ضيوف البرنامج: سماحة الشيخ هادي العقيلي الباحث الإسلامي من العراق والدكتورة اميرة برغل الأخصائية التربوية من لبنان
مستمعينا الكرام نرحب بكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع، في حلقة اليوم سنتناول موضعاً طالما أثار مشاكل كثيرة وأدى الى عواقب كبيرة فهو موضوع كاد يتكرر او يكون مشابهاً في هذه العائلة او تلك نظراً لتشابه الأسباب التي تدعو اليه. إنه بإختصار موضوع سنتناول فيه غيرة النساء وقبل أن نتركم وقصة ربة البيت وداد وكيف وضعت حياة زوجها في مواقف محرجة كاد على أثرها أن يفقد عمله نُذكركم أننا سنكون في لقاء ضيفين من ضيوف البرنامج الأعزاء وهما لحلقة اليوم سماحة الشيخ هادي العقيلي الباحث الإسلامي من العراق والدكتورة اميرة برغل الأخصائية التربوية من لبنان فكونوا معنا
أحبتي المستمعين وداد امرأة في الثلاثين من العمر، تزوّجت عندما كانت في العشرين بأبن عمها ناصر وناصر زوج مثالي يعمل موظفاً في إحدى دوائر الدولة، لم يبخل عليها بأي شيء فقد كان كثير الإهتمام بها ولم يُقصّر في توفير طلباتها ولن يحب غيرها أبداً حتى قبل أن يرتبط بها لذلك كانت وداد تحبه ايضاً وتوفر له بالمقابل كل أسباب الراحة والعناية وهكذا إستمرت حياتهما يوماً بعد يوم دون أي مشكلة تُذكر. ذات يوم بعد أن عاد ناصر الى البيت كانت الفرحة تملأ قلبه والإبتسامة لاتفارق وجهه، نادى على زوجته: وداد، أين أنت ياوداد؟ أين أنت يازوجتي العزيزة؟
خرجت من غرفتها مسرعة ثم قالت وهي مندهشة: مابك يازوجي العزيز؟ أراك على غير عادتك؟ ماذا جرى؟
قال لها: ألا تعلمين فقد جازاني الله خير جزاء ومنحني ما كنت أنتظره منذ سنوات.
بانت الفرحة بسعة على وجه وداد وقالت له: بالله عليك قل لي بماذا جزاك الله؟
قال لها: لقد أصبحت مديراً، منذ يوم غد سوف أكون أنا مدير الدائرة التي أعمل فيها وسوف تكون مهام عملي كثيرة، وبنوع من المزاح قال: ربما لاأستطيع أن أرد عليك حتى لو إتصلت لأي سبب كان.
ردت عليه بمزاح ايضاً: لابأس اذا كنت لاتريد أن أتصل فلن أتصل بعد ذلك. ضحك الزوجان وراحا يتناولان الطعام معاً والفرحة تملأ قلبيهما.
مرت الأيام والشهور وأصبح ناصراً كثير الإلتزام بعمله ولم يتمكن من العودة الى البيت مبكراً كالسابق حيث كان في بعض الأحيان يتصل ويعتذر لزوجته بل في أوقات أخرى كان لايرد على إتصالاتها وهنا بدأت الشكوك تتولّد لدى الزوجة وداد التي أخذت تتسائل مع نفسها: أنا زوجته منذ مايقارب العشر سنوات أعرف طباعه كما أعرف أخلاقه فهو ليس من هؤلاء الرجال الذين يقيمون علاقات متعددة مع النساء وليس من هؤلاء الرجال الذي يحبّذون السهر خارج البيت مع الأصدقاء ويتركون أسرتهم، إذن لماذا لايرد ناصر على إتصالاتي بعض الأحيان؟ ولماذا تغيّرت طباعه منذ أن اصبح مديراً؟ لابل ما عاد يشتري لي أشياء جميلة كالسابق ولايهتم بي. أسئلة كثيرة كانت تصول وتجول في بال وداد لذلك قررت مع نفسها أن تراقبه حتى يطمئن قلبها ولكن هل حقاً إطمئن قلبها؟
