موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا مؤنسي عند وحشتي يا صاحبي عند غربتي يا وليّ عند نعمتي..."
لا نزال نحدّثك عن الدعاء وما يتضمنه من المعرفة المتنوعة في ميدان العقائد والاخلاق والفقه ومن جملة ما حدثناك عنه هو دعاء الجوشن الكبير حيث يتضمن مئة فقرة كل واحدة تتضمن ۱۰ صفات او مظاهر من عظمة الله تعالى وانتهينا في لقاء ماض الى فقرة بدأت بما يأتي: (يا عدّتي عند شدّتي ويا رجائي عند مصيبتي) الى أن يقول: (يا مؤنسي عند وحشتي يا صاحبي عند غربتي يا وليّ عند نعمتي...).
الفقرة الاخيرة او المظاهر الاخيرة من النص المتقّدم هو موضوع حديثنا الان.. ونبدأ ذلك بعبارة: (يا مؤنسي عند وحشتي)، فماذا نستلهم منها؟
من الواضح أن الشدائد التي تمر بالشخصية متنوعة كما تتفاوت في درجة شدتها، لقد تحدث النص عن مختلف شدّائد الانسان ومنها: (الوحشة)، والسؤال ما هي شدّائد الوحشة؟
كلنا يدرك بوضوح أن الانسان كائن اجتماعي لا يمكن أن يحيا وحده نظراً لترابط الحاجة بين البشرية جميعاً ولعلّ الحاجات النفسية هي اكثر الحاحاً من الحاجات المادية حيث يتحسس الانسان بالوحشة في حالة ما اذا عاش منعزلاً عن الآخرين او عاش مع الآخرين إلا أن الآخرين يهملونه ولا يعنون به، في امثلة هذه المواقف فإن الشخصية العبادية اي المرتبطة بالله تعالى ستتحسس الألفة بدلاً من الوحشة عندما تتعامل مع الله تعالى.
حتى أن النصوص الواردة عن المعصومين (عليهم السّلام) طالما تشّدد بأن من يتعامل مع الله تعالى يحس بالوحشة مع الآخرين مما يعني أن الله تعالى هو خير مؤنس للعبد وهو ما عبّرت الفقرة عنه بعبارة: (يا مؤنسي عند وحشتي) حيث تفصح بوضوح أن الله تعالى هو المؤنس للعبد في حالة وحشته.
بعد ذلك تواجهنا عبارة: (يا صاحبي عند غربتي) هنا نحسبك تسأل ما هو الفارق بين الوحشة وبين الغربة، وما هو الفارق بينالمؤنس والصاحب؟ ولماذا عبّر الدعاء عند الوحشة بمفهوم مقابل هو الأنس، وعبّر عن الغربة بما هو مقابل لها الصاحب؟
الغريب هو الشخصية التي تحيا منفردةً بين قوم لا صلة لها بهم وهذا كالمسافر مثلاً عندما يرحل من بلده الى بلد آخر: عندئذ سيعتبر غريباً عند البلد الآخر سواء أكان ذلك اثناء رحلته او خلال اقامته في البلد الجديد، هنا لكي يطرد المسافر ظاهرة (الغربة): حينئذ يحتاج الى من (يصاحبه) في سفره ولذلك قال مقطع الدعاء عن الله تعالى: (يا صاحبي عند غربتي) أي: أن الله تعالى هو الصاحب للمسافر الغريب يرعاه في سفره وما يحتاج اليه من المعونة، وبالفعل فإن الله تعالى خير (صاحب) للغريب في حالة ما اذا اتجه الى الله تعالى بصدق.
بعد ذلك نواجه عبارة: (يا وليّي عند نعمتي)، والسؤال ما هي الظاهرة الجديدة التي نلحظها في العبارة المتقدمة؟
لقد ألمح الدعاء الى أن الله تعالى صاحب كل غريب، ومؤنس كل موحش، أما الآن فقد انتقل مقطع الدعاء من موضوعات الشدة الى موضوع الفرج هو: (النعمة) حيث قال: (يا ولييّ عند نعمتي)، فماذا نستخلص من العبارة المتقدمة؟
كلنا على معرفة بان الحياة تحفل بما هو شدّة وبما هو فرج ايضاً: إنّ العبد يواجه شدّائد ويواجه مسرات ايضاً ومن المسرات: النعمة حيث تعني كل ما ينعم به الانسان من الخير، من هنا نجد أن الدعاء يتناول حالتي الانسان: الألم واللذة وفي الحالتين فإن التوجه الى الله تعالى يفرض ضرورته، ففي حالة الشدة يكون التوجه الى الله تعالى مشفوعاً بالتوسل اليه بازاحتها وفي حالة اللذة او النعمة فإنّ التوجه الى الله تعالى يفرض ضرورته لأنه تعالى هو صاحب النعمة تبعاً لقوله تعالى: «وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا».
اذن في الحالات جميعاً يتعيّن على العبد أن يتجه الى الله تعالى: في الشدة وفي الرخاء ومن ثم فإن المهمة العبادية التي أوكلها تعالى الى العبد تتطلب منه أن يمارسها دوماً وأن يتصاعد بها الى النحو المطلوب.