كان العام 2014 عاماً أسود للمنطقة ففيه تمكن تنظيم ما يعرف بـ"داعش" في ظل لا مبالاة التحالف العسكري بقيادة اميركا ومواكبة بعض عناصر حزب البعث العراقي الفارين، من السيطرة على مدينة الموصل ثاني أكبر مدن العراق ومن ثم سقط العديد من المدن المهمة الأخرى في العراق وسوريا بايديهم. التنظيم الارهابي كان يتقدم خطوة خطوة ويهدد الكثير من المدن بالهلاك والدمار حتى تمكن خلال فترة قصيرة من توسيع نطاق سيطرته ونفوذه حتى الوصول الى الحدود التركية وأصبح محاذياً لحلف الناتو رسمياً.
كانت الجماعات الارهابية والمتطرفة في الأعوام التي سبقت ذلك تحت قيادة قادة ارهابيين معروفين مثل ابو مصعب الزرقاوي تهاجم وتفتك بالشيعة والمسيحيين والعلويين والسنة وسائر الاقليات القومية والذهبية وتعرّض امن المنطقة للخطر وواصلت ممارساتها هذه في ظل عدم اكتراث من قبل القوات الغربية.
وبعد ظهور داعش كان بامكان هذه القوات منعها من التقدم الا انها لم تفعل ذلك مما مهد السبيل امام تحرك قوات هذا التنظيم الارهابي بمئات العربات العسكرية في صفوف طويلة لتدخل الى مدن مهمة مثل الموصل وتكريت.
كان الهدف الاساس لتنظيم داعش هو استهداف جميع الطوائف الدينية والمذهبية ما عدا الوهابية، اذ كانوا يعتبرون الشيعة عدوهم رقم 1 وأعلنوا جهاراً بأنهم سيدمرون مراقد الائمة (ع) ان سيطروا عليها، وقد ترافقت جرائم التنظيم الارهابي في العراق وسوريا بالصمت العالمي الى ان دقت الدول الاوروبية جرس الانذار فقط حينما بدأت بعض جرائمه تمتد إليها.
جرائم هذه الزمرة الارهابية التي ارتكبها في المناطق التي سيطر عليها خلال سنينه العجاف قل نظيرها في التاريخ كتدمير الاماكن المقدسة للشيعة والاماكن التي تحظى بالاحترام لدى السنة وقطع رؤوس الاسرى واحراق اسرى اخرين احياء امام الكاميرات وتدمير الاماكن التاريخية ومنها "تدمر" والالاف من الاثار التاريخية في العراق وسوريا، وقام التنظيم في اعوام تالية بارتكاب الكثير من الاعمال الارهابية الدموية في العديد من دول العالم في مختلف القارات ليدرك العالم اي خطر يواجه الا ان الوقت كان قد اصبح متاخرا.
وكان القائد الشهيد قاسم سليماني والقوات الاستشارية الايرانية قد بداوا انشطتهم الاستخبارية والعملياتية في دول المنطقة منذ امد ضد الجماعات التكفيرية والمتطرفة وكان من الواضح ان تدخل الغرب في المنطقة سيعود بنتائج دموية لها ولحينما لم يهدد داعش الغرب علنيا لم تبادر دول الغرب الى اتخاذ اجراء جاد ضد هذا التنظيم.
وبالمقابل اتخذ القائد سليماني وقادة كابومهدي المهندس برامج وخططا واسعة لمواجهة هذا التنظيم الخطير والرهيب ومن ضمنها تقوية القوات الدفاعية للحكومة القانونية وتقديم التدريبات والاستشارات العسكرية التخصصية والدعم العسكري لهما في الوقت الذي كان الدفاع عن مدن رئيسية كبغداد ودمشق قد اصبح صعبا جدا كما عمل على توظيف جهود مواطني البلدين في هذا الصراع الخطير.
ومن ضمن الاجراءات التي اتخذها القائد سليماني بحكمة وفطنة؛ ارساء التضامن والتلاحم بين مختلف الفئات والقوميات والمذاهب وتشكيل القوات الشعبية ليس من الشيعة فقط بل ايضا من السنة او المسيحيين او غيرهم في البلدين لمكافحة هذا التنظيم المتوحش وغير الملتزم باي قواعد اخلاقية وشرعية وتقديم الاستشارات العسكرية الفاعلة والحيوية للقادة الميدانيين في العمليات المختلفة.
وقد أثبت الشهيد سليماني بحضوره الميداني في الخط الأمامي للحرب ضد داعش بأن قدرات ايران العسكرية هي للحفاظ على أمن المنطقة ويمكن عبر الاعتماد على قدرات وخبرات القوات الايرانية وفي ظل التعاون الاقليمي والدعم من مختلف المجموعات، المشاركة في قتال يمثل الايمان كله في مواجهة الكفر كله.
ولابد من الإشارة الى ان القائد سليماني وبعد ساعات فقط من طلب المسؤولين في منطقة كردستان العراق توجه بطائرة محملة بالأسلحة الى اربيل ومعه العديد من المستشاريين بعد ان تمدد التنظيم الارهابي بعد احتلاله الموصول واصبح يهدد مدن الاقليم، حيث عمل الشهيد على تنظيم الصفوف للتصدي لقوات داعش ووقف هجومه وبالتالي ارغامه على التراجع، علما ان نداءات مسؤولي الاقليم لم تلق اي استجابة لا من اميركا والغرب ولا من اي طرف آخر.
عمليات "عاشوراء" التي ادت الى تحرير منطقة "جرف الصخر" في محافظة بابل كانت احدى العمليات المهمة التي شارك فيها القائد سليماني بصورة مباشرة حيث تمكنت القوات العراقية والحشد الشعبي من تحرير هذه المنطقة الاستراتيجية من يد داعش، وعلى اثر ذلك لقي التنظيم الارهابي الهزائم المتتالية في جميع المواجهات اللاحقة ومنها تحرير مدينة الموصل بعد قتال طويل وتحرير جميع المدن والقرى المحتلة وتطهير المنطقة من دنس وجود عناصر هذا التنظيم، حيث كان للشهيد سليماني الدور المهم في ذلك.
وكانت الدول الغربية وعلى راسها اميركا بعملياتها الجوية المحدودة والانتقائية تقوم بدور هزيل في الحرب ضد داعش علما بان القوات الاميركية كانت تمد العون لهذا التنظيم احيانا وتستهدف بالقصف تعمدا القوات العراقية والسورية المحاربة لداعش بدعوى ان ذلك جاء بالخطأ.
وتاليا انتهت المواجهة العصيبة مع داعش بجهود وتضحيات القوات العسكرية العراقية والسورية الى جانب القوات الايرانية الاستشارية الداعمة لها بمعية سائر المتطوعين والمقاتلين من مختلف انحاء المنطقة ليشهد العالم نهاية دولة التكفيريين المسلحين.
جهود القائد الشهيد سليماني ورفاقه اسهمت في عودة الامن الى المنطقة والعالم ورغم ان داعش مازال يقوم هنا وهناك بعمليات عشوائية متفرقة يستهدف بها امن الشعوب في المنطقة لكنه لم يعد تلك القوة المخيفة المرعبة اذ اقتلع القائد سليماني جذور هذا التنظيم المقيت الذي أطلق عليه حقاً صفة "الشجرة الخبيثة".