الكردية المصنوعة من أقمشة الكودري والغوردين. اليوم، لا يزال الناس في العديد من القرى وبعض المدن يرتدون السراويل والعمائم الكردية. ومع ذلك، فإن الزي الرسمي للرجال في مدن إيلام هو نفس البدلة الشائعة في جميع أنحاء البلاد. كما ترتدي النساء في إيلام ملابس تقليدية وحجابًا خاصًا، وهو أمر لا يزال شائعًا في بعض المدن والقرى، على الرغم من أن معظم النساء في المدن يرتدين ملابس رسمية مثل الشادور والوشاح.
من بين المنتجات المحلية لمحافظة إيلام يمكن الإشارة إلى"گيوه" وهو حذاء يدوي الصنع ، وهناك حلويات كله كنجي و حلاوة بگل، وخبزالساج التقليدي وپپگ، ورزعنبر بو، والدهن الحيواني، والعسل الجبلي والسجادات اليدوية المبرزة التي تحظى بشعبية كبيرة بين السياح والمقيمين من مناطق أخرى في إيران.
تركز الأنشطة الاقتصادية في محافظة إيلام بشكل رئيسي على تربية الحيوانات والزراعة، كما تتوفر فيها الظروف المناسبة لتربية النحل وإنتاج العسل. يمثل القطاع الصناعي في هذه المحافظة حصة صغيرة من سوق العمل، ولا تزال الزراعة والخدمات تلعب دورًا رئيسيًا في التوظيف. مع فتح حدود مهران مع العراق، تبلورت آفاق واعدة لتوسيع التجارة والسياحة الدولية وعبور البضائع والركاب. كما تتمتع إيلام بموارد معدنية مهمة، وتلعب احتياطياتها من النفط والغاز دورًا مهمًا في الاقتصاد الإقليمي.
أما في مجال السياحة فإن محافظة إيلام تتمتع أيضًا بإمكانيات تاريخية وطبيعية كبيرة. تتألق إيلام، هذه الأرض الخصبة في غرب إيران، كجوهرة خفية بين جبال زاغروس. تجمع معالم إيلام بين الطبيعة البكر والمعالم التاريخية القيّمة وكرم الضيافة، مما يخلق تجربة مختلفة لا تُنسى لكل مسافر.
تُعرف مدينة دره شهر القديمة، بأسمائها القديمة وهي ماداكتو وسيمره، لقد أصبحت المركز السياحي لمحافظة إيلام نظرًا لوجود العديد من القلاع والمعالم التاريخية والطبيعية. مدينة دره شهر، التي كانت إحدى عواصم إيران خلال العصر الساساني، تُعرف اليوم بأنها أكبر مدينة تاريخية في غرب البلاد. تشمل المعالم السياحية الأخرى في هذه المحافظة بحيرة آبدانان التوأم، وقلعة آبدانان التاريخية ، ومستودعات هزار، ومعبد سياهگل الناري، وطاق شيرين وفرهاد في إيوان غرب. وعليه تتوجه آلاف السياح سنويا إلى زيارة بقايا مدينة ماداكتو القديمة ومعبد دره شهر الناري ذي الطيقان الأربعة، وينابيع دهلران الساخنة، وعشرات القلاع ومعابد النار وبقايا الحضارة الإيرانية القديمة في هذه المحافظة.
يُعد مضيق رازيانه أحد أروع العجائب الطبيعية في محافظة إيلام، حيث يُظهر جمالًا أخاذًا بجدرانه الصخرية العالية وشقوقه الطبيعية. على مر السنين أصبح هذا المضيق بفضل تدفق المياه الجوفية، أحد أكثر الأماكن جاذبية للزيارة في إيلام.
في فصلي الربيع والصيف يتحول مضيق رازيانه إلى جنة من الألوان ، حيث يمكن للزائر الاستمتاع بخرير الماء اللطيف وبرودة الطريق لساعات. يُعد هذا المضيق وجهةً شهيرةً للمغامرين وعشاق الطبيعة.
تُعدّ بحيرة سياه گاو التوأم جنةً صغيرةً في مرتفعات كبيركوه، حيث تُضفي على المكان هدوءًا مثاليًا بفضل مياهها الصافية ومناظرها الطبيعية الخلابة. قد يكون الوصول إلى هذه البحيرة صعبًا بعض الشيء، لكن جمالها يستحق كل هذا العناء. لا تتميز البحيرات التوأم بجمالها الأخّاذ فحسب، بل تُعتبر أيضًا من أكثر البقاع نقاءً لعشاق الطبيعة. بفضل ارتفاعها الشاهق، يبقى هواء هذه المنطقة باردًا حتى في فصل الصيف.
