خبراء البرنامج: السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتور مسعود فكري الأستاذ الجامعي الايراني من طهران
أعزائي المستمعين الكرام في حلقة اليوم سوف نتحدث لكم عن موضوع حساس نظراً لتبعاته وإنعكاساته النفسية والاجتماعية خاصة على شريحة الشباب، هذا الموضوع يخص حالة الإنتشار الفضيع والسريع للألعاب الكومبيوترية سواء في محال الألعاب أي الكافي نت او في البيوت. الكل يعرف ما لهذه الألعاب من مساوئ تربوية بالدرجة الأولى التي تنعكس بدورها على الحالة الاقتصادية للأسرة ومن ثم على الحالة النفسية للأبناء الذين ينخرطون شيئاً فشيئاً في عالم هذا الساحر العجيب الذي يسلب كل ما يمتلكه الأبناء في زهو أعمارهم وعز ريعان شبابهم وبالتالي وبعد أن يفرطوا بإستخدامه يجدون أنفسهم في آخر المطاف وقد إنتابتهم حالات من الإندماج الذي بسببه يرفضون بعد ذلك أية نصيحة لتبعدهم عنه واللجوء من جديد الى مستقبلهم ودراستهم وماشابه. هذه الحالة ومالها من تداعيات عديدة على أبناءنا إرتئى البرنامج أن يستضيف خبيرين من خبراءنا الكرام للتحدث عن مساوئ ومخاطر إنتشار الألعاب الكومبيوترية وأهم طرق الوقاية والعلاج من هذا الوباء الاجتماعي والثقافي والاقتصادي المخيف. وضيفانا هما فضيلة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتور مسعود فكري الاستاذ الجامعي الايراني من العاصمة طهران ولكن بعد الإستماع الى قصة اليوم.
أهلاً بكم مستمعينا فجأة قفزت سناء من مكانها، تقدمت خطوات سريعة بإتجاه الصالة تبعتها أختها حنان، لحقتها. وبعد أن سمع قصي جنبة وحركة غير طبيعية في الصالة قفز هو الآخر من مكانه وتوجه ايضاً الى الصالة وماهي إلا لحظات حتى صار الأب بين أولاده الذين لم يسمحوا له بالجلوس قليلاً وأخذ قسط من الراحة، حتى قال لهم: صبراً عليّ ياأبنائي، صبراً فأنا متعب وأحتاج ان أرتاح بعض الوقت!
قالت سناء بدلال الفتيات مع آباءهم: الجلوس ممنوع حتى تكمل لنا فرحتنا!
وقالت حنان: لانسمح لك ياأبي أن تنجز لنا هديتك التي جئت بها لنا!
وقال قصي: نعم ياأبي فأنت وعدتنا منذ فترة بشراء جهاز كومبيوتر لممارسة الألعاب الكومبيوتيرية فيه والآن بعد أن اصبح جهاز الكومبيوتر في بيتنا تريدنا أن ننتظر ساعة او ساعتين حتى تأخذ قسطاً من الراحة او ربما قسطاً من النوم؟ ضحك الأب وقال برحابة صدر: حاضر ياابنائي حاضر، سوف أقوم بتشغيل جهاز الكومبيوتر مثلما أرشدني البائع. وسوف تجدون متعة رائعة في ألعابه الجميلة والمسلية.
قال له الأبناء مرة واحدة وبكل فرح: شكراً لك ياأبي، شكراً ياأغلى أب !
وبعد أن إستغرق الأب أكثر من ساعة في تشغيل الجهاز، الضيف القادم الجديد فرح الأبناء كثيراً وراحوا يقبلون أبناءهم ويشكرونه على هديته التي إنتظروها طويلاً. وماهي إلا لحظات حتى جلست سناء وجلس قصي بجانبها وبدءا باللعب، لحظات أخرى حتى إحتجت حنان وقالت: أعتقد أن الوقت المخصص لكما قد إنتهى وقد حان الوقت لكي ألعب أنا.
قال لها قصي: سوف تلعبين وقت ما تشائين، سوف تلعبين كثيراً حتى تشعري بالملل!
قالت حنان: لاتحاول أن تخدعني، إنهض من مكانك أرجوك لأن وقتي قد حان!
