خبراء البرنامج: السيد حسن الكشميري الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة والإستاذة التربوية كفاح الحداد من طهران
بسم الله الرحمن الرحيم أحبتي المستمعين أرحب بكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع.
في حلقة اليوم سنقدم موضوعاً طالما أثار مشاكل كثير فتسبب في أذى الآخرين، إنه موضوع يتعلق ببعض الأشخاص الذين يحاولون التحايل على الناس بطرقهم ووسائلهم غير المشروعة وغير اللائقة والغرض منها طبعاً هو تحصيل المبالغ دون الإكتراث من مساوئ او الأخطار التي ممكن أن تعقبها. هؤلاء نجدهم ينتشرون وللأسف وسط أغلب شرائح المجتمع لهذا فتأثيرهم خطير لايمكن التغافل عنه بل يجب معالجته بكل جدّية وحزم. تعالوا معنا لنستمع الى قصة طارق وكيف سقط اخيراً في قبضة رجال الشرطة بعد أن تسبب في إصابة العديد من المواطنين بحالات تسمم خطيرة كادت أن تؤدي بحياتهم ولاتنسوا مستمعينا الكرام بأننا سنلتقي مع ضيفين من ضيوف البرنامج لتسليط الضوء أكثر على خطورة هذا الموضوع ومدى تداعياته وهما سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة والأستاذة التربوية كفاح الحداد من طهران.
أحبتي الكرام طارق رجل إعتاد على الإحتيال وغش الآخرين فهو يعيش على الخداع بأساليبه المتعددة وطرقه المختلفة فمنذ كان صغيراً ألف ممارسة الحيل مع اولاد المحلة كما في المدرسة، بكل تأكيد كانت محاولاته الخدّاعة وحيله تلك هي لجمع المال وحسب لهذا لم يكن يهم طارقاً ماذا سيحل بالآخرين ولم يهتم إن كانت الأموال التي سيجمعها من هذا او ذاك هي أموالاً قد حرّمتها تعاليم ديننا الحنيف وايضاً لم تُقرّ بها أعراف ولاتقاليد مجتمعاتنا فهو على سبيل المثال يشتري من السوق بعض المنتوجات المحلية وبكميات كبيرة من بعض التجّار فيذهب بها الى البيت ثم يقوم بتغيير ماركة البضاعة من محليّة الصنع الى أجنبية ليعود ويبيعها في السوق مرة اخرى الى المشترين بأسعار مضاعفة ولما ينتهي من فعلته يذهب الى مكان آخر حتى لايُكتشف أمره ويُكرر نفس العمل مع أناس آخرين وفي مكان آخر وهكذا. مرة أخرى نجده يقف عند إحدى محطات القطار او السيارات ينتظر بعض الوافدين الذين يلتمسون المساعدة لإرشادهم الى مكان ما او يجدهم بحاجة الى من يُساعدهم في تبديل العملة او الحجز في فندق او ما شابه. في إحدى المرات لفتت انظار طارق عائلة من بعيد، وقف رب العائلة ينظر يميناً ثم ينظر شمالاً، لايدري أين يتجه وبمَن يستنجد فقد كان بحاجة الى مَن يُساعده في الوصول الى فندق قبل كل شيء. إنتبه اليه طارق فتقدم نحوه ثم بادره بالسلام وسأله: هل انت بحاجة الى مساعدة؟ فرح الرجل الغريب عندما وجد أن طارقاً يتكلم معه بلغته فمسك به وقال له: الحمد لله والشكر لقد بعثك الله اليّ لتساعدني، أرجوك أن تدلّني على فندق أولاً ثم أتوسل بك أن تساعدني ايضاً في البحث عن مستشفى متخصص أعالج فيه إبني، والله لقد تعبت حتى وصلت الى هنا وكما تشاهد بنفسك أنا حائر لاحول لي ولاقوة.
أيها الأعزاء لم يكن الرجل المسكين على علم من نوايا طارق فقد سلّم له نفسه وركب معه وعائلته سيارة الأجرة ظناً منه ان طارقاً سيكون له خير عون وخير دليل له، إنطلقت سيارة الأجرة والرجل المسكين فرح جداً ومطمئن جداً بأن طارقاً سوف يُنجز له غايته ويُحقق مراده. وصلت سيارة الأجرة الى إحدى فنادق العاصمة، ترجّل طارق وطلب من الرجل أن ينتظره حتى يتأكد إن كان بالإمكان ان يحجز له غرفة ولعائلته أم لا؟ وفعلاً دخل الفندق وبعد لحظات خرج مسرعاً طالباً من الرجل مبلغاً من المال لدفع فاتورة الحجز. شعر الرجل بالراحة والأمان واعطى بكل لهفة المبلغ وظل ينتظر في السيارة بناءاً على رغبة طارق. مرت ساعة ثم مرت ساعتان وطارق لم يخرج من الفندق، مرت ثلاث ساعات والرجل على ذات الوضع لم يغادر سيارة الأجرة لكن القلق بدأ يُساروه فقرر أن يتأكد بنفسه. فدخل الفندق وتبين بعد التقصي والبحث أن طارقاً غير موجود في الفندق أبداً لأنه بكل بساطة قد اخذ المبلغ وهرب فاراً دون أن ينتبه اليه أحد.
