ويتجلى ذلك من خلال الزيارات المتكررة للعديد من المسؤولين الإيرانيين، وخاصةً حسين أمير عبد اللهيان، رئيس الجهاز الدبلوماسي الإيراني، في المجال الجيوسياسي لمحور المقاومة في العام الماضي.
وباتباع هذا النهج، بدأ وزير الخارجية الإيراني مرةً أخرى جولةً إقليميةً إلى لبنان وسوريا، يمكن أن تحمل من حيث التوقيت أهدافاً مهمةً للغاية.
تقوية حزام المقاومة الأمني على أساس استراتيجية الدفاع الهجومي الجديدة
إن مواجهة التدخلات الغربية وفي نفس الوقت اعتداءات الكيان الصهيوني كوجود غير شرعي صنعه الغرب وزرعه في جغرافية العالم الإسلامي ومنطقة غرب آسيا، وفي المقابل دعم القضية الفلسطينية وتطلعات الشعب الفلسطيني للتحرير، هو القاسم المشترك للدول والحركات الداعمة لخطاب المقاومة في المنطقة.
في غضون ذلك، لطالما كان السعي لزيادة قوة محور المقاومة في المنطقة، يحتل الموقع المحوري في الاستراتيجية الدفاعية والأمنية للجمهورية الإسلامية.
وخلال السنوات التي أعقبت تشكيل موجة الثورات العربية، وجهود المحور الغربي - العربي - العبري لانتقال الأزمة إلى دول محور المقاومة مثل زعزعة استقرار سوريا والعراق ولبنان، استطاع محور المقاومة عبر إحباط مؤامرات أعدائه، تحويل هذه التهديدات إلي فرص من خلال تعزيز الحزام الأمني ضد الكيان الصهيوني.
خلال هذه السنوات، تبنت طهران استراتيجية الصبر الاستراتيجي في مواجهة المغامرات الصهيونية في سوريا ولبنان، وركزت على تحقيق الأهداف الرئيسية للحضور الاستشاري في سوريا، مثل محاربة الإرهاب التكفيري، وترسيخ الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، وتعزيز المقاومة اللبنانية والفلسطينية عسكرياً.
ومع ذلك، الآن وبعد أن انتقلت الجمهورية الإسلامية من نقطة الهدف، وعقب الرد الصاروخي على قاعدة الموساد المهمة في كردستان العراق، أظهرت أنها تخلت عن استراتيجية الصبر الاستراتيجي في مواجهة تصرفات الكيان الصهيوني، ووضعت على جدول الأعمال استراتيجية المقاومة النشطة أو الدفاع الهجومي، والتي بموجبها تتم مواجهة مصدر التهديد قبل القيام بعمله التهديدي.
ومن المؤكد أن اتباع هذه الاستراتيجية بالتنسيق مع الشركاء الإقليميين، هو أحد أهداف زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بلاد الشام بالقرب من حدود الأراضي المحتلة.
كما أن معالجة نقاط الضعف التي يستخدمها الصهاينة للاعتداء علي الأجواء السورية واللبنانية وتعزيز سبل مواجهة الهجمات الصهيونية، من القضايا المهمة في هذا المجال. ولا شك أن إيران ستواصل في العهد الجديد الرد المفاجئ والحازم على مغامرات الكيان الصهيوني، من أقرب منطقة إلى الأراضي المحتلة كرد أولي.
التكيف مع ديناميكيات النظام الإقليمي
في السنوات الأخيرة، تسارع اتجاه التطورات الدولية، وفي الوقت نفسه، تنتقل هندسة القوة والأنظمة الأمنية والسياسية لغرب آسيا إلى نظام جديد. وقد دفعت هذه الحقيقة القوى الإقليمية والدولية إلى التكيف مع هذا الوضع الانتقالي، والتأثير على مساره.
بدء الانسحاب الأمريكي من المنطقة، وفي نفس الوقت المساعي الأمريكية لبناء تحالف عربي-عبري على أساس اتفاق التطبيع ضد محور المقاومة، وتراجع القوة الأمريكية وأزمة العلاقات بين الدول العربية وواشنطن، واتجاه الدول العربية إلى إعادة بناء العلاقات مع سوريا وزيادة إمكانية عودة دمشق إلى الجامعة العربية، وخلق الأزمات الاقتصادية في لبنان، ومحادثات خفض التصعيد بين إيران والسعودية وغيرها، ليست سوى جزء من هذه المرحلة الانتقالية.
وفي هذا الصدد، قال أمير عبد اللهيان للصحفيين في لبنان، في إشارة إلى زيارته للبنان قبل أشهر قليلة: "منذ زيارتي الأخيرة إلى بيروت حتى اليوم، طرأت تغييرات كثيرة على الساحتين الإقليمية والدولية. ومن الضروري إجراء مشاورات أكثر تفصيلاً مع السلطات اللبنانية، بالنظر إلي الجهود المبذولة من قبل جمهورية إيران الإسلامية ولبنان".
لبنان دولة مهمة للغاية في العالم العربي ومنطقة غرب آسيا، وهي مكان وجود وتنافس القوى الإقليمية والدولية. كما أنه علي أعتاب انتخابات برلمانية مهمة في الأسابيع المقبلة، ولا شك أن التدخل الأجنبي ضد حزب الله يسعى للتأثير على التطورات في هذا البلد.
وتشكل الأزمة الاقتصادية المدخل لهذه الدول للتدخل في هذا البلد، بهدف إضعاف حزب الله وقاعدته الشعبية من خلال تأجيج هذه الأزمة. من جهة أخرى، تحاول الولايات المتحدة تقليص نفوذ إيران وحزب الله في لبنان، بجعل هذا البلد يعتمد على مصر والكيان الصهيوني في مجال الطاقة.
ولذلك، فإن جزءًا مهمًا من أهداف زيارة أمير عبد اللهيان إلى لبنان، هو الإعلان عن دعم تحسين الوضع الاقتصادي في لبنان واستعداد طهران للمساعدة في هذه العملية.
وفي هذا الصدد، قال أمير عبد اللهيان في مؤتمر صحفي: "في اجتماع عقدته قبل شهر في ميونيخ مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب مقاني، أعلنت له استعداد جمهورية إيران الإسلامية لإنشاء محطتين لتوليد الطاقة بقدرة 1000 ميغاواط في لبنان، وتطوير التعاون التجاري والاقتصادي بشكل كامل. واليوم أيضًا أحمل الرسائل الحارة لشعب إيران العزيز إلى كل أبناء لبنان الأعزاء".
وهكذا، بينما يقال إن الولايات المتحدة تبذل محاولات مذبوحة للحد من نفوذ إيران الإقليمي خلال محادثات إحياء الاتفاق النووي، فإن الهجوم الصاروخي على مقر الموساد بالقرب من القنصلية الأمريكية في شمال العراق، وجولة أمير عبد اللهيان الإقليمية إلى سوريا ولبنان حاملاً رسالة توسيع العلاقات، هو رد إيران العملي على إجراءات واشنطن.