ضيوف البرنامج: سماحة الشيخ صادق النابلسي مدير حوزة الإمام الصادق عليه السلام في لبنان والأستاذة آيات نور الدين المتخصصة في علم النفس الإجتماعي من بيروت
مستمعينا الأعزاء نرحب بكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع الذي نتناول فيه عادة القضايا او الحالات او التصرفات السيئة التي تلازم هذا الشخص او ذاك فتتسبب أن يكون ضحيتها الشخص نفسه وأحياناً أخرى الأشخاص القريبين منه لذلك يحرص البرنامج دائماً على عرض هذه القضايا والحالات على المتخصصين والخبراء لغرض معالجتها وتقديم النُصح لهذا البعض او ذاك. في حلقة اليوم سنتناول قضية التفاخر والتباهي عند البعض وكيف تؤدي بالنتيجة الى خلق أجواء من التوتر والحساسية بين الآخرين فتنعكس سلباً على طبيعة العلاقات الإجتماعية بينهم وبهذا الخصوص أعزائي المستمعين قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم إعلموا إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم. صدق الله العلي العظيم
وقبل أن نترككم اعزائي لسماع قصة عتاب نذكركم بأننا سنكون مع ضيفي البرنامج سماحة الشيخ صادق النابلسي مدير حوزة الإمام الصادق عليه السلام في لبنان والأستاذة آيات نور الدين المتخصصة في علم النفس الإجتماعي من بيروت لأجل طرح هذه المشكلة عليهما والإستماع لرأيهما في ذلك فكونوا معنا.
أحبتي المستمعين عتاب فتاة جميلة وتتمتع بمزايا طالما جلبت إنتباه الآخرين خاصة الذين كانوا يعملون معها في ذات الدائرة التي تُشرف على أحد أقسامها فأكثر من موظف حاول أن يقترب اليها لخطبتها لكنها كانت ترفض والسبب هو تباهيها كثيراً بحيث ترى في نفسها من الصفات فتظن أنها أفضل من الاخرين كما لفرط غرورها أنها لاتتكلم إلا مع مَن ترغب أن تتكلم معه واذا تكلمت فهي مُقلّة في ذلك ولو جاءها احد الأشخاص وسأله بخصوص إنجاز معاملته فهي لاتُجيبه إنما تُشير إشارة بسيطة بيدها او برأسها مثلاً. زميلاتها في العمل كنّ يعرفنّ طباعها ورغم ذلك كنّ يتعاملنّ معها بشكل طبيعي ولايُضمرن حقداً او كراهية لها. في يوم جاءتها صديقتها سرور وقالت لها: عتاب كيف حالك؟ هذا المساء سوف تذهبين معنا الى بيت سعاد بمناسبة مولدها البكر، جهّزي نفسك عند الساعة الخامسة عصراً لآتي وآخذك بسيارتي الى بيتها، لقد إتفقنا أنا والموظفات على ذلك. ردت عتاب وبكل كبرياء: ولماذا انت واثقة جداً من ذهابي معكن، من قال لك أنني موافقة؟ أم نسيتي مَن انا؟ هل بهذه البساطة تظنين انني سأذهب معك ومع بقية الزميلات والى اين، الى بيت سعاد؟ تلك الموظفة البسيطة؟ ياآنسة سرور يجب أن تعرفي مقامي جيداً ولو لا أنك زميلتي لكنت رددت عليك بطريقة أخرى.
إنزعجت سرور كثيراً من تصرّف عتاب وحاولت أن تشرح لها أن سبب الزيارة هو إدخال الفرحة في قلب الزميلة سعاد ولافرق بينها وبين باقي الموظفات فما السبب أنها مسكينة ولايوجد من يؤانسها في هكذا مناسبة إلا زوجها الفقير الحال لذلك تمّ الإتفاق على الذهاب الى بيتها البسيط وتهنئتها. بطبيعة الحال أحبتي لم تفهم عتاب ما قالته سرور لذلك رفضت الذهاب الى بيت زميلتها سعاد.