ضحك الأب لما سمع ذلك وقال: يا اولادي! ياأولادي لاتتشاجروا منذ الآن، فقد وعدتكم به وها هو اليوم بين أيديكم ولكن حاولوا أن تنسقوا أوقاتكم بشكل أفضل لكي تتمتعوا بالجهاز وألعابه دون تعصب ودون غضب. ولكن مستمعينا بمرور الأيام لم تنفع نصائح الأب مع أبناءه أبداً ولم تنفع نصائح الأم ايضاً في توجيه الأبناء للإهتمام بدراستهم أولاً لهذا فقد إنشغل قصي كما إنشغلت سناء وحنان بالألعاب الكومبيوترية خاصة بعد العودة من المدرسة مباشرة وصارت هذه الألعاب مصدر قلق الأبوين فيما بعد.
وبينما أراد الأبوان الخروج إستعداداً لتلبية الدعوة التي وجهت للعائلة من قبل أحد الأقارب إعتذر الأبناء عن الخروج وقال قصي: أعتذر ياأبي فأنا بإنتظار أحد الأصدقاء لزيارتي وممارسة بعض الألعاب معي.
وقالت سناء: أرجوك ياقصي لماذا يأتي صديقك؟ أطلب منه أن يكمل بسرعة قبل أن تأتي صديقاتي انا ايضاً.
وهنا قالت الأم: بمعنى أنني سوف أذهب مع أبيكم دون أن يرافقنا أحد منكم؟
هذا الكلام لم يحرك مشاعر الأبناء الثلاثة، فنظر الأب الى أبناءه الثلاثة وقال لهم: لقد بدأتم بتضييع الوقت كثيراً مع هذا الجهاز، ما كنت أظن أنكم ستنشغلون به الى هذا الحد، في السابق كنتم تلبون الدعوة معي او مع أمكم، في السابق كنتم تخرجون لشراء بعض الحاجيات لأمكم، أقصد حاجيات البيت واليوم ما عدتم تنفذون ذلك!!
في النهاية خرج الأبوان دون أن يمتلكا حيلة لإجبارهما على مرافقتهما الى الحفل!
بعد أن ذهب الأبوان جلس الأبناء أمام الكومبيوتر لممارسة الألعاب التي وجدوا فيها متعة ما بعدها متعة. وماهي إلا لحظات حتى طرق الأصدقاء الباب، فتح قصي الباب وبدأ الكل يقضي أوقاته مع الألعاب الكومبيوترية لهذا وبعد أن خرج الأبوان عجّ المكان بالضجيج والصخب بسبب أصوات الألعاب التي دخلت حياة هؤلاء الشباب دون إستئذان.
خلال الحفل حاول الأب أن يتصل بالأبناء للإطمئنان عليهم وكلما كان يتصل بهم لاأحد يرد لمَ لا وأن صوت الألعاب الأكترونية كان عالياً ولن يسمح لأحد أن يستمع الى صوت التلفون، حاول مرة، ومرة اخرى ولكن لافائدة فلا أحد يرد!!
أصاب الأب شيء من القلق وهنا قالت الزوجة له: أرجوك أن لاتقلق فالأولاد بخير صدقني إلا أنهم منشغلون باللعب ليس إلا!
ولكن الحقيقة مستمعينا فقد عمت الفوضى البيت فالبعض كان لازال يمارس ألعابه على جهاز الكومبيوتر والبعض الأخر فضّل أن يتابع سباق دريد وقصي فيما بينهما والبعض كان يحاول أن ينتخب الأقراص المدمجة المفضلة لديه. وفجأة ودون سابق إنذار أخذ قصي يرد على صاحبه دريد بلهجة غير مؤدبة أبداً، بالمقابل راح دريد يرد عليه هو الآخر. كلمة منه وكلمة من صديقه، كلمة أخرى هنا وكلمة اخرى هناك وأخيراً أمسك قصي بصديقه ورماه أرضاً. تعالت أصوات الأصدقاء وراح البعض يشجع قصياً والبعض الآخر راح يشجع دريداً، كأن الذي يحصل من شجار بين الصديقين مجرد لعبة مسلية تعود عليها الأصدقاء، لم ينتبه أحد أن يفك الشجار ولا الى محاولة إنهاءه بأي وسيلة وبأية طريقة. شيئاً فشيئاً تمادى دريد على قصي وتمادى قصي على دريد وإنتهى بهما الأمر الى شجار بالأيدي.
الحمد لله دخل الأبوان في تلك اللحظة وقد شاهدا الموقف، تأثرت الأم كثيراً. رفعت يديها الى السماء وقالت: ربي أبعد الشر عن بيتي، لاأريد شجاراً أبداً!
وهنا تدخل الأب وقال لهما: لماذا الشجار؟ هل تلعبون من أجل أن تتشاجروا أم من أجل أن تمرحوا وتلعبوا سوياً؟
قال دريد: لقد خدعني إبنك وحاول أن يفوز عليّ بالغش، أنا لاأبدي له أي عداء ولم أقل له أي كلام غير لائق، هو البادئ، لقد وجه لي كلمات بذيئة وأخيراً رفع يده فضربني!
