خبراء البرنامج: السيد راضي الحسيني الباحث الإسلامي من قم المقدسة والدكتورة وفاء سلمان الباحثة التربوية من سوريا
مستمعينا الأعزاء نرحب بكم في برنامج من الواقع الذي نقدمه من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران وموضوع حلقتنا لهذا اليوم سيكون عن إحدى الحالات التي تلازم بعض الذين يظنون أنهم أفضل من غيرهم في الحياة سواء مايخص طريقة عيشهم وملبسهم وبيوتهم وأحياناً حتى أسلوبهم في الكلام مع الآخرين او ماشابه وهؤلاء نُطلق عليهم بالمغرورين. في حلقة اليوم مستمعينا الأعزاء سنتناول حالة الغرور والتكبّر التي تصيب البعض والتي بالتأكيد تزعج الآخرين وتتسبب في تذمرهم وإنزعاجهم فتدفعهم الى الإبتعاد عن الشخص المغرور وتركه حتى في أحلك الظروف وقبل ان نستمع معاً الى قصة نبيل أذكركم اعزائي بأننا سنستضيف في حلقة اليوم كلاً من سماحة السيد راضي الحسيني الباحث الإسلامي من قم المقدسة والدكتورة وفاء سلمان الباحثة التربوية من سوريا لأجل تسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع، فكونوا معنا.
نبيل تاجر مشهور في السوق، كان يعمل في بداية شبابه مع أبيه في صناعة العطور ولما أتقن صنعته صار يمارسها بشكل متميز لذلك إعتمد عليه والده وراح يُعلن عن إسمه بين التجّار الكبار ويعرفهم به وشيئاً فشيئاً لمع إسمه وإزدادات شهرته. مرت السنون ونبيل يتطور أكثر فاكثر ويشتهر أكثر فأكثر حتى جاء اليوم الذي توفي فيه أبوه فترك لنبيل ثروة طائلة أشعرته تلك الثروة حينها رغم حزنه على فراق أبيه أنه قد أصبح شيئاً آخر لذلك تغيّرت طريقة معاملته مع الناس وتغيّرت حتى طريقته في الكلام معهم. في السابق مثلاً لما كان والد نبيل على قيد الحياة كان المشترون يتبضعون من المحل مايشاؤون ويُسددون ثمن ذلك بالأقساط المريحة وهذا ماأكسب المحل شهرته وزاد من رزقه فالكل كان راضياً وكل كان مرتاحاً سواء صاحب المحل او زبائنه لكن الأمور قد إختلفت عندما حلّ نبيل محل أبيه لذلك بدأ المحل يفقد زبائنه واحداً تلو الآخر بسبب رفض نبيل بيع بضاعته بالأقساط للزبائن متوسطي الحال والمعروفين بسداد دينهم مكتفياً بالتعامل مع التجّار الأغنياء فقط.
جاء نبيل في يوم أحد الزبائن القدامى وطلب أن يُساعده ببيعه صفقة من العطور كما كان والده يفعل ذلك وبالأقساط الشهرية المريحة، رفض نبيل رفضاً قاطعاً ولما حاول الرجل أن يستذكر لنبيل أيام والده وكيف كان يبيع للجميع دون تمييز إنزعج نبيل وطرد الرجل ولكن قبل أن يغادر الرجل قال: إياك والغرور يابُني فالدنيا كالدولاب يوم ترفعك ويوم تهوي بك!
إنزعج نبيل أكثر وقال للرجل: أخرج حالاً وإياك أن تطأ قدماك عتبة المحل بعد الآن، لما عاد نبيل الى البيت كانت ملامح الغضب والتوتر واضحة عليه.
سألته زوجته: مابك؟ فلم يرد عليها.
سألته مرة ثانية: مابك يارجل؟ هل أصابك مكروه؟ هل تشاجرت مع أحد في السوق؟
ثار نبيل صائحاً بوجه زوجته: إذهبي عني الآن فأنا متعب.
لم تسكت زوجته في هذه الحالة بل ردت عليه وقالت: ماذا أصابك لقد تغيّرت أخلاقك، ما كانت هذه طباعك أبداً! لقد أصابك الغرور كثيراً بحيث أصبحت لاتحترم حتى مشاعر زوجتك.
حاول نبيل أن يُهدّأ من نفسه قليلاً فقد شعر بالخطأ الذي إرتكبه بحق زوجته فقال لها: على كل حال انا جائع وأريد أن آكل شيئاً.