ذات صباح لم يذهب الزوج الى عمله، كان مستغرقاً في نومه. نهضت الزوجة قبله وإنتهزت الفرصة لتفتش في حقيبته فتحتها، بعثرت الأوراق، فتشت جيوب الحقيبة الداخلية، لم تجد شيئاً ثم توجهت الى ملابسه، مدّت يدها في هذا الجيب ثم في الجيب الآخر، توقفت برهنة وقالت مع نفسها: ما العمل الآن ياالهي، لم أعثر على شيء فربما قد أخفى عني فهو زوجي وأعرفه إنه ذكي جداً، لكنني سأستمر بالبحث، هي فرصة لاتُعوّض أن يكون نائماً وأنا أبحث مثلما اريد. لذلك حاولت وداد مرة أخرى ومدّت يدها في جيب الجاكيت، هنا لايوجد شيء وهنا في هذا الجيب ايضاً لايوجد شيء وفجأة.. آه...ماهذه؟ إنها ورقة ياإلهي إنها رسالة! فتحتها بسرعة وبدأت تقرأ أسطرها، إرتبكت بعض الشيء، لم تدري ماذا تفعل فكلماتها لاتخص العمل. إستمرت بالقراءة ثم توقفت عند هذه العبارة "لأنك رجل شهم ولاأعرف كيف أشكرك، فقط أتمنى لك الحياة السعيدة وتأكد أني لن أنسى ما قمت به من اجلي". وبعد أن تأكدت وداد بأن كاتب الرسالة امرأة ظنت على الفور بأن زوجها على علاقة عاطفية معها، قالت في نفسها: ها لهذا السبب كان يتأخر عن البيت. حاولت أن تخفي الرسالة ولما ارادت العودة الى غرفتها سمعت صوت الموبايل العائد لزوجها يرن، أسرعت اليه فوجدت المرأة صاحبة الرسالة تتصل، ترددت كثيراً هل تجيب أم لا؟ وهي تنظر الى الأسم بحقد شديد وغيرة شديدة. قررت مع نفسها بأن ترد، نعم فتحت السمّاعة وقالت بعصبية: ألو تفضلي. وهنا إنقطع الإتصال فتأكد لوداد أن هناك علاقة قوية تربط بين زوجها وتلك المرأة ففكرت بطريقة تُبعد من خلالها زوجها عن تلك المرأة.
لما إستفاق ناصر وجد أنه قد إستغرق في نومه كثيراً فحاول إرتداء ملابسه بسرعة ولما أوشك على الخروج إعترضته وداد بتحية الصباح ثم قالت له: أعددت لك فطوراً شهياً. إعتذر ناصر وقال: لاأستطيع فقد تأخرت فاليوم عندي إجتماع مهم مع مدراء الأقسام ربما أتأخر ايضاً عن العودة مساءاً. وهنا وداد بدأت تشعر بالغيرة أكثر لأنها ظنت من جديد أن زوجها يحاول إخفاء حقيقة علاقته مع تلك المرأة لذلك أصرّت على أن يتناول طعام الفطور معها رغم محاولات الزوج إلا أن ناصراً لم يُفلح في إقناع زوجته بالخروج دون أن يأكل شيئاً. فهل تعرفون اعزائي المستمعين لماذا كانت تُصر وداد على أن زوجها يتناول الفطور معها؟ اليكم ماحدث
لقد وضعت وداد مُنوّماً في الأكل كوسيلة لمنع زوجها ناصر من الخروج ولهذا اليوم فقط حتى تعثر على حل آخر يكون كافياً لقطع العلاقة التي ظنتها وداد بين زوجها والمرأة التي كتبت له الرسالة. تناول الزوج فطوره وماهي إلا لحظات حتى بدأ يشعر بالنعاس وعاد الى النوم من جديد. فرحت وداد بفعلتها لأنها أطفأت نار الغيرة التي بداخلها، راحت تفكّر بطريقة أخرى أكثر حبكة وأكثر فائدة فإتصلت بمكان عمله وإدعت أن زوجها سوف لن يأتي الى عمله بسبب مرضه وأن الطبيب لن يقل متى سيُشفى بشكل كامل.
أحبتي كان كل ما يشغل وداد هو أن تمنع زوجها من الخروج لذلك عندما إستيقظ مساءاً كان مدهوشاً لايعرف ماذا حلّ به بالضبط وحين سأل زوجته قالت له: ياعزيزي لقد ساءت حالتك فجأة وفقدت وعيك ثم سقطت على الأرض وأنا على الفور إتصلت بالطبيب فجاء وعالجك ثم أعطاك بعض الأدوية ونصح بعدم خروجك إلا بعد أسبوع على الأقل. تعجّب الزوج من قول زوجته، حاول ان يتذكّر بعض الأمور فتذكّر مباشرة موعد الإجتماع لذلك طلب من وداد أن تتصل بالدائرة، وهنا قالت له: سوف أئتيك بالهاتف، نعم يجب أن تتصل أنت بنفسك لكن عليك أن تأخذ دواءك بسرعة. أخذ الزوج المسكين الدواء ثم عاد الى النوم مرة أخرى.
