وتُعد إيران من أوائل الدول التي دخلها فيروس كورونا عبر المسافرين. وفي الوقت نفسه فقد كانت إيران تحت أشد العقوبات غير المسبوقة التي فرضتها عليها الحكومة الأمريكية وشركاؤها الغربيون، حيث أنهم وعلى الرغم من الاتفاق النووي مع إيران وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231 (2015) فكان يجب أن ينهوا عقوباتهم المفروضة على إيران، ولكنهم استمروا في تلك العقوبات غير الإنسانية المفروضة على الشعب الإيراني، لذا وعلى الرغم من دخول فيروس كورونا لإيران وإصابة الكثيرين به، إلا أن النظرة السياسية لأمريكا وأوروبا وبعض حلفائهم على الصعيد الدولي قد تغلبت على النظرة الإنسانية، فقد كانوا يعلنون سعادتهم بسبب تفشي فيروس كورونا في إيران والأضرار التي نتجت عنه.
كانت أمريكا وحلفاؤها يقولون صراحة أن كورونا سوف يُتمم ما لم تستطع العقوبات وسياسة الضغط القصوى ضد إيران إتمامه ، ومن أجل ذلك وبدلًا من تقديم المساعدات، فقد منعوا إرسال الدواء والمُعدات الطبية اللازمة إلى إيران، بل لم يسمحوا حتى بتصدير الكمامات الطبية.
في تلك الفترة كان لإيران مليارات الدولارات من أموال النفط لدى مختلف الدول مثل كوريا الجنوبية واليابان والهند وغيرها، ولكن أمريكا وأوروبا منعتا خروج الأموال الإيرانية المُجمدة من أجل شراء الدواء وأدوات الوقاية من الفيروس، وجعلت أمريكا المساعدات الإنسانية المخصصة لمواجهة كورونا لإيران مشروطة بتحقيق مطالبها السلطوية غير المشروعة، وحينها قال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ومسؤولو حكومته أنهم ينتظرون أن تتصل بهم إيران اليوم أو غدًا من أجل عمل مفاوضات ومذكرة تفاهم جديدة (مذكرة استسلام)، وفي الوقت نفسه كانوا يهددون إيران يوميًا بالهجوم العسكري، وخيروا الشعب الإيراني وحكومته بين هذين الخيارين وهما إما الاستسلام أو الموت التدريجي!
لم تترك أمريكا تقريبًا أي عقوبة إلا ووقعتها على إيران، ولو كان بمقدورها لكانت قد منعت الأوكسجين عن الشعب الإيراني أيضًا! بعد ذلك بفترة قصيرة وفي الوقت التي كانت فيه أبحاث العلماء الإيرانيين لإنتاج لقاح كورونا في طور الاكتمال، قامت الأيادي المرتبطة بالولايات المتحدة والكيان الصهيوني باغتيال الدكتور فخري زاده وهو العالم الإيراني الكبير الذي كان يُعد أبرز الباحثين الساعين لإنتاج لقاح كورونا.
وبالطبع قد شهدنا خلال الثمان سنوات من الحرب المفروضة للنظام البعثي العراقي برئاسة صدام حسين ضد إيران اضخم الإمكانات والتجهيزات والمعدات والأسلحة المتطورة للغاية بالإضافة إلى المساعدات المالية الضخمة التي وفرتها كل من أمريكا وأوروبا وحلفاؤهما لنظام صدام، لكنهم حينها لم يسمحوا لإيران ولو باستيراد الأسلاك الشائكة.
يقترب الشتاء القارس والبارد من نهايته وسيبقى العار والسمعة السيئة لمقاطعي الأمة الإيرانية، وأظهرت كل من أمريكا وأوروبا أنهما لا تعرفان عن حقوق الإنسان والأخلاق الإنسانية سوى الشعارات، وأنهما تستخدمان حقوق الإنسان كأداة للضغط على الآخرين حتى يستسلموا.
بعد عام وبضعة أشهر من ظهور وانتشار كورونا في العالم، أظهرت إيران مرة أخرى اقتدارها الوطني وقوتها للعالم، الآن إيران وبالارتكاز على الإيمان والثقة في الله تعالى وبجهود وحماس شعبها وشبابها أصبحت تصنع وتصدر المعدات والمستلزمات الطبية اللازمة لمكافحة هذا المرض، تنتج إيران الآن جميع أدوية مكافحة المرض التي رفض الغرب تزويد الشعب الإيراني بها.
