خبراء البرنامج: الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من السعودية والدكتور علي الحسيني الباحث الاجتماعي من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعزائي في حلقة اليوم ستكون قصتنا عن المرأة الأرملة وما تعانيه في حياتها بعد وفاة زوجها وماهي نظرة المجتمع تجاهها والتي تكون في بعض الأحيان سلبية او تجاوزت الأرملة بعض العادات والتقاليد المتعارف عليها والتي تحرّم بنظر البعض وتمنع بنظر الآخر مزاولتها بعض الأعمال او بعض الحرف متناسياً ذلك البعض أن الأرملة إنما لجأت لذلك ليس إلا لسبب واحد مهم جداً ألا وهو لتوفير لقمة العيش لها ولأولادها ولمواجهة الحياة لكل مافيها من مصاعب او متاعب فهذه سنة الحياة وهذه هي لذة الحياة في نفس الوقت لذلك أعزائي وكما عودناكم في حلقات البرنامج السابقة أن نستضيف ضيفين من ضيوفنا الأعزاء لتسليط الأضواء اكثر على الحلول اللازمة والمقترحات إزاء قضية الأرملة أم نضال وهما سماحة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من السعودية والدكتور هاشم الحسيني الباحث الاجتماعي من لبنان فكونوا معنا.
توفي أبو نضال وترك زوجته ذات الأربعين عاماً مع أربع بنات، نضال وابتسام، كوثر ووئام وكلهن طالبات في المدرسة يعشن في بيت متواضع كانت التركة الوحيدة التي خلفها الأب لأسرته بعد رحيله. منذ الأيام الأولى بعد رحيل زوجها بدأت أم نضال تفكر بجد كيف توفر متطلبات وإحتياجات بناتها الأربع سيما وأنهن طالبات في المدرسة رغم أن الكبرى نضال قررت أن تترك المدرسة لتعين امها وتساعدها في تهيئة امور البيت ما إستطاعت الى ذلك سبيلاً لكن الأم رفضت إقتراح إبنتها وقالت لها: يابنيتي لاأريد أن تفكري بشيء يشغلك عن دراستك وأشكرك على موقفك النبيل هذا. وتأكدي سأكون الأم والأب لك وأخواتك ما إستطعت وما منحني الله سبحانه وتعالى من قوة ورباطة جأش في مواجهة ذلك لوحدي فهو الناصر وهو المعين. وفعلاً أعزائي المستمعين خرجت الأم المناضلة ام نضال في رحلة البحث عن عمل أي عمل فولجت أسواقاً ومحال تجارية، دخلت معامل عدة منها معامل خياطة ومعامل حياكة ومعامل تصنيع للعب الأطفال وغيرها من المعامل حتى فتح الله سبحانه وتعالى عليها باباً للعمل في أحد تلك المعامل وبراتب شهري إقتنعت به أن نضال رغم قلته وباشرت بالعمل فراحت تخرج صباحاً ولاتعود إلا عند المساء وعند العودة كانت تجد بناتها الأربع بإنتظارها وقد أعددن طعام العشاء ليأكلن سوية.
وفي يوم ولما عادت الأم الى البيت إستقبلتها إبنتها نضال وكانت ملامح الحيرة والقلق واضحين عليها سألتها أمها: ومابك يابنيتي؟
أجابتها نضال: لاشيء ياأمي فقد كنت قلقة عليك لأنك تأخرت قليلاً. هيا لنأكل سوية فقد أعددت اليوم طعاماً سوف يعجبك كثيراً.
قالت الأم: وهل تظنين صدقتك يابنيتي؟ أنا أمك وأعلم بماذا تفكرين وماذا تخفين!!
إبتسمت نضال وقالت: اذن هيا لنأكل العشاء فأخواتي جائعات جداً ومن ثم سأقص عليك ماحاولت أن أخفيه عنك.
بعد أن أكملت الأم وبناتها تناول طعام العشاء نهضت الأم ودخلت غرفتها ثم نادت على إبنتها نضال، سألتها وقالت: الآن أريد أن أعرف ما الذي جرى؟ ماذا كنت تريدين إخفاءه عني؟
قالت نضال والخوف والقلق باديان على وجهها: ولكن أريدك أن تعدينني بعدم الإنزعاج وعدم التوتر!!!
طمأنتها الأم وقالت: إطمأني وهات ماعندك!
قالت نضال: اليوم قد جاء عمي وقد كان غاضباً بسبب عملك في ذلك المعمل وطلب مني أن أوصل لك هذه الرسالة.
تعجبت الأم وقالت: وأية رسالة؟
قالت البنت: طلب أن لاتذهبي بعد ذلك الى العمل وأن تبقي في البيت وهو على إستعداد أن يلبي طلباتنا مهما كلّف الأمر.