يُعد كهف زينگان ، المعروف أيضًا باسم "كهف الجنة"، أحد أجمل المعالم الطبيعية وأكثرها جاذبيةً في محافظة إيلام. أصبح هذا الكهف، بممراته المعقدة وشلالاته الرائعة وأجوائه اللطيفة، وجهةً شهيرةً لعشاق المغامرة. تُتيح زيارة هذا المكان فرصةً فريدةً لالتقاط لحظاتٍ وصورٍ جميلة.
بالإضافة إلى هذا الجذب السياحي، تُضفي غابات البلوط الأخضر جوًا من الاسترخاء والسكينة على السياح. بفضل أشجار البلوط العتيقة وهوائها النقي، تُعد هذه الغابات من أجمل الأماكن في إيلام للسياحة الطبيعية، حيث تُدهش الزوار وتُغمرهم بالسكينة.
تُعد أراضي سيمره الرطبة من أجمل المعالم الطبيعية في إيلام، حيث تسحر كل زائر بمياهها الهادئة ومناظرها الخلابة. تبلغ هذه الأراضي الرطبة ذروة جمالها في الربيع والخريف، وتحتضن مجموعة متنوعة من الطيور المهاجرة والحيوانات المائية التي تُضفي على الطبيعة رونقًا خاصًا. بالإضافة إلى معالمها الطبيعية، تُعتبر أراضي سيمره الرطبة موطنًا للطيور المهاجرة مثل البط واللقلق التي تأتي إلى هذه المنطقة في أوقات مختلفة من السنة، مما يُضاعف من جمالها.
من أبرز ما يميز محافظة إيلام في السنوات الأخيرة دورها المهم كطريق رئيسي لزوارالعتبات المقدسة في العراق ولاسيما لزوار ذكرى أربعينية الإمام الحسين(ع).
في السنوات الأخيرة، أصبحت المحافظة واحدة من الطرق الرئيسية لزوار ومحبي الإمام الحسين (عليه السلام) للمشاركة في هذه الزيارة المليونية.
خلال هذا الحدث، تكون المنافذ الحدودية لمحافظة إيلام، وخاصة حدود مهران، من بين أقرب الطرق وأكثرها ازدحامًا للسفر إلى العراق والمشاركة في هذه الزيارة العظيمة. خلال أيام الزيارة الأربعينية التي تستمر عادةً لمدة أسبوعين، يدخل ويخرج من هذه الحدود ما بين 5 و7 ملايين شخص، ولذلك تُعرف إيلام بـ"عاصمة خدمة زوار الأربعين". خلال هذه الأيام، يُعدّ معبر مهران الحدودي أكثر المعابر ازدحامًا لزائري الأربعين، ونظرًا لقربه من النجف وكربلاء، يختاره الكثيرون لرحلة الأربعين.
يظلّ المرور عبر حدود مهران مفتوحًا على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع خلال الأربعين، وبعد ثماني سنوات من الدفاع المقدس وسقوط حزب البعث البائد أدت هذه المحافظة إلى الواجهة لملتقى محبي الإمام الحسين (عليه السلام).
تجدر الإشارة إلى أن محافظة إيلام كانت من المحافظات التي تصدت الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات.
فقد لعبت هذه المحافظة دورًا لا مثيل له في الدفاع عن تراب إيران بمشاركة أكثرمن ستين ألف مجاهد من أبنائها، وتقديم ثلاثة آلاف شهيد، واثني عشر ألف معوق حربي ، وثلاثمائة وسبعة وثلاثين محررًا من أسر السجون البعثية.
وصلنا إلى نهاية الحلقة الخامسة من بودكاست "اكتشف إيران". سافرنا اليوم معًا إلى محافظة إيلام، حيث لا تزال طبيعتها البكر وثقافتها الغنية تحتفظ بأنفاس التاريخ. من جبالها الشامخة إلى سهولها الشاسعة، ومن معالمها التاريخية إلى الدور المؤثر لأهل هذه الأرض في أعظم الأحداث الدينية والملحمية في البلاد.
نأمل أن تكون هذه الصحبة قد فتحت لكم نافذة جديدة على جمال هذه المحافظة وإمكاناتها.
في الحلقة القادمة، نواصل معكم الحديث عن محافظة إيلام لسنستكشف طبيعتها الخلابة، عمارتها الأصيلة، وإمكانياتها الاقتصادية.
آمل أن تنضموا إلينا في الحلقة القادمة.
إلى اللقاء
ودمتم سالمين غانمين.