البث المباشر

الخوف والجبن

السبت 16 نوفمبر 2019 - 13:36 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- من الواقع: الحلقة 33

أعزائي مستمعينا الكرام، أهلاً وسهلاً بكم في برنامجكم الأسبوعي، «من الواقع»، الذي يبث من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. وموضوع حلقة اليوم سيكون عن حالة من الحالات التي تنتاب البعض عند الصغر، فتكبر معه وتصبح فيما بعد مشكلة كبيرة يواجهها هذا الفرد أو ذاك، فتنعكس على حياته العامة ويواجه بسببها أزمات نفسية، ربما تؤثر حتى على علاقاته وتصرفاته مع الآخرين، والى غير ذلك. الحالة التي سنتناولها هذا الاسبوع، ستكون عن «الخوف والجبن» عند الانسان. لذلك دعونا مستمعينا الكرام نستمع أولاً الى قصة نوفل ومن ثم نعود لمتابعة هذه الحالة ومناقشتها مع ضيفي البرنامج. فلنستمع معاً.
السلام عليكم مستمعينا الكرام. قصتنا التي سنرويها لكم اليوم، ستكون عن صديقنا نوفل، الذي كان غالباً ما يشعر بالوحدة، لأنه لايمتلك أصدقاء في الزقاق الذي يسكن هو وعائلته فيه، وحتى في المدرسة، فزملاءه لايختلطون به ولايسمحون له أحياناً أن يشاركهم في اللعب أو ما شابه، والسبب يعود الى ما عرف عنه، إنه ليس بشجاع وليس بجريئ، بل دائماً ما يهرب باكياً إذا حاول أحد الزملاء في المدرسة مثلاً أن يمزح معه بالكلام أو يتعرض له بنوع من الخشونة أثناء اللعب في ساحة المدرسة.
هذا الحال، الذي عرف عن نوفل، جعل بعض الاصدقاء والزملاء في المدرسة يستغلونه كثيراً بأن يذهب بدلاً عنهم لشراء حاجة ما، أو لجعله موضع سخرية من قبل البعض، فقط لقضاء الوقت والتمتع على حساب نوفل، والسبب كما قلنا أعزاءنا المستمعين، أنه يشعر بالخجل والخوف دائماً، فلم يكن يتمكن من الرد.
وفي يوم ما، حاول أصدقاء نوفل إقناعه بأن يذهب معهم بعد الخروج من المدرسة الى أحد حدائق المدينة للتنزه فيها قليلاً، ولممارسة لعبة كرة القدم إن سمح الوقت لهم بذلك. وافق نوفل كالعادة، ولم يبد أية ممانعة أو تردد، لأنه لم يكن بقادر على اتخاذ أي قرار حتى لو كان هذا القرار يخصه هو.
وفعلاً، فقد توجه الجميع الى تلك الحديقة الكبيرة التي تتوسط المدينة، وكلٌ كان يحمل معه الملابس والتجهيزات الخاصة للعبة كرة القدم، إلا نوفل، لأن أسرته وبالذات أمه، كانت تحرم عليه ممارسة هذه الألعاب أو غيرها، لأنها قد تعرضه للاصابة أو ما شابه، وعليه وحسب ما كانت أمه ترى ذلك، أن لايشارك أصدقاءه أبداً وأن لاينصاع لرغباتهم.
لكن، وخلافاً لما كانت والدة نوفل تقوله، فقد بدأ نوفل مشاركة زملاءه اللعب، فوجد في ذلك متعة حقيقية لم يجدها من قبل، وهذا ما شجعه لأن يستمر في اللعب والفرحة تملأ قلبه. نعم، فقد كانت أجواء اللعب في الحديقة الكبيرة، والحرية التي شعر بها نوفل، ساعدت على أن يبقى حتى المساء، وحين أوشكت الشمس على المغيب، تذكّر نوفل قول والدته: (يا ولدي! إياك أن تتأخر في العودة في يوم، إياك أن تعود الى البيت قبل مغيب الشمس)، وهكذا أخذت هذه العبارات تتردد على مسامع نوفل وكأنها مطرقة حدّاد يضرب بها على سندانه.
