البث المباشر

أقرب الخلق إلى الله يوم القيامة

السبت 29 أكتوبر 2022 - 18:03 بتوقيت طهران
أقرب الخلق إلى الله يوم القيامة

يقول الإمام الصَّادق (ع): "ثلاثة هم أقرب الخلق إلى الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب".

ومَن منّا ـــ أيّها الأحبّة ـــ لا يحبّ أن يكون أقرب الخلق إلى الله؟! ونحن دائماً نصلّي ونقول: قربة إلى الله، نصوم قربة إلى الله، ونحجّ قربة إلى الله، فنحن نعيش هذه التربية الروحيَّة في نيّة العبادة بأن نتقرّب بها إلى الله ليقرِّبنا الله تعالى إليه، وهذه الخصال الثلاث لا تقرّبنا إلى الله فحسب، بل تجعلنا أقرب الخلق إليه.

"رجلٌ لم تدعُه قدرتُهُ في حالِ غضبِهِ إلى أن يحيفَ على من تحتَ يدِيهِ"، فأنت تملك القوَّة في بيتك، وزوجتك تحت يدك، حسب ميزان القوى بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا، وقد تغضب عليها، أو قد تأتي غاضباً من الناس وتدخل بيتك، فتحاول أن تفجّر غضبك على من تحت يدك، أي على زوجتك وأولادك وعلى الضِّعاف من جيرانك، أو أن تكون صاحب سلطة وتحاول أن تفجِّر غضبك على مَن هم تحت سلطتك، أو صاحب عمل أو تجارة وتحاول أن تستغلّ قدرتك على العمَّال الذين تحت يدك، أو الموظَّفين الذين تحت يدك، لتتعسَّف في التعامل معهم وتحاول أن تثور عليهم، فإذا استطعت أن تمسك نفسك، فتذكَّر ربَّك عند غضبك، وتذكَّر حقَّ الناس عليك في أن لا تجور عليهم، حتى لو كانوا في موقع الضعف وأنتَ في موقع القوّة، عند ذلك، تكون من أقرب الناس إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن دون ذلك خرط القتاد { كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى }[العلق: 6- 7].

"ورجلٌ مشى بين اثنين" مصلحاً أو حاكماً، "فلمْ يملْ مع أحدِهما على الآخرِ بشعيرة"، حتّى لو كان أحدهما قريباً إليك والآخر عدوّاً لك { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى }[الأنعام: 152]، { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى }[المائدة: 8].

والثَّالث: "ورجلٌ قالَ الحقَّ فيما له وعليه" ، فإذا كان الحقّ لك فقله، لا من موقع أنّه لك، ولكن من موقع أنّه الحقّ، وإذا كان الحقُّ لغيرك فقله، لتكون لك شجاعة إيمانك في الاعتراف بحقِّ غيرك. والإيمان ـــ أيّها الأحبّة ـــ هو بطولة وشجاعة، عندما تستطيع أن تجاهد نفسك لحساب ربّك، وذلك هو الجهاد الأكبر، { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }[المطففين: 26].

أيّها الأحبَّة: علينا أن نربّي عقولنا وقلوبنا ومشاعرنا وأحاسيسنا وجوارحنا على المعاني الإنسانية التي تحمي إنسانيّتنا، وتجعل الحياة عندنا جنّة مصغّرة على الأرض، فإنَّ أهل الجنّة هم الذين يعيشون الصفاء والتصافي { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ }[الحجر: 47]، فلا يحقد أحدهم على الآخر، بل ينفتح بعضهم على بعض.

فلماذا لا نجرِّب أن نجعل بعض مجتمعاتنا وبعض أرضنا جنَّة ولو بنسبة 1%، لأنّنا كما نتدرَّب على الهندسة ونتدرَّب على التجارة ونتدرَّب على الحرب، لنتدرَّب أيضاً على العيش في الجنَّة! أمَّا عندما نموت وقلوبنا مملوءة بالحقد، وعندما نلاقي الله وكلّ حياتنا تتحرَّك في الظّلم، فكيف يمكن لنا أن ندخل الجنَّة؟!.

فرِّغ قلبك من كلِّ حقد، فرِّغ حياتك من كلِّ ظلم، فرِّغ نفسك من كلِّ ما يسيء إلى عباد الله، عند ذلك تكون من أهل الجنَّة، بحيث تعيش في الدنيا السَّعادة الروحيَّة التي يعيشها أهل الجنَّة، ولكن في جنَّة الدنيا قبل جنَّة الآخرة.

 

* من كتاب "النَّدوة"، ج 3.

السيد محمد حسين فضل الله

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة