هذه المرتبة العليا عند الله، لا يمنحها إلَّا لمن تكون حركته في كلِّ الأمور في خطِّ النَّصيحة لخلق الله تعالى، بحيث يدرس كلَّ أوضاعهم، ويلاحق كلَّ حالاتهم، وكلَّ ما يمكن أن يرتفع بهم إلى الدَّرجات العليا في دينهم ودنياهم.
وعن النبيّ (ص): "من يضمن لي خمساً أضمن له الجنَّة: النَّصيحة لله عزَّ وجلَّ - وذلك بأن يخلص لله في كلِّ مسؤوليَّاته أمامه - والنَّصيحة لرسوله - في السَّير على سنّته والاقتداء بسيرته والدَّعوة إلى رسالته - والنَّصيحة لكتاب الله - بالعمل بكتاب الله - والنَّصيحة لدين الله - بحيث يتحمَّل الإنسان الذي يعيش رساليَّة الدين، مسؤوليَّته في خطّ الدَّعوة إلى الله، ومسؤوليَّة تعليم النَّاس والسَّير بهم في الخطِّ المستقيم - والنَّصيحة لجماعة المسلمين" ، بحيث يعيش الاهتمام بأمورهم ويواجه واقعهم بمسؤوليَّة.
ونقرأ في حديث الإمام الصَّادق (ع): "يجبُ للمؤمنِ على المؤمنِ - كتكليف شرعيّ ملزم - النَّصيحة له في المشهد والمغيب" .
وعنه (ع): "عليكم بالنّصح لله في خلقه - لأنَّك إذا نصحت خلق الله وعباده، فقد نصحت لله، لأنَّ الله يريد لك أن تكون النَّاصح لعباده، بما يقرّبهم إليه ويرفع مستواهم عنده، وبما يحقِّق لهم النَّتائج الكبرى في سلامة المصير - فلن تلقاه بعمل أفضل منه" ، فإنَّ النّصح لله في خلقه، هو العمل الأفضل الَّذي لا عمل فوقه في حركة الإنسان في الواقع.
وعن النبيّ (ص): "أنسك النَّاس نسكاً، أنصحهم جيباً - بأن يكون صدره مفتوحاً بالنَّصيحة للمسلمين - وأسلمهم قلباً لجميع المسلمين" ، فلا يحمل في قلبه أيَّ حقد عليهم في أيِّ أمرٍ من الأمور.
وقد كان الإمام عليّ (ع) يخاطب المسلمين في خلافته، فيؤكِّد لهم ما هو حقُّ الإمام على الأمَّة، وما هو حقّ الأمَّة على الإمام: "أيُّها النَّاسُ، إنَّ لي عليكم حقّاً ولكم عليّ حقّ، فأمَّا حقّكم عليَّ فالنَّصيحة لكم... - أن أنصح لكم وأرشدكم وأنفتح على كلِّ قضاياكم، بما يمكن أن يحقِّق لكم الخير والسَّعادة والسَّلامة - وأمَّا حقّي عليكم، فالوفاء بالبيعة والنَّصيحة في المشهد والمغيب" .
ونقرأ في كلمته (ع) وهو يتحدَّث عن الصالحين من أصحابه: "أنتم الأنصار على الحقّ، والإخوان في الدِّين، فأعينوني بمناصحة جليّة لا غشّ فيها" .
ويقول (ع) وهو يوجِّه النَّاس إلى الارتباط بالقرآن، والانفتاح على آياته واتّباع كلّ تعاليمه: "اتَّعظوا بمواعظ الله، واقبلوا نصيحة الله، واعلموا أنَّ هذا القرآن هو النَّاصح الَّذي لا يغشّ، فاستنصحوه على أنفسكم، واتَّهموا عليه آراءكم، واستغشوا فيه أهواءكم".
إنَّ كلَّ هذه الكلمات الواردة في الكتاب والسنّة، تريد من مجتمعنا أن يكون مجتمعاً يعيش المسؤوليَّة تجاه كلِّ أفراد المجتمع، بحيث يعمل كلّ إنسان على تحريك فكره ليدرس ما يحتاجه المسلمون، ممّا يمكن أن يحقِّق لهم الخير والقوَّة والسَّلامة، ولا سيَّما في المواقع الَّتي يواجهون فيها التحدّيات الكبرى من قبل المستكبرين الّذين يكيدون لهم، ويعملون على مصادرة كلِّ واقعهم.
وإنَّ القضية أنّ كلَّ واحد من المسلمين مسؤول عن كلّ المسلمين: "كلّكم راع، وكلّ راع مسؤول عن رعيَّته" .
وإنَّ الأمة الإسلاميَّة تمثّل وحدة في المصير والمسير، وعلينا أن نرتفع إلى مستوى هذه الوحدة لنعيش همّ المسلمين، لنؤكِّد القوَّة في كلِّ واقعهم.
السيد محمد حسين فضل الله