ثارت ثائرة الأم وأرادت أن تتصل به لكن بناتها حاولن أن يهدأن من روعها ووعدها بنتها نضال بأن تطلب بدورها من عمها أن يكف عن طلبه وأن لايفكر به أبداً. وفعلاً أعزائي المستمعين في اليوم التالي إتصلت نضال بعمها وقالت له ماجرى بينها وبين أمها وبطبيعة الحال لم يرق هذا الكلام للعم فهو حسب ما تعود عليه من عادات وتقاليد أن تستجيب المرأة لكلام الرجل خاصة الأرملة حتى لايشعر بالحرج أمام الآخرين حسب ما يظن.
أحبتي لم تظن الأم وبناتها الأربع أن الأمر سوف يتطور أكثر فقد جاءهم العم ذات مساء وبرفقته زوجته وأخوها ولما جلسا نظر الى الكل ثم وجه كلامه الى أم نضال قائلاً: يازوجة أخي انت تعرفين عاداتنا وتقاليدنا وتعرفين كلام الناس كم هو جارح لو مسنا في يوم بسوء.
ردت عليه أم نضال دون تردد: وأي سوء تقصده ياأبا حامد؟
غضب العم أبو حامد وقال على الفور: أرجو أن تنتظري كلامي حتى أنتهي منه ثم بعد ذلك قولي ما تريدين.
لم تخضع أم نضال لكلام أبي حامد وقالت له: أنا اعلم لماذا انت غاضب وأعلم بماذا تفكر وماذا تريدني أن أنفذه لك لكن لاتتصور أنني سوف أوافق على أي شيء فنحن أنا وبناتي راضون بما قسمه الله لنا وراضون بعيشتنا ولانأمل أن يمد أحد ما أية مساعدة لنا، أشكرك على حرصك وأشكرك على إهتمامك.
إنزعج العم أبو حامد كثيراً وقال لها: أنا ما جئت لأعطيك مبلغاً من المال كل شهر فقد إتصلت بي إبنتك وشرحت لي موقفك مني. وهنا تعجبت أم نضال وقالت له: اذن ما الذي جئت من أجله؟
قال: أنا لاأوافق أن تعمل زوجة اخي في المعمل وسط الغرباء فماذا سيقول الناس عني وبماذا سوف أرد عليهم؟
إستاءت أم نضال كثيراً من كلامه وقالت له: لم أفهم لحد هذه اللحظة ما سبب زيارتك أرجو أن توضح الأمر بسرعة؟
فقال لها: يجب عليك الزواج، نعم يجب عليك أن تتزوجي لتكوني في حماية رجل يكون هو المسؤول عنك وعن بناتك.
إنتفضت الأم وصاحت به: ما الذي تقوله؟ أجننت؟ أتظنني طفلة صغيرة لاتعرف طريقها؟ او تظنني ساذجة لاأعرف أن أدبر أموري وأمور بناتي؟ أنا امرأة لست صغيرة السن ولست ابنتك حتى ترشدها ولست أبي او أخي حتى تجعل من نفسك وصياً عليّ!!!
نهض أبو حامد من مكانه وقال: او تفوهت بكلمة أخرى فسوف أجبرك على عدم الخروج من البيت بعد ذلك مفهوم!
إمتعضت أم نضال منه هذه المرة وردت عليه قائلة: أنا ما أغضبت ربي ولاأغضبت زوجي ولاأغضبت بناتي بالعكس فالكل راض مني والحمد لله ولاتظن سوف أكون امرأة مطيعة لك فطاعتي لله وكانت لزوجي فقط ليس لغيره!!
أعزائي المستمعين وكما إستمعتم لقصة أم نضال وعرفت مدى الحيف الذي لحق بها جراء حب البعض لممارسة بعض العادات والتقاليد القديمة التي اكل الدهر عليها وشرب نتوجه الآن الى الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من المملكة العربية السعودية لسؤاله عما جاء في الشريعة الاسلامية بحق الأرملة وماذا على المجتمع أن يقدمه لها بل ويشجعها على تجاوز محنتها وآلامها بسبب فقدان زوجها؟ فلنستمع اليه
الحجاب: عندما ينتقل الزوج الى رحمة الله عزوجل تبقى الزوجة أرملة وقد دخلت في مشوار جديد ملئ بالآلام وملئ بالصعوبات والعقبات، هذا المشوار الذي بدأته هذه الأرملة بعد أن كانت تعيش في ظل وفي كنف زوجها، رحل هذا الزوج الحبيب وترك لها بنيات، وترك لها من يحتاجون الى عطف وحنان من جانب والى نفقة من جانب آخر وبالطلع عندما ننظر الى مجتمعنا، الى حياتنا الآن، حياة صعبة وصعبة جداً تحتاج الى جهود قوية لهذه الأم التي عاشت في حزن وأسى من جانب وهموم من جانب آخر لكي توفر لقمة العيش لهؤلاء اليتامى. بالطبع هذه الزوجة اذا أرادت أن تعمل وتكدح لتوفر لقمة العيش نجد أن المجتمع بدلاً من أن يقف معها وفي محنتها يقف ضدها فيمنعها من أن تعمل وتكدح وكان المجتمع يسلط الضوء على العادات والتقاليد ولا يلاحظ نظرة الاسلام في هذا المجال. الاسلام لم يحرم العمل المناسب للمرأة والذي يناسبها كأمرأة يعني بعيدة عن السفور، بعيدة عن التبرج، بعيدة عن الجلوس مع الأجانب وعمل يناسبها اذا سعت ووفرت لقمة العيش أولادها ولبناتها فبالطبع الاسلام يشجعها على ذلك وهذا جهاد في سبيل الله لكن للأسف الشديد هناك من يقف بالمرصاد ليحاول أن يمنع هذه المرأة. نقول لمن يحاول أن يقف بالمرصاد للمرأة، نقول اذا منعت هذه الزوجة التي بدأت بمشوار لاتحسد عليه، اذا منعتها عن الوظيفة، منعتها عن العمل من أين تأكّل نفسها وتأكّل أبناءها؟ كيف تعيش؟ وكيف يعيش هؤلاء الأطفال؟ بالطبع نقول لكل شخص يحاول أن يتريث قبل أن يصدر اتهامات اتجاه هذه الزوجة الأرملة التي ارادت أن تقدم شيئاً لوجه الله عزوجل وهو توفير القوت لأبناءها اليتامى. نسأل الله أن يوفقنا إن شاء الله ويجعلنا ممن يقف بجانب هذه الزوجة وامثالها من الزوجات الصالحات والحمد لله رب العالمين.