مستمعينا وهكذا تمكنت الزوجة من أن تحبس زوجها ناصراً في البيت من خلال إعطاءه المُنوّم دون أن تعرف حجم الكارثة التي ستصيب زوجها فقد ساءت حالته الصحية فعلاً بسبب الإفراط في إعطاءه المُنوّم ما ادى الى أن فقد على إثر ذلك عمله بعد أن إجتمع مجلس إدارة الدائرة وقرر الإستغناء عن خدمات مديرهم ناصر لمرضه والسبب كله يعود الى غيرة وداد ولكن أعزائي هل تعرفون من الذي كتب الرسالة؟ إنها امرأة فقيرة كانت تبحث عن عمل فساعدها ناصر في تعيينها كموظفة في الدائرة مقابل راتب شهري مناسب، دفع ذلك بالمرأة أن تشكره برسالة قصيرة ولم تكتف بذلك فحاولت ان تتصل لتشكره اكثر.
أيها الأفاضل ومثلما إستمعتم الى قصة وداد وماذا فعلت بزوجها بسبب غيرتها الشديدة نتوجّه الى سماحة الشيخ هادي العقيلي الباحث الإسلامي من العراق لسؤاله عمّا حذّر منه الإسلام وماجاء من آيات في القرآن الكريم بشأن كيد النساء وأفعالهن التي تكون خلافاً للتعاليم والشرائع الإسلامية. فلنستمع اليه
العقيلي: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
بداية نهنئكم بحلول شهر الله الأعظم شهر رمضان المبارك والمستمعين جميعاً
حيث ذكر الله جل وعلى أن كيد النساء كيد عظيم ولكن لاتؤخذ هذه الآية على إطلاقها وتؤخذ بالنسبة الى كل النساء إنما بالنسبة في موضوع الغيرة بالنسبة للمرأة إتجاه زوجها او إتجاه من يقاربها أقول إن احاديث المعصوم عليهم صلوات الله أجمعين واضحة في هذا الصدد "غيرة الرجل إيمان وغيرة المرأة كفر" لماذا؟ لأنها قد تنازعه في شيء أحله الله سبحانه وتعالى اليه ولكن نقول لاإفراط ولاتفريط إنما هو أمر بين أمرين، عندما تكون المرأة تغار من دافع المودة، من دافع الحب، من دافع على حرصها على إنجاح العلاقة الزوجية فيما بينها وإنجاح علاقتها بزوجها وإنجاح العائلة تلك البذرة والنواة الأولى في المجتمع الذي اُريد له أن يبنى بناءاً صالحاً وسليماً تحت ظل رضى الله سبحانه وتعالى واحكامه وآياته، المجتمع الطيب السليم والصحيح. أقول إنه هذه مسئلة من الجيد ان نتطرق اليها لأن هذه الأيام المبتلى بها كثير بإعتبار وجود آلات واجهزة الإتصال الحديثة من الأنترنت، من الموبايل والوسائل الأخرى التي فيها ربما تتولد آثار الشك وآثار عدم الإرتياح من أحدهما نحو الآخر بإعتبار ان التصرفات تكون محسومة النتائج والأبعاد. إن كانت هنالك ثقة وكانت هنالك مودة وإحترام وعاطفة وتودد حقيقي وإحترام حقيقي لشخصية الآخر فلايمكن أن تنشأ مثل هذه الخلافات والإختلافات التي رأينا وسمعنا وحصلت حالات كثيرة أدت الى إنهيار العائلة برمتها من خلال نظرة غيرة او من خلال تصرف او من خلال موقف جراء الغيرة التي نشأت من المرأة إتجاه زوجها. الحقيقة قصة يوسف الصديق نبي الله واضحة في هذا الصدد حيث ذكرت العديد من الأفكارالمنافية للدين الإسلامي وللدين الحنيف التي خالفت بها المرأة وخالفت بها النساء واعطت كل واحدة منهن سكيناً وقطعن أيديهن ...الخ وحدثت الكثير من المسائل التي قامت بها زوجة عزيز مصر، من المسائل التي لاترضي الله سبحانه وتعالى، المرأة عفتها وشأنها وبيتها هو زوجها ومن احله الله سبحانه وتعالى لها ولايمكن أن تتجاوز فوق ذلك وتغير أي منشأ غير إسلامي وغير صحيح وغير مرضي عند الله وعند رسوله، سورة يوسف ليست هي الوحيدة في القرآن الكريم التي ذكرت مثل هذه الحالات وإنما هنالك سور كثيرة ذكرت لنا تصرفات وتجاوزات لنساء غير مرضيات. طبعاً نصيحتنا وهدفنا وصوتنا يصل لأخواتنا المؤمنات والمسلمات من أن هذا ليس ديدن المرأة المؤمنة وإنما المرأة المؤمنة هي التي تحرص على زوجها بالغيرة الإيجابية التي تحفظها وتحفظ مجتمعها وكيانها وبيتها وأسرتها وزوجها.