إستشاط قصي غضباً مرة اخرى وقال لصديقه دريد: الذنب ذنبي أن سمحت لك بدخول البيت وممارسة الألعاب الألكترونية معي بدلاً من ذهابك الى المحال المتخصصة وإنفاقك النقود الكثيرة، لقد وفرت لك الكثير من الراحة!
وبلهجة متعصبة ايضاً قال دريد: سوف أعطيك غداً في المدرسة ثمن الساعات التي قضيتها في إستخدام جهازك!
ضحك عامر وقال: وأي مدرسة؟ هل نسيتم حالكم أم تحاولون أن تتغاضوا عن قول الحقيقة؟
لم يتوان الأب في الإستماع الى تلك الحقيقة التي أخفاها عنه الأولاد فقال لإبنه قصي: قصي، ياقصي أة حقيقة تلك التي يتكلم عنها عامر؟ ممكن اعرف بالضبط ماذا حلّ بكم في المدرسة؟
أراد قصي أن يخفي الحقيقة فحاول أن يتصرف بشيء يشغل به أباه فمد يده الى صديقه ليصافحه، لكن الأب لم ينخدع لذلك أصرّ على معرفة الحقيقة، وبعد إلحاحه قال له صديق إبنه عامر: ياعم أنا أعتذر فلم أكن أعلم أنك تجهل الحقيقة، الحقيقة التي يواجهها إبنك وبقية الأصدقاء الذين باتوا لايعرفون سوى الألعاب الكومبيوترية ..
تعجب الأب مما سمعه وسأل إبنه قصي إن كان الكلام الذي قاله عامر صحيح أم لا؟ وبعد أن تأكد الأب من ذلك نظر الى زوجته وقال: السبب كل السبب يعود الى هذا الجهاز اللعين، هذا الجهاز، الكومبيوتر هو الذي شغل الأولاد بألعابه عن تأدية دروسهم وتأدية واجباتهم. كان عليّ أن لاأشتري هذا الجهاز. ولكن على كل حال سوف آخذه وأبيعه بأي سعر كان!!
بعد أن إستمعنا اعزائي الكرام الى قصة اليوم نتوجه الآن الى فضيلة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة لسؤاله ماهي النظرة الشرعية للدين الاسلامي للوسائل التي توفر متعة للأشخاص اذا كانت على حساب واجباتهم الأخرى؟
الكشميري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله آل الله
من الواضح أن الأديان الإلهية والقاونية الوضعية فرضت على الانسان أن يكون متعادلاً في سلوكياته وأن يخضع الى قانون الفطرة ويخضع الى تعليمات الله سبحانه وتعالى من أجل أن لايضيع ويضيّع غيره. مجالات الإستمتاع في حياتنا الصاخبة اليوم كثيرة ولكن يأتي هذا الانسان احياناً فينظر الى جانب واحد ويغض الطرف عن جوانب اخرى فربما بذلك يرتكب جنحة خطيرة وهو في ظنه أنه يؤدي أمراً طبيعياً. الله سبحانه وتعالى يصف هؤلاء "يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ألا إنهم هم المفسدون ولكن لايشعرون" لذلك الله سبحانه وتعالى زوّد الانسان بالفطرة أولاً الحجة الباطنية الخفية وزوّده بتعليمات، أن لاتنظر الى طرف واحد فتقول إن الاسلام سمح لي أن أستفيد من هذا، يسمح لي أن أستمتع بهذا، يسمح لي ويعطيني الحرية وهذا أمر شخصي. هذا صحيح من جانب ولكن من جانب آخر عليّ أن أحسب الحسابات الدقيقة وأن لاأكون عنصراً بقدر ما اوفر لنفسي الإستمتاع بأضعافه انشر الإيذاء وأنشر المكروه وأنشر الشر على الآخرين. لاأعتقد أن الأرض وأهل الأرض يحتاجون الى محاكم ودوائر شرطة ومراكز تحقيقات وسجون، كل هذا ما كنا لنحتاج اليه لو ٥۰% إستخدمنا المثالية والسلطة العقلية وإبتعدنا عن المؤثرات والنزعات الشخصية. نسأل الله أن يجعلنا متعادلين في سلوكياتنا مع انفسنا ومع الغير إن شاء الله.