في أحد المرات جاءتها ايضاً زميلتها سرور وقالت لها: عتاب اليوم سنحتفل إحتفالاً بسيطاً بمناسبة ترشّح زميلتنا سعاد لمنصب مديرة العلاقات العامة، لاتعرفين كم سادت الفرحة لأجلها فقد أنعم الله عليها بعد طول صبرها تحملها فهي موظفة نشيطة ومثابرة. تعجّبت عتاب من قول سرور ولم تُصدّق أن سعاد قد أصبحت مديرة قسم مثلها، لذلك فقد سألت سرور: هل انت جادة في قولك، هل حقاً أصبحت سعاد مديرة قسم العلاقات؟
أجابت سرور: نعم ولمَ لا؟ وهل هناك أفضل منها في إدارة هذا المنصب؟ لاتُطيلي في الأسئلة، بعد نصف ساعة تقريباً سنُجري إحتفالاً بسيطاً بيننا لنبارك لها وأنت مدعوة دون شك، فلا تتأخري. كالعادة مستمعينا فقد إنتابت عتاب حالة من التكبّر والتفاخر بنفسها فكيف ستُهنئ سعاد وهي تشعر أنها أجمل وأفضل وأغنى منها لذلك كانت مُجبرة على الذهاب والمشاركة في الحفل البسيط لكنها لما حضرت لم تتفوّه بكلمة ولاتُكلّف نفسها بمباركة زميلتها على ذلك وهذا ماأثار إنتباه الحاضرين ومنهم الزميلة سرور التي نهضت من مكانها وجلست بجانب عتاب ثم قالت لها: هل باركت لسعاد؟ أجابت عتاب: اعتقد أن حضوري كافي، أليس كذلك؟ قالت لها سرور: حاولي أن تُجاملي صديقتنا وتباركي لها لكي لايظن البعض انك إنسانة أنانية ولاتحبين الخير للآخرين.
نهضت عتاب من مكانها وتوجّهت الى سعاد فقالت والتفاخر والتباهي بنفسها واضحان: عسى أن يُحسّن هذا المنصب من حالك فقد عانيت أنت كثيراً وصبرت كثيراً، مبارك لك
حبست سعاد عبرتها وكتمت غضبها ولم تتفوّه بكلمة إزاء ما قالته عتاب فهي تعرف غرورها الذي عايشته بنفسها وتفاخرها بشكلها وجمالها ولطالما تباهت كثيراً بمالها ومال أبيها. لايضر فالأيام المقبلة ستُسفر عمن هو الأكفأ وعمن هو الأحسن، هكذا قالت سعاد مع نفسها.
شاءت الظروف أن توافق عتاب على الزواج من شاب قد تقدم لها، كان وسيماً مثلها وغنياً مثلها. شاع الخبر بسرعة في الدائرة وأصبح زواج عتاب بذلك الشاب الغني والوسيم حديث الكل خاصة النساء لذلك فقد أنبأت عتاب الموظفين والموظفات بموعد إقامة الحفل الخاص بخطبتها ودعت من تريد دعوته، كالعادة كانت عتاب تتفاخر بنفسها دائماً وتتباهى على أنها الأفضل بين كل الزميلات لذلك لم تدعو الى حفلتها جميع من يعمل معها خاصة سعاد ومَن شابهها أي لم تدعو عتاب الموظفات فقيرات الحال لأنها كانت تريد أن تُظهر حفلتها بأروع حلّة وأروع مظهر حسب ما تظن. وفي ليلة الحفل الذي أقيم للإحتفال بعتاب وخطيبها كان جميع المدعويين يتوافدون والفرحة تعم المكان خاصة عتاب التي كانت تنظر الى الوجوه مبتسمة لترى إعجابهم بحفلتها وإندهاشهم بخطيبها فتلك كانت كل امانيها وكل احلامها. إمتلأ المكان وعجّ بالحاضرين، كان منظره جميلاً ومشوقاً ولمَ لا وأجواء العرس صارت تتسيّد النفوس وتزف البشرى في القلوب. في هذه الأثناء وبينما عتاب سعيدة وفرحة بعرسها شاهدت من بعيد سعاد وزوجها يدخلان ليشاركان الآخرين الحفل، نعم إنهما سعاد وزوجها! مَن دعاهما، ومن سمح لهما بالمجئ؟ يا للوقاحة، والله سوف أوبخّها وأطردها من الحفل، من تظن نفسها؟ بهذه العبارات كانت قد قررت عتاب أن تقولها لسعاد وفعلاً فقد تقدّمت نحوها ولما وصلت اليها سارعت بسؤالها وبكل عصبية: هل من الممكن أن تقولي مَن الذي دعاك الى حفلتي؟ أنا متاكدة أنك بادرت من ذات نفسك، كيف تجرأت على ذلك؟