نعم أيها الأعزاء وفي أحد الأيام جاء طارقاً محتال آخر مثله وقال: هناك في الأسواق أغذية معلّبة قد إنتهى تاريخ إستخدامها وسوف يضطر أصحابها الى رميها في المخازن لحين إتلافها من قبل اجهزة الرقابة والسيطرة النوعية وهنا تبادرت بسرعة الى ذهن طارق الفكرة التي أراد صاحبه أن يرويها. قال طارق: آ آ نعم فهمت، فهمت ماذا تريد قوله، الفكرة رائعة جداً. أرجو أن تساعدني في جمع كل تلك الأغذية المعلّبة من الأسواق ومن أصحاب المخازن في كل مكان وسوف أقوم بتغير تاريخ إنتهاء المدة بطريقة خاصة.
فرح صاحبه وقال: وكم يستغرق ذلك من الوقت؟
فأجاب طارق: لاعليك،نفّّذ ما طلبته منك وسوف ترى النتيجة بعد أسبوع واحد لااكثر.
قال صاحبه: أمتأكد أنت؟
أجابه طارق: قلت لك لاتناقش ياأخي نفّذ ما أقوله وسوف نجدي من هذه العملية أرباحاً كثيرة. وفعلاً بدأ طارق وصاحبه بجمع كل تلك الأغذية تقريباً وبعد أيام كانت هناك أكداس منها في بيت طارق. بدأ طارق عمله المتخصص بتغيير تاريخ الإنتهاء ولما تمت عملية التزوير بنجاح بدأ طارق وصاحبه بإعادة عملية البيع في الأسواق. كانت فرحة طارق وصاحبه لاتوصف وهما يقبضان النقود الكثيرة التي جاءتهما جرّاء بيع الأغذية الفاسدة لكن فرحتهما لم تدوم فقد اخذت حالى التسمم تظهر على المواطنين نتيجة الفعلة غير النزيهة التي قام بها طارق وصاحبه والتي بدأت تثير في نفس الوقت قلق الجهات المسؤولة وعلى وجه الخصوص تساؤلات عناصر الشرطة وفعلاً راحت الشرطة تُجري تحقيقاتها بطرقها الأمنية الخاصة بشأن المتسببين في هذه الكارثة. ولم تمضي اعزائي المستمعين سوى أيام معدودات حتى تم العثور على طارق وصاحبه فإقتيدا الى المحاكم الخاصة للتحقيق معهم.
إذن مستمعينا بعد أن إستمعتم الى قصة طارق نتوجه الآن الى سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة لسؤاله عن رأي الشرع في هذه الحالة وماهي النصائح والإرشادات التي يمكن أن نوجهها الى هؤلاء؟ ومن جهة اخرى ماهي العواقب التي جاءت في الشريعة على أمثال هؤلاء الذين يغشون المسلمين ويتاجرون بصحتهم دون خوف ودون حياء؟ فلنستمع معاً
الكشميري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
الغش كلمة كريهة وهذه الكلمة تنطوي على معاني كثيرة للإنسان دنيا وآخرة؛ نحن نعرف أن الله سبحانه وتعالى كرّه لنا الظلم وإعتبر أن الظلم من الأخطار الشديدة التي ينهى عنها والآيات عديدة في القرآن الكريم تحذر من الظلم. الظلم له عدة مصاديق ومن أخطر مصاديقه هي المكر، الظلم، الغش، السرقة، الخديعة، التلاعب بما يضمن ربحاً غير مشروعاً.
النبي صلى الله عليه وآله كان يتحدث عن أخطار هذه الحالات التي من وراءها يجني بعض ضعفاء النفوس أرباحاً ظناً منهم بأنها تنفعهم وهي في الواقع لاتنفهم بل تضرهم وتدمّر كل موجوداتهم؛ نستعمل أبسط مثال واضح أن برميلاً من العسل الخالص تسقط عليه قطرة سم، يصبح هذا البرميل بكامله غير صالح للإستفادة بل مُضر وخطر. جميع ممتلكات الإنسان اذا تخلّلها مال بسيط سواء كان حصل بغش او سرقة او الغصب او أخذ مال اليتيم او القاصر. الغش بالميزان او الغش بالعين هذا يدمر الحلال والمال كله وبأكمله والعياذ بالله وأي عاقل يُقدم على عمل من هذا القبيل.