بعد ان إستمعنا لما قاله الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من المملكة العربية السعودية نتوجه الآن الى الأستاذ الدكتور هاشم الحسيني الباحث الاجتماعي من لبنان بسؤاله عن كيفية مساعدة المرأة الأرملة في مواجهة المصاعب الاقتصادية والاجتماعية التي تتعرض لها بعد وفاة زوجها وعلى عاتق من تكون هذه المسؤولية وما التبعات النفسية المترتبة على مزاولة البعض لعادات وتقاليد تخص المرأة الأرملة؟ فلنستمع معاً.
الحسيني: في مجتمعاتنا العربية والاسلامية يكون الرجل المعيل الأساسي للأسرة لأن النساء بشكل عام لايعملن إنما بدأت هذه الظاهرة تتلاشى بإعتبار أن المرأة بعد أن دخلت مجال التعليم وبعد أن تطورت مهنياً وعلمياً أصبحت قادرة على أن تشارك الرجل في تحمل ميزانية الأسرة، إنما بشكل عام لايزال الرجل هو رب الأسرة الأساسي وهو بالتالي هو المعيل الرئيسي لها. في حال فقد هذا الأب اذن سيكون هذا الحدث حدثاً كبيراً ومهماً يغير في بنية الأسرة ويعرضها لخضة كبيرة بالطبع بإعتبار أن هذه الأسرة قد فقدت معيلها وأن عليها أن تمسك بزمام نفسها من جديد وتستمر بالحياة وترعى الأولاد الذين هم في اعمار مختلفة على العموم. هذه المسؤولية على عاتق من تقع بالدرجة الأولى؟ هذه المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على الأم التي تصبح أرملة، هذه الأرملة التي كانت تلبي جزءاً من المهمة وتلعب جزءاً من الدور الأساسي في تنمية وتربية الأسرة أصبحت الآن وحيدة وهي التي يقع على عاتقها تربية الأولاد والإنفاق والإرسال الى المدارس والرعاية المنزلية وكل ما هنالك. هذه الأم التي أضحت أرملة يمكن ان تكون عاملة ويمكن أن تكون غير عاملة. اذا كانت هذه المرأة عاملة فإنها قادرة ولو جزئياً على تحمل هذا العبء الذي ألقي على عاتقها وهي قادرة بشكل او آخر أن تلبي حاجات أولادها اذا برمجت حياتها من جديد على إعتبار أن جزءاً اساسياً من الدخل لم يعد موجوداً وأن الدور الأبوي الرعائي أصبح مفقوداً أما اذا كانت هذه الأم غير عاملة واذا كان الأب لم يترك شيئاً لعائلته بإعتبار أنه مات بصورة فجائية او كان غير متقدم في السن ولم يترك إرثاً مادياً لكي يرعى إمكانيات العائلة المادية هنا تصبح المسئلة معقدة جداً وتصبح هذه الأرملة بحاجة لمساعدة الآخرين. في مجتمعاتنا عادة الذين يلعبون دور المساعد هم الأقربون ويمكن أن يكون شقيق الزوج او قريب الزوج أحد الذين يتدخلون في رعاية هذه الأسرة إنطلاقاً من أنه مسؤولاً معنوياً عن هذا العبء وهذا الأرث الذي تركه الوالد المتوفى.
في ختام حلقة اليوم اعزائي نشكر الشكر الجزيل لضيفينا العزيزين كما نشكر لكم احبتي حسن إستماعكم لبرنامج من الواقع الذي قدمناه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، الى اللقاء.