أحبتي المستمعين لم تسمع عتاب لسعاد أن تقول كلمة واحدة فقد هاجمتها بالأسئلة المتواصلة دون أن تسمع منها جواباً واحداً. وهنا تمالكت سعاد نفسها ولم تبح بشيء، ثم قالت لعتاب: أشكرك على حسن إستقبالك لي ولزوجي، جئت لأبارك لك فقط ولكنك إنسانة متكبرة وتظنين أنك أفضل من الآخرين. على كل حال انا مخطأة أعتذر لمجيئي. ولما أوشكت أن تغادر سعاد المكان وصل خطيب عتاب فجأة وشاهد الموقف وعرف كم أن خطيبته قد أهانت سعاد، لم يرض بذلك وحاول أن يُشعر عتاب بخطأها ولما كانت مُصرّة على موقفها إنزعج خطيبها كثيراً وراح يؤنبها ويكلمها وفي هذه الأثناء تجمّع بعض الحاضرين وصار الموقف أشد إحراجاً لعتاب ولخطيبها وهنا إنبرى قائلاً لها وسط الجميع: أتعلمين أن هذه المرأة سعاد هي التي شجّعتني بأن أتزوج بك، فهي بصفتها مسؤولة العلاقات العامة قد تعرّفت بيّ وإقترحت ذلك عليّ وكانت تمتدحك دائماً بل وتعترف أنك تمتلكين من المواصفات التي تتفوقين بها عليها، أهكذا يكون رد الجميل ياعتاب؟
مستمعينا الأعزاء وبعد أن إستمعنا الى قصة عتاب نتوجّه الى سماحة الشيخ صادق النابلسي مدير حوزة الإمام الصادق عليه السلام في لبنان لسؤاله عمّا جاء في تعاليم الإسلام الحنيف في النهي عن التفاخر والتباهي.
النابلسي: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين
هذه القضية من القضايا الحساسة والإسلام يضع قانوناً عاماً في الأعمال وفقاً للمعايير الإلهية، هذا المبدأ ينص على أن العمل الصالح هما أساس تقييم الأفراد وليس التظاهر والتصنع والتفاخر والتباهي قيمة في الله تبارك وتعالى. هناك بعض الناس يعتبرون انفسهم أفضل من الآخرين ومن الأمور التي كانت سائدة في الجاهلية والتي تكررت الإشارة اليها في القرآن هو التفاخر بالآباء والأجداد وإجلالهم الى حد التقديس الأعمى والتباهي بالمال والإمكانات التي تفوق إمكانات الآخرين كما ورد في القرآن الكريم "أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً". اذن هذه الأمور هي التي تجعل الإنسان يتباهى ويتفاخر بالآباء والأموال والأولاد وغير ذلك من الأمور ولكن الأساس أن التقوى هي المعيار وأن العمل الصالح هو المعيار كما ورد في حديث رسول الله "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، اذن التباهي والتفاخر مضرة ومذمة سوء وكثير من المفاسد الإجتماعية. على الإنسان أن يعرف أن أصله من تراب كما ورد في حديث رسول الله "كلكم بنو آدم وأدم خُلق من تراب ولينتهين قوم يفخرون بآباءهم"، وغير ذلك من أن التزود بالتقوى ولباس التقوى هو الخير وأهل التقوى هم أهل المغفرة وغير ذلك من النصائح ومن التوجيهات ومن المبادئ التي تجعل الإنسان يعرف حقيقته وأصله ومعدنه لذلك الإسلام يوجه الإنسان عادة الى ان يتقي الله وأن يبتعد عن اللهو وعن التفاخر والتكاثر التي تشكل مرضاً حقيقياً يدعو الإنسان الى الغرور والى الإنحراف في الدنيا والإنغماس فيها والغفلة عن المعاد وعن الآخرة.
