مستمعينا الأفاضل، الشيخ المهندس سلمان حدادي هو من مواليد مدينة (سنندج) الإيرانية سنة ۱۹۸۲ ميلادية، درس في المدارس الحديثة وجامعة كرمانشاه في فرع هندسة إستخراج المعادن، كما درس العلوم الدينية في زاهدان وباكستان وتشبع بالأفكار الوهابية، فصار أحد مبلغيها المتعصبين في مدينته واتخذ موقفاً عدائياً للغاية تجاه مختلف المذاهب الإسلامية خاصة مذهب الثقلين وأتباع شيعة أهل البيت عليهم السلام.
وبقي على هذا الحال إلى من الله عزوجل عليه بمعرفة وليه الحسين ومظلوميته وملحمته – عليه السلام – عند حضر مكرهاً في ليلة عاشوراء مجلساً للعزاء الحسيني في مدينة كرمانشاه وإستجابة لإلحاح زميل له في الجامعة أحبه – رغم كونه شيعياً – بسبب حسن أخلاقه.
حضر الأخ سلمان حدادي هذا المجلس بهدف التعرف على أكاذيب الشيعة، ولكن بارقة من المظلومية الحسينية هزت كل وجوده وفجرت دموع عينيه في تلك الليلة فطهرتهما من غشاوة التعصب الوهابي ليبدأ بهما رحلة في التحقيق العلمي درس فيها – بجهد دؤوب – مختلف الأديان والمذاهب، وبعد قرابة الخمسة أعوام أيقن بأصالة التشيع لأهل البيت المحمدي – عليهم السلام – واعتنق التشيع طريقاً يوصله إلى القرب الإلهي.
وبعد أن عرف والده وأقاربه بتشيعه بدأت جهودهم لإرجاعه إلى حالته الأولى خاصة بعد أن علموا أن عدداً من معارفه تشيعوا إثر تشيعه، ولما فشلت جهودهم بالمناظرات وكذلك بترغيب والده له مادياً، بدأت المضايقات والإيذاء ومحاربته في معيشته.
يقول أخونا الشيخ سلمان حدادي في المقابلة التي أجرتها معه الأخت (مهري هدهدي) ونشرتها على موقع (تبيان) على شبكة الإنترنت بتأريخ ۱٤/ ذي الحجة سنة ۱٤۳۳ ؛ يقول ما ترجمته للعربية:
على مدى ستة شهور إستمر والدي وأقاربي في الضغط الإقتصادي والنفسي علي، كانوا يوجهون لي الإهانات وأشكال الأذى لإرجاعي إلى دين الوهابية، ولم يكن لي خيار سوى أن أتحمل كل هذا الأذى، ولكن مع إستمرار هذا الأذى بلغت بي ضغوط الوضع المعاشي الصعب ذروتها، فأخذت بالتفكير في حل، خاصة وقد علمت بأن زوجتي حامل يصعب عليها تحمل شظف العيش وتلك الضغوط النفسية، وكنت قد تعرفت على زوجتي في كردستان، كانت على المذهب السني، ولكن لم تكن متعصبة كالوهابية، ثم تشيعت فيما بعد، وعندما إشتدت بنا الضائقة المالية قلت لها: لا يمكن أن نستمر على هذه الحالة، إنني ذاهب إلى طهران للبحث فيها عن عمل، سأستأجر بيتاً لنا هناك ثم أعود إليك لكي نرحل معاً عن هنا)
مستمعينا الأطائب، وبالفعل أعد الأخ سلمان حدادي عدة السفر إلى طهران، للتمهيد لإنتقاله إليها لكي يخلص زوجته الحامل من تلك الضغوط الشديدة التي كان يعانيها من متعصبي أسرته، ولكن لم يكن يعلم بأن اولئك المتعصبون قد عرفوا بقراره وأعدوا العدة لمنعه من تنفيذه، يقول سماحة الشيخ سلمان متابعاً قصته بما ترجمته؛
في اليوم أردت السفر إلى طهران وعندما خرجت من بيتي شاهدت والدي ومعه أربعة أو خمسة أشخاص عند رأس الزقاق، وكأنهم عرفوا بما عزمت عليه؛ قالت لي زوجتي: إنني آتية معك إلى رأس الزقاق فرفضت وقلت لها: لا، إبقي في البيت، لكنها رفضت وأصرت على مرافقتي، وعندما وصلنا إلى رأس الزقاق إعترض طريقنا أبي ومن كان معه ومنعونا من الذهاب إلى طهران ثم انهالوا علي بالضرب، كان لأحدهم عصاً غليظة ضربني بها على رأسي بقوة فسقطت على الأرض، ولا زلت أعاني من صعوبة النطق بسبب تلك الضربة.. لقد أغمي علي إثر ذلك ولم أعلم ما الذي جرى إلا بعد ثلاثة أيام عندما خرجت من حالة الإغماء لأجد نفسي راقداً في المستشفى)
ولعلها كانت من رحمة الله عزوجل بهذا الشاب أنه لم ير ما جرى في ذلك المشهد بعد سقوطه على الأرض، فقد كان موقفاً صعباً للغاية يجدد في قلوب المؤمنين اللوعة والحرقة لأنهم يذكرهم بأحد أشد المظلوميات التي تعرض لها أهل بيت النبوة – عليهم السلام – إيلاماً للقلوب؛ قال الأخ سلمان حدادي ما ترجمته:
عندما عدت إلى وعيي في المستشفى وسألت عما أجرى وسألت عن زوجتي أخبروني، بأنني أغمي علي بسبب تلك الضربة التي أصابت رأسي، وقد تقدمت زوجتي للدفاع عني ومنعهم من مواصلة ضربي، فرفسها أحد اولئك المهاجمين على بطنها، وبسبب تلك الرفسة أسقطت جنينها الذي لم يتجاوز عمره الأربعة شهور، ثم تدخل الناس واتصلوا بسيارة الإسعاف التي حملتني للمستشفى.. غلت الدماء في عروقي وانهمرت الدموع من عيني وتأججت النار في قلبي وأنا أسمع هذا النبأ، فقد فوراً مظلومية مولاي علي – عليه السلام – وتجسمت أمام عيني مشاهد ما أنزلوه بزوجته الزهراء – عليها السلام – دون أن يقدر على الدفاع عنها عملاً بالوصية.. لا أستطيع أن أتصور صعوبة ما تحمله – عليه السلام – في ذلك الموقف، إنه حقاً أول مظلوم في العالمين.. لم أستطع تصور حالته لكنني شعرت بأن الله قد رحمني إذ أغمي علي ولم أر مشهد رفس زوجتي
...)كان هذا الإمتحان صعباً ولا ريب ولكن روح الإستقامة الحسينية كانت قد نفذت إلى قلب هذا الشاب، ولذلك فإن هذه الجريمة اللئيمة التي ارتكبها اولئك المتعصبون الجفاة لم تستطع أن تخضعه لإرادتهم، أنى وهو يرى أن أئمة المذهب إهتدى إليه، قد ضحوا بالغالي والنفيس من أجل حفظ قيم الدين المحمدي النقي وإيصالها إليه وإلى سائر طلاب الحقيقة.
لقد صبر هذا الشاب على تلك الجريمة ولم يستسلم لطلب أبيه واولئك المتعصبين بالعودة إلى ظلمات التعصب الوهابي، فقرر وزوجته الفرار بدينهم من المستشفى ومن سطوة اولئك الأرحام القساة.
يقول أخونا سماحة الشيخ سلمان حدادي متابعاً نقل حكايته، بما ترجمته:
(قررنا الفرار من المستشفى، وهذا ما نفذناه ليلاً وبصعوبة بالغة، خرجنا من سنندج إلى مدينة ارومية وتوجهت إلى أحد أصدقائي وقصصت عليه ما جرى علينا وبينت له أمر إعتناقنا مذهب التشيع لأهل البيت – عليهم السلام – قلت له: لقد تركت كل ما أملك في سنندج ولجأنا إليك، طلبت منه المعونة على تجاوز هذه المحنة واستئجار بيت لنا، فأبى وقال لي: لو كنت قد ارتكبت ألف جريمة قتل أو أي جناية أخرى لآويتك وساعدتك، ولكنك لأنك صرت شيعياً فإنني لا أستطيع أن أعينك بشيء!!
العجيب أنه اتخذ هذا الموقف رغم أنه لم يكن ملتزماً بالمذهب الذي ينتمي إليه ولا يعرف رموزه ولا يعرف من هو الإمام علي – عليه السلام – ولا من هم أعداءه ولا يعرف الصلاة!! ولكنه قال لي لأنك صرت شيعياً لا أستطيع أن أعينك بشيء!
وبعد سماع كلامه خرجنا من بيته، وللمرة الأولى في عمري نمت على جانب الشارع أنا وزوجتي المريضة التي كانت لا زالت تعاني من آلام تلك الرفسة الوحشية التي أدت إلى إجهاضها وإسقاط جنينها ذي الأربعة أشهر.
وعلى أي حال، لم يكن معي سوى قليل من النقود قررت أن أذهب بها إلى قم، وصلت إلى هذه المدينة المقدسة ولم أكن أعرف فيها أحد ولم يكن لدي مكان نسكن فيه ولا مال أعتاش به، بقينا في جمكران ٤٥ يوماً، ذقنا آلام الجوع وحياة التشرد لكننا كنا نتذكر ما حل بعيال الإمام الحسين – عليه وعليهم السلام – من جوع وتشرد وما تعرضوا له من سلب ونهب، كنا نتذكر ما نزل بهم – عليهم السلام – فيسهل علينا تحمل ما كان نقاسيه من جوع وتشرد..)
أيها الإخوة والأخوات، لقد إستغرقت رحلة سماحة الشيخ سلمان حدادي قرابة خمسة أعوام عرف بعدها الحقيقة وذاق حلاوة إعتناق الإسلام المحمدي النقي، ولذلك واجه صعوبات الإستقامة والثبات عليه مستلهماً روح الصبر عليه من الملحمة الحسينية الزينبية الخالدة، فأراه الله ما يحب بعد حين كما سنرى بإذن الله في الحلقة المقبلة من برنامجكم (بالحسين اهتديت) يأتيكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، إلى حينها نستودعكم الله ودمتم في رعايته سالمين.