قالت الزوجة: أكلك جاهز أرجو أن تتناوله بسرعة لكي نزور بعد ذلك جارنا أبو حسين فهو مريض وحالته سيئة. وبكل تأكيد لم يوافق نبيل على إقتراح زوجته بأن يزور جاره أبا حسين لذلك أعطاها مبلغاً بسيطاً من المال وقال لها هذا مبلغ لعائلة أبي حسين. تعجّبت زوجة نبيل من تصرفات زوجها غير اللائقة وقالت له: كيف تجرأ على هذا الفعل يارجل؟ ألهذا الحد وصل بك الأمر أن تتكبر على الآخرين أتبعث لهم مبلغاً من المال كأنك تعطف عليهم؟
نعم مستمعينا الكرام مرت الأيام ونبيل كعادته يذهب الى معمل العطور ثم يذهب الى المحل ثم يعود الى البيت وهكذا. في يوم رغب نبيل أن يسافر مع عائلته الى إحدى المناطق السياحية القريبة وفعلاً سافر ولما وصل أقام كعادته في إحدى الفنادق الجميلة وراح يتمتع بأحلى أوقاته بصحبة زوجته وأطفاله ولكن وفي صباح اليوم التالي نهض نبيل مبكراً على صوت التلفون الذي كان يرن دون إنقطاع وكانت المصيبة، رفع السمّاعة وبكل غرور وتكبّر قال: الو مَن المتكلّم؟ ردّ أحد العمال الذين يعملون عنده وهو مرتبك أشد الإرتباك: الو سيد نبيل، الو؟ قاطعه نبيل وبذات التكبّر والغرور قاله له: تكلّم بسرعة، مابك؟ ولماذا إتصلت؟ ألا تعلم أني في إجازة عائلية؟
لكن العامل تماسك نفسه وأضطر أن يقول الحقيقة فلا مجال لإخفاءها: لقد حلّت كارثة، كارثة ياسيد نبيل! أرجوك أن تلحق بسرعة.
إضطرب نبيل حال سماعه الخبر وأراد ان يعرف ماذا حصل، فقال له بلهجة عنيفة: أية كارثة أجبني؟
قال العامل: إلحق ياسيد نبيل بسرعة فلا وقت للحديث الآن فمعمل العطور يحترق أما المحل فلم يتبق منه شيء، لقد شبّ حريق هائل في السوق والناس هنا مرتبكون ورجال الأطفاء لن يتمكنوا حتى هذه اللحظة من السيطرة على الحريق.
لما سمع نبيل الخبر سقطت سمّاعة الهاتف من يده لايعرف ماذا يفعل فقد شبّ حريق فيه هو ايضاً لكنه إستجمع قواه وقرر العودة لوحده تركاً أهله فلا مجال لذلك. لكنه عندما وصل كانت النار قد إلتهمت كل شيء وأصبح ذلك المعمل وذلك المحل رماداً وأطلال ذكرى فقط، حاله كحال باقي المحال التجارية في السوق.
ندب نبيل حظه وراح بعد هذه الحادثة يبحث عن محل مؤقت يزاول فيه مهنته وفعلاً بعد اكثر من شهر وجد محلاً متواضعاً في أطراف السوق، حاول أن يستعيد من خلاله إسمه وشهرته إلا أنه إصطدم بعد أن أوشك على المباشرة بالعمل فيه بأصدقاءه الأغنياء الذين كانوا يتبضعون منه أيام زمان حين إعتذروا عن بيعم البضاعة التي أرادها وبالأقساط الشهرية المريحة فتذكر في الحال ماكان يقوم به إتجاه التجّار المتوسطي الحال في السابق لذلك لما عاد الى البيت مخذولاً مهموماً شكى الى زوجته حال أصدقاءه الأغنياء وتخليهم عنه في ظروفه الحالية فما كان من الزوجة إلا أن قالت له: يازوجي العزيز كنت في السابق كثير الغرور بنفسك، لقد منحك الله مالاً وفيراً وإسماً وشهرة فاقت أغلب التجّار في السوق لكنك لم تشكر الله سبحانه وتعالى فتعاليت على الناس وظننت أنك ماض في شهرتك وماقاله لك ذلك العجوز أن الدنيا كالدولاب يوم ترفعك ويوم تهوي بك قد كان على حق. والآن إنظر الى حالك كم تضررت وكم خسرت من الأموال! إنهض وأبدأ من جديد وليكن الإيمان بالله عزوجل نصب عينيك وغايتك.