وفي ظل الضغوطات القصوى التي فرضت وتفرضها أمريكا وحلفاؤها، استمرت إيران في سعيها العلمي الدؤوب والذي لا مثيل له من أجل إنتاج لقاح كورونا، وفي الوقت الحالي قامت إيران بإنتاج وتجربة ثلاثة لقاحات وطنية وأعدتها للاستخدام العام في جميع أنحاء البلاد قريبا، ناهيك عن الأبحاث والإنتاج المشترك للقاح كورونا مع كوبا والتعاون البحثي مع روسيا والصين أيضًا. في الوقت نفسه فقد استوردت إيران بعض اللقاحات الأجنبية من بعض الدول حتى يتم استخدامها من أجل الأفراد الأكثر عرضة للخطر.
خلال زيارته التي قام بها مؤخرًا إلى إيران وصف رئيس المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية طريقة إدارة ومواجهة إيران وسيطرتها على فيروس كورونا بالنموذج الناجح الذي يجب أن تحتذي به دول العالم الأخرى.
وعلى الرغم من ذوي النوايا الخبيثة، إلا أن إيران تفوقت في إدارة أزمة كورونا وعلى الرغم من الضغوطات القصوى ووفقًا لما قاله وزير الصحة الإيراني، قريبًا ستصبح إيران أكبر قطب لإنتاج لقاح كورونا وبقية اللقاحات على مستوى العالم.
استطاعت إيران ايضا أن تعبر من حالة الركود الاقتصادي الناتج عن كورونا وأيضًا من العقوبات الاقتصادية والوصول إلى النمو الاقتصادي الإيجابي. كما قامت إيران بتحييد التهديدات اليومية بالعدوان العسكري الأمريكي في ظل إدارة ترامب من خلال إظهار واثبات قدراتها العسكرية الوطنية يوميا، وأظهرت للولايات المتحدة والكيان الصهيوني بشكل فعال أن عصر "اضرب واهرب" قد انتهى والزمان لا يعود إلى الوراء.
لقد أظهرت إيران باقتدار أن سياسة الضغط الأقصى ليس لها تأثير على سلطة القوة الوطنية الإيرانية. رحل الرئيس الأمريكي المغامر عن البيت الأبيض مُطأطأ الرأس في انتظار مكالمة هاتفية من طهران، وفقد وزير خارجيتها – مايك بومبيو- الداعي للحرب ماء وجهه في صراع المواجهة مع إيران، وأظهر أنه على الرغم من أنه كان رئيسًا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية " سي آي أي "، إلا أنه كان يفتقر المعلومات اللازمة في معرفة إيران.
والآن يعترف الرئيس الأمريكي الجديد ومسئولو حكومته بكل وضوح أن سياسة فرض الحد الأقصى من الضغط على إيران قد فشلت، وفي الوقت الحالي تبذل الحكومة الأمريكية الجديدة قصارى جهدها للدخول في مفاوضات مباشرة وغير مباشرة مع إيران.
في ظل الاقتدار الإيراني الحالي، أصبحت إيران قبلة للدول الكبرى التي تقصدها من أجل عقد المشاركة والتعاون الإستراتيجي. هذا في الوقت الذي لا زالت تتصدر أمريكا في طليعة إحصائيات الضحايا اليومية لكورونا، هذا بالإضافة إلى أن الاقتصاد الأمريكي هو الضحية الكبرى لكورونا، وأصبحت أمريكا أمام عدة تحديات منها ترميم الفجوة الاجتماعية في الداخل الأمريكي، وترميم الفجوات التي حدثت في علاقاتها مع أوروبا، ومواجهة الصين وروسيا وحماية -طفلها المدلل في الشرق الأوسط – الكيان الصهيوني.
فيما يستعد الشعب الإيراني الآن لانتفاضة اقتصادية في العام الهجري الشمسي الجديد (1400 هـ.ش) الذي أسماه قائد الثورة الإسلامية عام "الإنتاج والدعم وإزالة العوائق" لتنمية وتطوير اقتصادها جنبا الي جنب قوتها العسكرية والعلمية والطبية وغيرها.
تتوكل إيران على الله وعلى آلاف السنين من التاريخ والحضارة الإيرانية والهمة العالية لأبنائها وإبداع وغيرة شبابها من أجل التقدم نحو المستقبل.
من الأفضل أن تستسلم الحكومة الأمريكية الجديدة وشركاؤها الأوروبيون للحقيقة الواضحة وأن يغيروا سلوكهم الخاطئ مع إيران ويبدأوا في تصحيح جزء من الأخطاء والجرائم التي ارتكبوها في حق الشعب الإيراني.
الوقت ليس في صالحهم، لأنه كما صرح قائد الثورة الإسلامية في خطبته بمناسبة عيد النوروز: "لقد تغيرت الظروف عن عام 2015م (عام توقيع الاتفاق النووي)، ولكن هذا التغيير كان في صالح إيران وليس أمريكا".
"وَمَكرُوا وَمَكرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكرِينَ" و "إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكمْ"
ناصر كنعاني رئيس مكتب رعاية المصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مصر