سؤالنا الثاني لفضيلة السيد حسن الكشميري مارأي الاسلام بالألعاب الكومبيوترية وما تضمه من ألعاب لاتلقي بمجتمعنا ولابعاداتنا؟
الكشميري: نعم هذا سؤال جوابه خطير بقدر ما نقول إن جوابه سهل. الكثير من القضايا وفرتها لنا الحضارة الجديدة وحسبنا بشكل مستعجل بأنها خدمة للبشر ولكنها عادت لتكون وبالاً على البشر، القضية ليست منحصرة بالألعاب الكومبيوترية ولكن هناك الوات ساب او الوايبر او الأفلام او غيرها او ما تنشر الآن وهي تلهي الأطفال فتكون العائلة مأنوسة بأن الحمد له الأطفال منشغلين بهذه الألعاب لكن هذه الألعاب وغيرها وهي في الواقع مثل السكين. أعتقد وظائف الآباء، المدرسين، المسؤولين، الحكام أن يدرسوا هذه الأمور ويضعوا لها حدوداً ويؤطروها بأطر خاصة بحيث نأخذ منها ماهو الإيجابي لتهذيب أطفالنا وشبابنا وتهذيب أنفسنا إن شاء الله.
والآن نتوجه الى الدكتور مسعود فكري الاستاذ الجامعي الايراني من العاصمة طهران لسؤاله ماهي الأضرار الأخلاقية والنفسية التي تولدها ألعاب الكومبيوتر على اولادنا؟
فكري: طبعاً بما أن هناك انواع مختلفة للألعاب الكومبيوترية والحاسوبية، أن تكون بعضها عبر الشبكة المعلوماتية او الأنترنت والقسم الثاني مايستفاد من هذه الألعاب عبر الأقراص المضغوطة والمدمجة. مع الغض النظر عن بعض المشاكل الجسدية التي يمكن أن تسببها هذه الألعاب بحيث أن المستخدم لهذه الألعاب او الذي يمارس هذه الألعاب لابد أن يبقى فترة طويلة أمام شاشة الكومبيوتر تركيزاً على هذه الألعاب، المشكلة الجسدية بغض النظر عن هذا الجانب هناك مشاكل نفسية التي تؤثر سلباً على مستخدم هذه الألعاب بأن بعض مشاهد العنف وبعض المبادرات وبعض الممارسات التي تسبب أن تحقق لدى المستخدم رصيداً من مواجهة هذه المشاهد بالإستفادة من أسباب العنف والتشدد والإبتعاد عن الجانب الهادئ والجانب النفسي المتين للإنسان لذلك المشاكل الجسدية والمشاكل النفسية والإجتماعية هي التي يمكن أن تتحقق عبر الإستخدام المكثف. طبعاً النقطة الثانية في هذه الألعاب هناك نوعاً من التأثر بالثقافات غير الأهلية يعني مع أن الكثير من هذه الألعاب صيغت وصنعت في مجموعات بعيدة عن المجتمعات الأخرى فهناك طريقة لنقل هذه المعلومات الى مجتمع آخر وهناك تعارض وتناقض وإزدواجية بين تلك الثقافة والثقافة المستوردة.
سؤالنا الثاني للدكتور مسعود فكري ماهي الحلول المقترحة برأيكم للحد من خطر الألعاب الكومبيوترية؟
فكري: أما بالنسبة للحلول المقترحة لمواجهة الأخطار التي تحصل عن طريق إستخدام هذه الألعاب يمكن أن نقول أولاً التخطيط المناسب للهوايات وللبرامج المسلية وخاصة الألعاب على مستوى شرائح العمر المختلفة مثلاً بالنسبة للأطفال وللناشئين وللشباب يمكن أن تخطط خطة لتقديم الفرص للتسلية وللهواية وسد اوقات الفراغ لكن هذه الخطط والمشاريع لابد أن تشتمل على الجانب الثقافي والجانب النفسي والفني يعني ثلاث ميزات رئيسة لابد أن تتوفر في مثل هذه الألعاب، طبعاً لابد أن يكون هناك جانباً فنياً مناسباً ليلفت إنتباه المستخدم او يسبب نوع من العلاقة بينه وبين هذه الألعاب يعني إشتمالها على الجانب التربوي وتكوين الشخصية إضافة الى لفت الإنتباه الى موضوع تلك اللعبة فهذه الميزات اذا توفرت في خطة إستخدام الألعاب نعتبرها حلولاً مناسبة لممارسة مثل هذه اللعاب.
في الختام اعزائي نتوجه بالشكر الجزيل الى ضيفي الحلقة الكريمين كذلك نشكر لكم حسن إستماعكم وإصغاءكم، الى اللقاء.