السيدة الزهراء سلام الله عليها أصبحت الأنموذج والقدوة التي تحتذي بها وتتماهى معها أمهات وزوجات شهداء طريق القدس.
لم تكن السيدة زينب (س) قد شدّت رحالها مع أخيها سيد الشهداء (ع) لمجرد البقاء مع الأسرة ورعايتها، أو فقط من منطلق عاطفي، بل إن وجودها في واقعة الطف كان لأهداف رسالية عقائدية ايمانية إعلامية تتعلق بإظهار كلمة الحق، وإبراز ما حصل من حقائق ووقائع ولدحض الأباطيل والأكاذيب التي روج لها بنو أمية.
فكانت السيدة زينب سلام الله عليها الإعلامية الآولى الصابرة المحتسبة الخطيبة البليغة أمام أعتى طغاة الأرض يزيد، وقد كان لهذه الخطبة في محضر يزيد الاثر الكبير الذي جعل المعمورة كلها ترج بها حتى يومنا هذا: "كد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا... ".
وبالفعل قرن بعد قرن وعقد بعد عقد وسنة بعد سنة ويوم تلو يوم لا زالت أحداث كربلاء تتبلور وتترسخ في الوجدان وفي العقول وفي القلوب، رغم كل محاولات ضربها والسعي إلى محيها من ذاكرة الاجيال، إلا انها بقيت المنارة التي يهتدي بها كل شريف وحر من مختلف أصقاع العالم وعلى اختلاف مشاربهم، للوصول إلى طريق الهداية والحرية والكرامة.
انطلاقًا من هذا أضحت السيدة زينب (س) بما تملكه من مقومات وخصائص ومزايا فريدة استثنائية كأمها سيدة نساء العالمين السيدة الزهراء سلام الله عليها الأنموذج والقدوة التي تحتذي بها وتتماهى معها كل سيدة وكل فتاة، فها هن أمهات الشهداء في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفي لبنان واليمن والعراق وفلسطين المحتلة يواسين السيدة زينب (س) والزهراء روحي فداها بتقديم أبناءهن شهداء من أجل القدس، ومن أجل الدفاع عن عزة وكرامة الأمة متآسيات بعطائهن اللامحدود، فالسيدة زينب (س) قدمت إخوتها وأولادها وأولاد إخوتها لإعلاء راية الإسلام وصونها من التحريف والتغيير.
هن زينبيات العصر اللواتي اتخذن من سيرة السيدة زينب (س) دروسا في الصبر والتضحية والقوة، هن من يعملن على تطوير ذواتهن فكرا وعلما ومعرفة وثقافة وخُلقا ودينا، ممن يؤدين دور الأم بمعناها الرعائي والتربوي والإرشادي والتوعوي، والزوجة بمعناها المخلصة والشريكة والسند الداعم لزوجها، والأنثى الفعالة المؤثرة في المجتمع عبر السعي لمواجهة كل التحديات والمغريات والعواصف الهوجاء التي تضرب منظومتنا القيمية، والتي تعمل على ضرب أخلاقنا وهويتنا لفرض هوية جديدة هجينة، بعيدة كل البعد عن قيم ديننا الحنيف، وعن انسانيتنا.
زينبيات العصر هن تلك النسوة والفتيات اللواتي تخصصن أوقاتًا ومساحات في حياتهم للتنوير وللإصلاح الثقافي والاجتماعي، أولئك اللواتي تربين أولادهن على حب الشهادة من أجل صناعة النصر، وعدم الخضوع لأية طاغية أو مستكبر او ظالم، فها هي أم الشهيد عندما تبلغ بشهادة ابنها العبارة الأولى التي تذكرها: " لله الحمد واسيت الزهراء وزينب عليهما السلام".
ونرى تلك الأم العظيمة التي استشهد ابنها فأبت إلا أن تحمل نعشه فوق أكتافها وهي تردد: "الموت لامريكا، الموت لإسرائيل" رغم ألم الفقد إلا أنها اقتدت بالسيدة زينب (س) عندما حولت ما حصل في كربلاء إلى انتصار حاسم دائم.
فها هن زينبيات العصر يتحركن ضمن حركة إنسانية دينية عظيمة وبكل مسؤولية، وهذا ما ذكره سماحة الإمام السيد القائد الخامنئي دام ظله إنه في مثل هكذا ظرف يبرز:
"جوهر المرأة المؤمنة حيث تُظهر نفسها في مثل هذه الظروف الصعبة".
وفي هذا يقول أيضا: "إن بقاء دين الإسلام وبقاء سبيل الله وبقاء السير في هذا السبيل من قبل عباد الله يعتمد كله على العمل الذي قام به الإمام الحسين عليه السلام، وما قامت به السيدة زينب عليها السلام".
إذا زينبيات العصر هن فعلا صانعات النصر.