سأل احداً الإمام الصادق عليه السلام أنني بائع سمن وأني أبيعه على أنه سمن غنم ولكنني أخلطه بحيث لايظهر عليه فأجابه الأمام بما يتناسب وعقل الرجل، اعطى الإمام الرجل رادعاً وجدانياً وليس رادعاً شرعياً، قال له: ياترى ترضى أن يفعل هذا معك أحد؟ تأمل الرجل وقال لا والله! فقال كيف ترضى لغيرك مالاترضاه لنفسك؟
دعني أقرأ لكم حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وآله يقول النبي: "من غشّ مسلماً في شراء او بيع فليس منّا ويُحشر يوم القيادة مع اليهود". النبي لما يقول مع اليهود له دلالة لأن هؤلاء غشّوا العالم قديماً وحديثاً ولايزالوا؛ غشّوهم في كل المجالات وهذا أتركه وأقرأ حديث النبي "فليس معنا يوم القيامة ويُحشر مع اليهود لأنهم أغشّ الخلق للمسلمين". على أي حال علينا ان نتعامل بالوجدان قبل الإلتزام الشرعي لن الشرع هو الوجدان والشرع هو المروءة والمروءة هي الدين؛ أي إنسان مروءته تقبل أن يغش مؤمناً خصوصاً من إئتمنه. لاحظت شخصاً كان معي في الطائرة معه اوراق مكتوب عليها صناعة ألمانية وهي طباعة ويلصقها على بضاعة صناعة تايلند؛ أعوذ بالله هذا رزق حرام والرزق الحرام يترتب عليه تأثير في السلوك وتأثير في الشمائل وتأثير في المستقبل وتأثير على الصحة. شهد الله ولاحاجة لكلمة شهد الله أن غالباً هؤلاء الذين يجمعون الأرباح بهذه الطريقة ويغشون بالمكيال، بالعين، بالميزان، تغيير تاريخ المواد الغذائية المستهلكة عليهم أن يعلموا ويسمعوني بأني شاهدت والعشرات بل المئات جمعوا الأرباح وصرفوها على الدواء والأطباء والمختبرات.
الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه كان يتكلم عن المؤمن ثم قال: "المؤمن لايغش أخاه"، أخاه ليس الشيعي او المسلم او غيره، "الناس إثنان إما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق"، حتى الكافر لايجوز للمسلم أن يغشه. أعود أقرأ الحديث "المؤمن لايغش أخاه ولايخونه ولايخذله ولايتهمه ولايقول له وأنا منك برئ". نسأل الله أن يُبعدنا عن هذه المكاسب وهذه الحالات التي تدمّر المجتمع وتفسد العلائق.
وبعد ان إستمعنا الى سماحة السيد حسن الكشميري نتوجه هذه المرة الى الأستاذة التربوية كفاح الحداد من طهران لسؤالها عن الأسباب التي تدفع بهؤلاء الى هذه الأساليب الدنيئة غير الإنسانية التي تضر بإخواننا المسلمين كما تضر بالنتيجة بالفاعل ايضاً وماهي الأسباب وراء ذلك، هل تكمن وراء الأسرة أم البيئة ام المدرسة أم مَن؟ لنستمع معاً
الحداد: بالنسبة لهذا النمط من الشخصيات التي تعتبر من الشخصيات المريضة والتي تؤثر عدة عوامل في دفعها الى هذا السلوك الخاطئ من اهمها الأسرة والبيئة طبعاً بالدرجة الأولى الأسرة التي تتعامل بهذا المنطق سواء بين الوالدين أنفسهم او بين الوالدين والأبناء وبين الأسرة وبقية الأسر، تعوّد أبناءها على هذا السلوك الخاطئ وترسم لهم صورة بأن هذا هو السلوك الصحيح وللأسف الأبناء منذ الصغر يقلدون ولايفكرون في صحة او خطًأ الموقف لهذا يتعلمون هذه الأساليب الخاطئة. أحياناً إهمال تربية الولد تجعله يتأثر بعوامل خارجية مثلاً من هم في المدرسة او من هم في الشارع من المنحرفين الذين يعلمونه هذا السلوك الخاطئ ويجرونه الى هذا السلوك الذي بالتالي يؤثر على حياته مستقبلاً وعلى سمعته.
في البداية يُفترض أن يُردع عن هذا السلوك، يُنبه سواء من الأقربين او غيرهم لكن اذا كانت الأسرة هي التي تتبع هذا الأسلوب فمن المؤكد ليست الأسرة التي تنبّه الأولاد وإنما سوف يظل يمارس هذا السلوك الخاطئ الى أن يكبر وهذا يؤدي الى أن يكبر ويصبح عضواً مضاداً للمجتمع وشخصية معارضة للمجتمع وسوف يمارس الأساليب الخاطئة في أي منصب كان فيه وهذا سوف يترك آثاره الظاهرة على المجتمع ككل وليس فقط على شخصه بالإضافة الى أنه سوف يُمهّد ويكون أبناءه فيما بعد متعلمين لهذا السلوك الخاطئ لهذا يُفترض في المناهج التربوية أن يُعوّد الأبناء او يُعرّف في البداية على السلوكيات الخاطئة وأهمية الإبتعاد عنها وأضرار هذه السلوكيات الخاطئة على مستقبلهم وعلى حياتهم كي يتركوها ولايقتربوا منها وايضاً يلعب الشارع دوراً مهماً؛ علماء الدين والمؤسسات الإجتماعية كلها تلعب دوراً في ردع الأولاد منذ الطفولة في إفهامهم هذه السلوكيات الخاطئة ليتركوها.
في ختام حلقة اليوم نشكر لضيفينا العزيزين حسن مشاركتهما كما نشكر لكم مستمعينا الكرام حسن الإستماع، الى اللقاء.