خبراء البرنامج: سماحة الشيخ ميرزا محمد رمضان الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتورة شيماء عبد العزيزة الأستاذة في علم النفس من العراق
أعزائي المستمعين نلتقيكم كالمعتاد من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع. في حلقة اليوم سوف نتطرق الى موضوع حساس ومهم جداً فهو يتعلق بموضوع تضحية الآباء تجاه الأبناء وتكريس حياتهم في خدمتهم لكن في النهاية لانجد أياً من هؤلاء الأبناء وفياً إزاء ما قدمه الأب او ما قدمته الأم وهذا بطبيعة الحال موضوع يستحق التوقف عنده لإبراز اهم المشاكل والمعوقات الاجتماعية التي تنجم عن هذه الحالة خاصة بعد أن يصل الأبوين الى مرحلة الشيخوخة وهما بحاجة الى معين يعينهما وقلب رحيم يرأف بهما. وكما تقول الآية الكريمة "بسم الله الرحمن الرحيم وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً" صدق الله العلي العظيم. أيها الأفاضل في هذه الحلقة ولأجل توضيح الأمر أكثر وإلقاء الضوء على أهم الحلول المقترحة والمناسبة بل والضرورية للمشكلة سوف نستضيف كلاً من سماحة الشيخ ميرزا محمد رمضان الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتورة شيماء عبد العزيز الأستاذة في علم النفس من العراق فكونوا معنا.
أعزائي الكرام أم حميد امرأة مسنة لأربعة أولاد وبنت، إستطاعت أن توفر لأولادها وبنتها كل وسائل الراحة والأمان طالما كانت هي المسؤول الأول عنهم بعد أن توفي الأب في حادثة منذ عشر سنوات. جاءها في يوم ما إبنها البكر وقال: أمي إن موضوع زواجي ببنت عمي أعتقد أنه سيؤجل بعض الشهور وربما سنة او سنتين.
سألته الأم بتعجب وقالت: ولم التأجيل يابني فخير البر عاجله؟ تشجع ياولدي ولاتسمح للخوف او التردد بأن يدخلا حياتك أبداً.
قال لها الإبن: الموضوع ليس بيدي ياأمي فتكاليف الزواج مرتفعة ويجب أن أوفر ما تطلبه العروس وما باليد حيلة، لذلك فأنا مجبر في هذه الحالة.
تبسمت الأم وقالت: لاتهتم لهذا الأمر ياولدي الحمد لله قد اعطاني الله سبحانه وتعالى القدرة على العمل وقد إدخرت بعض الشيء من الأموال لهكذا ظروف وهكذا أيام. طبعاً لم يخفي الإبن فرحته بهذا الخبر وأقبل على أمه ليقبلها مرات عدة وهو يقول: أمي العزيزة، أنت فعلاً عزيزة. سوف لاأنسى لك هذا الموقف طيلة حياتي، سوف أحملك وأطوف بك العالم لو إقتضى الأمر!
وهكذا أعزائي تمكن الإبن من الزواج بعد أن منحته الأم مبلغاً من المال كان كافياً لسد إحتياجاته قدر الإمكان. مرت السنون وقد تزوج خلالها بقية الأولاد تباعاً وايضاً كانت لهم الأم المعين الذي لاينضب في كل شيء ولم يبق لها سوى إبنتها عفاف التي رفضت الزواج مراراً وتكراراً حتى لاتترك أمها في آخر المطاف وحيدة خصوصاً وقد ألمّ بها مرض منعها من الحركة حتى داخل البيت، ما إضطر عفاف على عدم الزواج خوفاً من أن تترك أمها لوحدها.
ذات يوم وحينما عادت عفاف من عملها وجدت ضيوفاً في البيت مضى على وصولهم بعض الوقت وكانت الأم قد إستقبلتهم رغم صعوبة تحركها. رحبت عفاف بهم وأشارت الى امها بطرف العين فعرفت أنهم يرومون خطبتها لإبنهم سيف. بطبيعة الحال كان الرفض هو عنوان عفاف في البداية كما في كل مرة إلا أن الأم منعت عفاف من الإفصاح برأيها أمام الحاضرين وقالت: أرجوكم أن تسمحوا لي ولإبنتي بالتفكير ملياً بالموضوع حتى أعطيكم الجواب بعد يوم او يومين. وافق الحاضرون على ما قالته الأم وهموا بالإنصراف وسط علامات عدم الرضا التي كانت سائدة على ملامح عفاف بالإضافة الى الإشارات المتبادلة التي كانت تطلق مابين الأم وإبنتها. وبعد رحيلهم اخذت الأم بيد إبنتها ونصحتها للعدول عن رأيها هذه المرة فلايجوز لها البقاء بدون زواج الى الأبد. لكن عفاف اجابتها في المقابل وقالت: ولايجوز ايضاً أن تبقى الأم دون رعاية ودون أن يهتم بها او يسأل عنها أحد الأبناء بعدما بذلت خلال سنوات طويلة جهوداً كثيراً وأحياناً إستثنائية في تربيتهم وتنشأتهم وتوفير كل أسباب الراحة والإستقرار لهم. لكن الأم قالت: يابنيتي غداً سأقوم بالإتصال بعائلة سيف لأعطي لهم موعداً للزيارة بعد أن أعلن لهم عن موافقتك.