وبعد أن إستمعنا الى ماقاله سماحة الشيخ صادق النابلسي نتوجه الآن الى الأستاذة لآيات نور الدين المتخصصة بعلم النفس الإجتماعي من بيروت لمعرفة ما اذا كان الفخر والتباهي نابعاً عن الشعور بالنقص وماهي أسبابه وكيف يتم معالجته؟
نور الدين: بسم الله الرحمن الرحيم عندما نتحدث عن مسئلة التفاخر في الحقيقة دائماً مردها الى امرين إثنين، الأمر الأول يكون هناك ثمة شعور بالنقص يعني هنا قد نستحضر الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام الذي يقول "ما من إمرء يتيه إلا لذلة يجدها في نفسه" فهناك شعور بالنقص وشعور ببعض الثغرات داخل النفس فيحاول الإنسان يستغني عنها من خلال عدم النظر اليها من خلال النظر الى هذه الخصلة الحميدة والجيدة فيه وبالتالي يحاول أن يضخمها وهو في الحقيقة يكبرها ويعظمها في نفسه وأمام الآخرين فهناك ثمة شعور بالنقص وهناك ثمة عدم تصالح بينه وبين ذاته وبينه وبين ثغراتها لذلك من المهم جداً في هذه النقطة بالتحديد أن نعمل على أن نكون متصالحين مع ذواتنا، هذا امر مهم جداً وهو أن نجلس وأن نتفكر في هذه الذات، فعلاً ماهو الذي نشعره كعيب فيها؟ ماهو الأمر الذي نجد أننا نحاول أن لانستحضره حتى ولو كما جالسين مع انفسنا ومع ذواتنا لذلك هذا الأمر يردم هذه المسافة وهذه الهوة بيننا وبين ذاتنا وبالتالي يعيد تحجيم الأمور الجيدة التي نجدها ونبتعد بالتالي عن التفاخر وتعظيم الأمور الإيجابية. الأمر الثاني وهو أمر مهم جداً هو امر نتربى عليه او لانتربى عليه وايضاً يمكننا التحكم به لاحقاً اذا ما رفضناه وهو عدم شكر النعمة، عندما نقول إن الله أنعم علينا بجمال او بمال او بجاه او بعلم او بأي أمر آخر، هو الله الذي أنعم بذلك علينا لذلك من المهم جداً أن نرد ذلك لله، عندما نرده لله عند ذلك ينبغي علينا أن نشكر هذه النعمة وأن نتواضع لله لأنه أعطانا هذه النعمة. شكر النعمة يكون اولاً بالتواضع وأن لانشعر بالتيه وبالعجب وكأن هذا الأمر هو إمتياز لنا نحن أوجدناه في ذواتنا لذلك شكر النعمة يكون أولاً بالتواضع، ثانياً أن نشعر أن هذا الأمر ليس من صنعنا وأنه في أي لحظة من اللحظات قد يسلب منّا، حتى مسئلة الجمال فكثير من الأشخاص الجميلين في فترات معينة عندما يكبرون بالسن تسلب منهم هذه النعمة او حتى عندما يكونون في فترة النعمة تسلب منهم لحادث او لأمر آخر بالتالي علينا أن نشعر في داخلنا بأن الله متفضل علينا في هذه النعمة وأن نشكره سواء باللسان وسواء بالعمل على ذلك. هذا الأمر يربي في أنفسنا وفي ذواتنا بأننا لسنا المتفضلين على الآخرين لأن توجد فينا هذه النعمة ولايوجد عند الآخرين. ايضاً يربي أمر آخر وهو أن ما أراه جميلاً في نفسي قد يكون جميلاً في نفس الآخرين أنا لاأراه فعليّ أن أبحث عن نقاط مضيئة عند الآخر لأجده جميلاً ايضاً في مكان ما وبالتالي أنظر اليه بالتساوي ولست انا أرفع منه لأن الله تفضل عليّ في نعمة ولن يتفضل عليه في هذه النعمة بالذات فثمة نعم أخرى قد تكون موجودة وأنا لاأراها.
في ختام حلقة اليوم نشكر لكم مستمعينا حسن المتابعة كما نشكر لضيفينا العزيزين حسن المشاركة على الأمل أن نلتقيكم في حلقات اخرى من برنامج من الواقع، دمتم في أمان الله والى اللقاء.