يوم الخميس الماضي هدد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إيران بما أسماه "عزلة" دولية جديدة، ردا على أنشطتها النووية اثر التوتر الصاعد بين ايران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي تاريخ 3 مايو ايضا قال بلينكن، إن واشنطن لن تمنع صفقة نووية بقيمة 10 مليارات دولار بين روسيا وإيران، وسيتم استثناؤها من أي عقوبات تتعلق بحرب أوكرانيا في حال تم الرجوع الى الاتفاق النووي.
وفي الحقيقة حينما يتحدث بلينكن الان عن فرض عزلة على ايران بل عزلة متزايدة، فان الكلام فيه مسحة من الفكاهة، من حيث لايدري هذا الوزير الذي يعيش في بلد يحب مسؤولوه تكرار وصفه بأنه اعظم أمة في التاريخ !!
يذكرني ما يقوله بلينكن عن فرض العزلة على ايران بطرفة حدثت بين مسؤولين اوروبيين حينما تم ربط جزيرة بريطانيا برا بالقارة الاوروبية عبر نفق المانش المحفور تحت البحر في التسعينيات، فاثناء حفل التدشين والافتتاح سأل أحد المراسلين مسؤولا بريطانيا عن شعوره وتعليقه على افتتاح النفق وقال حينها مازحا "أعتقد ان القارة الاوروبية الآن قد خرجت وتخلصت من العزلة".
ومن حيث لايدري يكرر وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن الان فكاهة ذلك المسؤول البريطاني، وربما يعتقد بأنه أدلى بتصريح وتهديد خطير ومدروس وموزون، لكنه ينسى أو يتناسى بان مقولة فرض العزلة على ايران كان يستخدمها أسلافه قبل عقود وقد أكل الدهر عليها وشرب.
ايران اليوم محطة بل مكان لتقاطع الزيارات وليس الزيارت فقط، ومن ينظر الى جدول زيارات كبار الزعماء والرؤساء والوزراء والمسؤولين الاجانب الى ايران الى جانب جدول زيارات الرئيس الايراني ووزير الخارجية والوزراء الايرانيين الى الخارج يستخلص بأن مسؤولي وزارة الخارجية الايرانية يجدون بالتأكيد صعوبة في ترتيب مواعيد وبروتوكولات هذه الزيارة من حيث عدم تداخلها مع بعضها البعض نظرا لكثرتها وأهميتها واهمية تحديد تواقيتها بدقة.
واذا كنا نريد فقط ذكر بعض الزيارات التي يقوم بها المسؤولون الاجانب الى ايران وزيارات المسؤولين الايرانيين الى الخارج فقط خلال الفترة القصيرة التي استلمت فيها الحكومة الايرانية الجديدة لمهامها فينبغي اعداد قائمة طويلة وعريضة، علما ان هذه الزيارات جرت بمعظمها في زمن جائحة كورونا.
ان زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى طهران وزيارة أمير قطر وزيارة الرئيس الطاجيكي وزيارة الرئيس الفنزويلي وزيارة الرئيس الايراني آية الله السيد ابراهيم رئيسي الى روسيا وعمان وقطر كلها حدثت خلال الشهرين الاخيرين وزيارات وزراء خارجية هذه الدول وغيرها الى ايران وزيارة نائب رئيس الوزراء الروسي لطهران على رأس وفد كبير وتوقيع اتفاقيات شاملة ومتعددة الاوجه خلال هذه الزيارات، وزيارة وزير الدفاع الصيني الى طهران، وزيارة وزير الخارجية الايراني الى بكين، وزيارة نائب وزير الخارجية الايراني الى فنلندا، وزيارة رئيس الوزراء العراقي ووزير الخارجية العراقي الى ايران، والمفاوضات الايرانية السعودية في العراق، والزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الروسي الى طهران، والزيارة المرتقبة للرئيس التركمنستاني ووزير الخارجية الباكستاني الى ايران، وزيارة قائد هيئة الاركان الايراني الى طاجيكستان وافتتاح مصنع لصنع الطائرات المسيرة الايرانية في طشقند، وزيارة وزير الداخلية الايراني الى باكستان وكلام كبار دول منظمة شنغهاي العملاقة لضرورة انضمام ايران بشكل كامل للمنظمة.
بالاضافة الى العديد من الزيارات والاتفاقيات التي لم ناتي على ذكرها ومعظمها حدثت خلال الشهرين الاخيرين، تضاف الى زيارة مسؤولين في الاتحاد الاوروبي الى طهران وحديثهم عن حاجتهم الملحة للنفط والغاز الايراني وضرورة التوصل لحل مع ايران حول العودة للاتفاق النووي، ناهيك عن عدة محاولات اميركية لفتح قناة اتصال مباشر مع ايران والتقدم بطلبات لعقد اجتماعات مباشرة مع الايرانيين أشار اليها حتى وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبداللهيان، تظهر كلها بأن هناك اقبال بل تهافت دولي للتواصل مع ايران التي اصبحت بالمناسبة ممرا اقتصاديا حيويا للعالم وليس للمنطقة فقط بعد قطع الطرق بين اوروبا وشرق الكرة الارضية بسبب الازمة الاوكرانية التي ستطول لسنوات كما يقول الغربيون بانفسهم.
اما روسيا فقد وقعت عقودا مع ايران لتوسيع وتطوير المفاعلات النووية من دون انتظار الأذن الاميركي بل ربما على عناد واشنطن ايضا.
ايران اليوم حلقة وصل في العلاقات الدولية ووزير الخارجية الاميركي بلينكن مازال يتحدث بلغة الماضي وبعقدة الماضي وأمجاد عفا عليها الزمن، فالحظر الاميركي الاحادي يتبدد باعتراف الاميركيين انفسهم بفشلهم المشين في الضغوط القصوى.
تقول قناة سي ان ان الاميركية في أحدث تقاريرها بشأن ايران ان الادارة الاميركية الحالية قد استنفدت جميع خياراتها تجاه ايران بعدما اختارت استكمال طريق الادارة السابقة بدلا عن تغييره، وعلى وزير الخارجية الاميركي بلينكن الذي مازال يسير في الأزمان الغابرة ان يزيل الغشاوة عن بصره.