نعم أعزائي تزوجت عفاف بناءاً على رغبة الأم وصارت حياتها الجديدة منذ البداية تشكل عبئاً بعض الأحيان على حياة الزوج وعلى حياة عفاف ايضاً والسبب يعود اعزائي الى حاجة الأم الى من يعينها بإستمرار إلا أن الأبناء الأربعة لم يكن من بينهم من يكن جاداً في تقديم العون والمساعدة للأم، الأم التي ضحت من أجلهم طويلاً وكثيراً، ما إضطر عفاف أن تذهب دائماً هي وزوجها مسرعة لأمها لإعانتها والبقاء عندها بعض الوقت عندما كانت تحل ضيفة في بيوت أحد الأبناء بشكل مؤقت حتى تطمئن على صحتها ثم تعود الى بيتها، البيت الذي باتت تتخوف من دخوله خاصة في الأيام الأخيرة بسبب توتر الزوج الذي اخذ يرفض في داخله أن تقوم عفاف بدور الخلف الصالح لوحدها. فهو كزوج كان يرفض كثيراً إنشغال زوجته بأمها إنشغالاً شبه كامل أبعدها في أوقات عديدة عنه حيث بات يشعر بالضجر من إخوة عفاف لعدم مساهمتهم في حل مشاكل الأم او حل معضلتها بعد أن صارت تعيش لوحدها وكانت عفاف تشعر أنها وبسبب عدم إبداء الأخوة أي إهتمام يذكر تجاه الأم كانت تشعر أنها المسؤولة الأولى عن امها أمام الله.
في يوم ما إتصل الإبن الأكبر وقال لأخته: لقد تعبت أمنا مرة في بيتي ومرة في بيت علي ومرة في بيت عباس، فقد باتت تشعر أنها ضيفة ثقيلة فهي وكما تعرفين عزيزة النفس ولاتريد أن تعيش فترة أطول في بيت احد أبناءها لذلك قررت أن تعيش لوحدها في بيت مستقل.
أجابته عفاف قائلة: وماذا تريد مني أن أفعل؟ ألستم أنتم أبناءها؟ الستم أنتم أقوياء وأشداء ترفضون أن تستند الأم الى إبنتها مثلاً؟
قال لها اخوها: مهلاً عليّ ياأختي الكريمة فأمنا تريد أن تعيش في بيت مستقل كما قلت لك، وقد بحثت ووجدت بيتاً لها مناسباً جداً. لكن هناك مشكلة واحدة فقط ألا وهي كيف سنستطيع من توفير المبلغ الكافي لشراء تلك الدار لها؟
أجابته عفاف قائلة: وهل تتوقع أن أدفع أنا النقود كلها لوحدي؟ ألست تمتلك معملاً للأحذية؟ وأخي الآخر يعمل في سوق العطور وأخي الصغير هو مترجم معروف؟ وأخي أبو وئام يمتلك محلاً كبيراً لبيع السجاد؟ فهل من المعقول أن أسدد أنا كل المبلغ وأنتم تقفون تتفرجون، ألا تخجلون؟
لما علمت الأم بما يحصل بين البناء شعرت بالحيف والأسف إزاء ما قدمته لهم طيلة سنوات حياتها عندما كانت بمثابة الأم والأب في آن واحد. إلتفت عفاف الى زوجها لتطلب رأيه في الموضوع إلا أنه رفض الإدلاء برأيه لأنه سبق وأن قال لها: أعتقد أن هناك أربعة أبناء كبار في العمر وليسوا صغاراً وعليهم دون شك القيام بدورهم الواجب عليهم أما اذا كنت تريدين القيام بدورك إتجاه امك لوحدك فهذا الأمر متروك لك.
بقيت عفاف حائرة بين تردد زوجها ورفضه المبطن وبين ضرورة أن تقوم بواجبها تجاه امها على الرغم من أن هناك أربعة أخوة قادرين على العمل وعلى توفير مايجب توفيره لأمهم.
أعزائي المستمعين سوف نتوجه الى ضيف الحلقة الباحث الاسلامي ميرزا محمد رمضان من مدينة قم المقدسة لأجل معرفة رأيه فيما يخص رفض او تردد الزوج بإبداء الزوجة لوحدها المساعدة للأم دون الأخوة وماذا يرى الشرع الاسلامي تجاه هذه القضية؟ فلنستمع معاً.