مستمعينا الأعزاء مثلما عوّدناكم في كل حلقة أن نلتقي وإياكم بضيفين من ضيوف البرنامج لتسليط الضوء على قصة اليوم، ضيفنا الأول لهذه الحلقة سيكون سماحة السيد راضي الحسيني الباحث الإسلامي من قم المقدسة حيث توجهنا له بالسؤال عما نصح به الإسلام بخصوص ضرورة الإبتعاد عن الغرور والتكبّر على الآخرين، فلنستمع معاً.
الحسيني: أن التكبّر عادة سيئة وهو أن يرى الإنسان نفسه أعلى من الغير وهو أفهم من الغير ومتمكن أكثر من الآخرين فيتعالى عليهم. الإسلام في الواقع نهى عن هذه الحالة السيئة وحذر منها وفي الحديث القدسي الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله؛ قال الله سبحانه وتعالى: "الكبرياء ردائي فمن نازعني في ردائي أدخلته جهنم ولاأبالي". في الواقع التكبّر جهل، جهل مركّب لأن الإنسان اذا تفهّم حقيقته لايتكبّر على الآخرين، اذا فهم أنه أساساً هم من نطفة قذرة وينتهي الى جيفة نتنة فهذا الإنسان لامجال له بالتكبّر ولكن حينما يعيش الإنسان حالة الجهل والجهل المركّب وهو لايعرف نفسه فتراه يتعالى على الآخرين بل الإسلام طلب من الناس، من الملتزمين، من المؤمنين، من أتباعه أن لايتصفوا بصفات تؤدي الى التكبّر كالمشي متبختراً، ربما تكون عادة عند الإنسان أن يمشي متبختراً ولكن نهى عنها الإسلام ومدح المؤمنون الذين يمشون بتواضع. " الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً"(سورة الفرقان٦۳) فمسئلة التكبّر مرفوضة جملة وتفصيلاً في الشريعة الإسلامية وهي من صفات الشيطان؛ الشيطان تكبّر على دعوة الله وأمر الله سبحانه وتعالى في السجود لآدم وقال "خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ"(سورة الأعراف۱۲) فأنا نار متقدم، متفضل على من امرتني بالسجود اليه اذن هو تلبّس بأعمال الشيطان، تلبّس بأفعال الشيطان وهذا يؤدي بالإنسان الى أن ينحرف من شيء الى شيء وهذا الإنحراف لامناص له للرجوع والى جادة الصواب لذلك الإسلام حذر من المقدمات التي تؤدي الى الوقوع في فخ التكبّر. التكبّر صفة من صفات الشيطان وحالة من الغرور فقد يغتر الإنسان بإمكاناته المادية، قد يغتر الإنسان بإمكاناته العضلية، قد يغتر الإنسان بإمكاناته الفكرية فتراه يتكبّر على الآخرين وهو لايدري أن هذه الممكنات التي لديه، هذه المقومات التي لديه في الواقع لاتثبت وهي زائلة يعني الإنسان اذا تكبّر بما لديه من قوة فهذه القوة لاتبقى بل هي زائلة. اذا تكبّر الإنسان بما لديه من مال فهذا المال زائل وينتهي والذي يبقى هو الخلق الطيب، الخلق الحسن، التعامل السليم، حسن ظن الناس به هذا هو الذي يبقى أما هذه الحالات فقد نهى عنها الإسلام وينبغي علينا أن نتأدب بآداب الإسلام ونتجنب هذه الحالة فهي ضرر علينا أكثر مما ننتفع به ولكنه جهل وربما جهل مركّب لأنه لايعرف نفسه بل لايعرف حقيقة نفسه لذلك في الحديث الشريف "من عرف نفسه فقد عرف ربه" الإنسان الذي يعرف حقيقة نفسه وماهو عليه وماهو دوره يعرف الله سبحانه وتعالى.