وبعد ان إستمعنا الى سماحة الشيخ هادي العقيلي نتوجه الآن الى ضيفتنا الدكتورة أميرة برغل الأخصائية التربوية من لبنان حيث سألناها عن أسباب الغيرة لدى النساء وماهي تداعياتها وإعكاساتها السلبية سواء على الأسرة وكذلك على المجتمع فأجابت مشكورة.
برغل: الغيرة هي إحدى المشاعر الإنسانية الطبيعية مثلها كمثل أي مشاعر اخرى مثل الحب والبغض والكره وغيرها وهي نابعة من عدة مشاعر فطرية كحب التملك، التعلق، حب الشريك والى ماهنالك. بإعتقادي القدر الوسطي من الغيرة او الطبيعي من الغيرة هو ضروري بل قد يكون مفيداً أما ماهو فاسد او مُفسِد هو مايناله الإفراط او التفريط يعني عدم الإحساس بالغيرة مطلقاً قد يكون مدار إمتعاض من الشريك، امرأة كانت ام رجل. الإفراط في الغيرة هي ايضاً مسئلة مضرة جداً، نتحدث عن أسباب هذه المشاعر المتطرفة وآثارها على الأسرة، أنا اعتقد أن أسباب مشاعر الغيرة المتطرفة والتي يكون فيها إفراط في المسائلة والمطالبة والملاحقة وقد يصل الأمر الى التجسس والى سوء الظن ما يفسد الحياة الأسرية وقد يفسد العلاقة مع الشريك الآخر؛ اعتقد أن يكون لذلك أسباب إما متعلقة بتربية المرأة اذا تحدثنا عن الغيرة المفرطة من المرأة على زوجها، إما أن تكون أسباب متعلقة بشخصية المرأة وإما أسباب متعلقة بأداء الشريك. الأسباب المتعلقة بالمرأة هي حقيقة تعود الى التربية، التربية التي تلقتها هذه المرأة فالمرأة التي تعيش في جو يكون فيه الكبار كثيري الظن بغيرهم وعندهم عقدة بكل يجعلهم دائماً يشعرون أنهم مظلومون او معتدى على حقوقهم او أنهم في الحلقة الأضعف هم يظنون بالآخر إتجاه الإهمال او إتجاه التعلق بالآخرين على حسابهم وعندهم مشاعر الغيرة وايضاً قد تكون المرأة تربت في جو ترى انها لو لم تحاسب زوجها بشكل مستمر فهي يمكن أن تغبن وأن ذلك يفسح له المجال كي يعزز علاقات خارج المنزل دون أسباب. أعتقد أنه بالنسبة للمشاكل الأسرية مجرد أن دبت الغيرة غير المنطقية، الغيرة التي فيها عملية تطرف في المنزل سواء كانت من الرجل او من المرأة فيعني ذلك أن الحياة تحولت الى عدم ثقة، الى مسائلة دائمة وهذا شيء أمام الأولاد سوف يدمر العائلة وإذا دخلت الغيرة المرضية من الشباك كما نقول سوف يخرج الحب من الباب وهنا ينفرط عقد هذه الأسرة. نسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون هناك تربية إيمانية وأخلاقية عند الرجال والنساء تمكنهم من أن يتصرفوا بهذه المشاعر بالقدر المقبول والجيد والمفيد والمُجدي والمُحفّز للطرف الآخر.
في ختام حلقة اليوم نشكر لضيفينا العزيزين حسن المشاركة كما نشكر لكم حسن الإستماع والمتابعة لبرنامج من الواقع، الى اللقاء والسلام عليكم.