رمضان: طبعاً من الناحية الشرعية نرى أن الشارع المقدس أعطى الرجل ولاية وصلاحية على المراة أوسع مما اعطاه للأب ولغير الأب. نحن فعلاً لانرى ولاية البنت غير ولاية الأب وولاية الزوج هذا هو الفرض الأولي. بالنسبة للمرأة ينبغي عليها من الناحية الشرعية أن ترضي الزوج بأي طريقة او اخرى أن تقنعه بالتي هي أحسن وتبين له اهمية مساعدة الأم من باب بر الوالدين والى غير ذلك ولكن لو كان الزوج رافضاً هذه الحالة وحالة مساعدة الأم فينبغي للزوجة أن تلتفت الى هذا الأمر أنه لايجوز لها أن تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها فالشارع يشدد على أن المرأة لايجوز لها ونحن في التاريخ نرى أنه في زمن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كانت هناك امرأة ارادت أن تخرج لتشييع او لتمريض والدها وكان زوجها في سفر او في جهاد فبعثت للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم تشاوره وتسأله هل يجوز لي أن أخرج من بيتي لتمريض والدي ووالدي هو مشرف على الممات؟ فالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم نهى هذه المرأة عن الخروج من بيت زوجها من غير إذن زوجها، مع ملاحظة اهمية الخروج الذي كان لهذه البنت وهو أنه ربما يكون من باب الإهتمام بهذا الأب او من باب تمريضه او من باب الإحسان بالوالدين لكننا نرى أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قدم ولاية الزوج وقدم اهمية الزوج حتى على مسئلة إطاعة الوالدين والبر بالوالدين والإحسان بالوالدين.
بعد أن إستمعنا ما قاله سماحة الشيخ ميرزا محمد رمضان من مدينة قم المقدسة نتوجه الآن الى ضيفة الحلقة الدكتورة شيماء عبد العزيزة الأستاذة في علم النفس من العراق لسؤالها عن التداعيات النفسية المحتملة التي تنعكس على الأم وكذلك على الزوج الذي يرفض بشكل او بآخر تقديم زوجته المساعدة للأم دون أن يقدموا على ذلك الأخوة أسوة بأختهم وماذا يمكن أن يكون الحل لذلك؟ فلنستمع معاً
عبد العزيز: في الحقيقة هذا موضوع جداً هام في العلاقات الزوجية داخل الأسرة. عندما يعارض الزوج مساعدة الزوجة لوالدتها فهذا سينعكس على نفسية الزوجة وبالتالي هذا التعامل الذي يدعي احياناً الزوج قطع الرحم والصلة بأم الزوجة ستنعكس سلباً في تعامل الزوجة مع زوجها ونظرتها الى زوجها ستتغير وليست النظرة كما في السابق أنه هو يكون السند والمشجع الى مثل هذه الأعمال في تقوية الروابط والأواصر بين الأسرة. بالتالي عندما يشجع الزوج زوجته على مساعدة أقرب الناس لها وهي الوالدة والأم بالتالي ستنعكس على نفسيتها فتكون علاقة حميمة وتتقرب الزوجة اكثر الى الزوج وتنظر اليه نظرة احترام ونظرة تقدير وبالتالي اذا خطأ الزوج ستكون هذه الممارسات التي يمارسها الزوج مع زوجته وتشجيع الزوج زوجته على صلة الرحم وتقوية الروابط ستجعل الزوجة تمحي السلوكيات السلبية من الزوج وتتغاضى عنها بسلوكيات إيجابية وتغطي السلوكيات السلبية وبالتالي تقوى الروابط داخل الأسرة لكن عندما يعارض الزوج مساعدة الزوجة لأهلها وبالأخص والد ووالدة الزوجة هنا تنعكس على نفسية الزوجة حتى في تعاملها مع أبناءها، تكون أحياناً قاسية في تعاملها وتعكس كل ما يدعو اليه الزوج من عدم مواصلة مع العائلة وتنتقل الى أبناءها وتعاملها مع زوجها وستكون المشاكل قائمة على أبسط وأتفه الأسباب بسبب عدم تشجيع الزوج في مثل هذه الأعمال التي تكون فرضاً على الزوجة أن تساعد امها إن لم نأتي على الناحية الشرعية بأن الشرع وفي كل الأديان أن الزوجة يجب أن تساعد الأم حتى لو كانت داخل عش الزوجية وحتى إن كانت مع زوجها عليها أن لاتنسى من اوصلها الى هذه المرحلة. عندما تصبح هناك معارضة من قبل الزوج من هذه الناحية فأكيد ستكون هناك مشاكل داخل الأسرة وهناك قطع لصلة الرحم وتنهدم العلاقات الأسرية بسبب سوء تصرف الزوج من هذه الناحية.
في ختام حلقة اليوم اعزائي نشكر لكم حسن المتابعة، الى اللقاء.