وبعد أن إستمعنا الى سماحة السيد راضي الحسيني نتوجه الآن الى الدكتورة وفاء سلمان الباحثة التربوية من سوريا لسؤالها عن الحالات النفسية والأخلاقية والثقافية التي ربما تكون سبباً وراء إصابة الإنسان بمرض التكبّر والغرور وماهي نتائجها السلبية على الشخص نفسه وعلى الآخرين وكيف يمكن معالجتها؟
سلمان: المال بحد ذاته يشكل قوة بالنسبة للإنسان وفي مجتمعنا الشخص القوي له مكانة في المجتمع ويلتف الناس حوله ويكسب جماهيرية من الناس ويكسب علاقات كثيرة هذا الأمر يؤدي بالإنسان الى انتقال من حالة إجتماعية متواضعة بسيطة الى حالةإجتماعية فيها تميّز وإختلاف فيختلف نظام حياته وتختلف كل علاقاته ويختلف أسلوب ونمط الحياة الذي يعيشه وهذا الأمر يمكن أن يؤدي الى حدوث خلل في شخصية الإنسان اذا لم يكن هو يتمكن من نفسه، هذا الخلل الذي يصيب هذا التحول في شخصيته هي حالة الغرور والتكبّر. وحالة واحدة فقط ممكن أن تصيب الإنسان لما الإنسان لايمتلك الثقافة والأخلاق لهذه الحالة الجديدة وليس لديه المناعة النفسية التي تجعله يواجه هذه الحالة الجديدة التي إنتقل اليها او إرتقى اليها فعندما يقتنع الإنسان أن المال هو المتحوّل في حياة الإنسان والثابت هو الإنسان ومايمتلكه من قيم أخلاقية وروحية يستطيع أن يصل الى أن المال وسيلة وليس غاية بحد ذاته ولابد من الوصول الى مرحلة الإيمان بأن رب العالمين عزوجل أعطانا من نعمه والثروة التي اعطانا إياها، المال والثروة التي يخص بها أحد عباده بها هي مهمة صعبة جداً فيكون رب العالمين كلّف هذا الشخص بها فعليه الحفاظ بهذه النعمة بداية وثانياً الأمر الذي هو في قناعتي وفي رأيي أنا ونحن في مجتمعات عربية ومسلمة أرى أن الموضوع ليس فقط أن نحمي أنفسنا من الغرور والتكبّر في هذه الحالة الجديدة التي حدثت في حياتنا او هذا الإنتقال الذي حدث في حياتنا بل هناك أمر آخر علينا أن ننظر اليه وهو كيف نتعامل مع هذه الثروة؟ التعامل مع هذه الثروة يجب أن يكون قائم على التكافل الإجتماعي يعني خصّني رب العالمين بهذه الثروة فهي ليست لي وحدي فهذا الأمر يحميني من الغرور عندما أكون على قناعة كاملة بأن هذه الثروة ليست لي وحدي وإنما رب العالمين كلّفني بأن أقوم بالتعامل بهذه الثروة على وجه الخير وأن أقوم بالتكافل الإجتماعي، أن نساعد الفقراء، أن هناك أشخاص محتاجين، أن نقدم لهم معونة ومساعدة. هي ليست لي وحدي بمعنى أنني لاأمتلكها أنا وحدي فرب العالمين أمّنني هذه الأمانة حتى أكون قادرة على ان أساعد الآخرين في حل مشاكلهم، التخفيف من معاناتهم، التخفيف من ألمهم. هي ليست حالة إجتماعية فردية بل حالة إجتماعية ترتبط بالمجتمع الذي يعيش فيه الفرد وتكون مشاركة في الثروة بينه وبين الأشخاص المحتاجين ليستطيع هو أن يساعدهم ليعيشوا حياة كريمة في هذه الحالة هذا هو حل حقيقي لأن أتفادى الوقوع في الغرور فلكي أتفادى الوقوع في حالة الغرور والتكبّر علينا أن نكون مؤمنين لأن هذه الثروة ليس إلا أمانة في أعناقنا وعلينا أن نحسن إدارة هذه الأمانة ونتصرف بها في موضوع التكافل الإجتماعي وفي جوانب تنمية المجتمع، تنمية الإنسان، تنمية الأشخاص المحتاجين لدعم وسند هذا المجتمع، بناء الإنسان فلما أستطيع إدارة هذه الثروة وأطلب المساعدة لأن الإنسان عندما يرى أنه غير قادر على إدارة الثروة وهذا أمر يحصل غالباً فهناك خبراء، هناك مختصون، هناك ناس قادرين على مساعدتي في إدارة هذه الثروة. عندما أوظف ثروتي في مجالات الخير ومجالات تنمية الإنسان وتنمية المجتمع وإستعمالها على أحسن وجه ولما يُرضي الله عندها يصبح الإنسان تماماً بواجه المال على أنه وسيلة للحياة ولتطوير الحياة وتنمية الحياة وليس غاية في حد ذاته عندها لايقع في الغرور ويحمي نفسه من هذا الداء الكبير الذي مُصاب به الكثير من رجال الأعمال في مجتمعاتنا العربية للأسف.
في ختام حلقة اليوم مستمعينا نشكر لضيفينا الكريمين كما نشكر لكم حسن المتابعة، الى اللقاء.