انتبه نوفل لنفسه، وتذكر قول أمه وتحذيرها له بأن لايتأخر عن البيت أبداً، لذلك حاول أن يترك اللعب مع أصدقائه الذين طلبوا منه أكثر من مرة أن يستمر معهم، إلا أنه أصرّ على العودة خوفاً من أمه. وفي الطريق الى البيت، كان يحاول نوفل أن يرتب نفسه جيداً ويمسح آثار الكرة التي اصطدمت بملابسه عدة مرات، فوجد أن هناك آثاراً لايمكن أن يزيلها، وهنا بدأ القلق ينتابه ويخيفه من مواجهة أمه عند العودة.
توقف قليلاً عند الساقية وفكر بأن يزيل تلك الآثار بالماء وينتظر حتى تجف ملابسه ومن ثم يعود الى البيت، وفعلاً قام نوفل بإزالة البقع والآثار عن ملابسه وانتظر قليلاً حتى تجف. لكنه ومن شدة خوفه من أمه ما كان يشعر بمرور الوقت. ولما انتهى من تنظيف ملابسه، وجد أن الليل قد حلّ والظلمة قد سادت شوارع المدينة. وهنا انتابه الخوف أكثر، لأنه ما كان يجرؤ في يوم أن يعود لوحده ليلاً الى البيت.
تسمر نوفل في مكانه لايدري ماذا يفعل!! فهو في داخله يريد العودة وبأسرع ما يمكن، لكنه يخاف ذلك لوحده. وهكذا ظل واقفاً في مكانه والوقت يمر حتى أوشكت الساعة على العاشرة، حينها كان كل من في البيت قد أصابه القلق والذعر عن سبب تأخر نوفل وعدم عودته، فالأم ما ألفت ذلك من ابنها يوماً، وما تعودت منه أن يتأخر لهذه الساعة. فازداد الموقف سوءاً وتشنجت الأعصاب وخرج الجميع يبحث عن نوفل، حتى وجده أبوه وصاح بأعلى صوته: لقد وجدته.. نعم وجدته.
مستمعينا الكرام، بعد أن استمعنا سوية الى قصة نوفل، وعرفنا مدى خجله وخوفه في نفس الوقت من مواجهة شؤون حياته، وكم أن هذه الحالة قد سببت له من مشاكل وإحراجات كثيرة له ولعائلته.
نرحب بكم أعزاءنا الكرام من جديد، التقينا بسماحة السيد جعفر العصاف الباحث الاسلامي من بيروت، وسألناه عما نصح به الدين الاسلامي الوالدين حول كيفية تربية أولادهم بالطريقة الصحيحة التي تبعد عنهم حالات الخوف والخجل، فلنستمع إليه.
العساف: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين
يعني بعد ان استمعت لهذا العرض وهذه المشكلة الاجتماعية بالنسبة للاخ نوفل حول التربية التي تعرض لها من الاهل واقعاً انا اختصر هذه المشكلة بأن الاخ نوفل كانت هناك تربية سيئة له من جانب الاهل بحيث ان الجانب الاساسي في حياته وشخصيته وهو جانب الخجل والحياء الذي لم يكن تعويده عليه من قبل الاهل سليماً بحيث ان الاهل قد عودوه على هذا الامر في غير محله لذا نجد هذه المشكلة من اهم الاخطار التي تواجه الاطفال في الصغر عندما لايكون الاهل مدركين لعواقب هذا الفعل ولذلك نتحدث عن امير المؤمنين عليه السلام في حديثه عندما يتحدث عن تربية الاطفال والاولاد يقول "انما قلب الحدث كالارض الخالية ماالقي فيها شيء الا نبت" بأعتبار ان الولد في الصغر هو كالصفحة البيضاء يعني اي شيء نعطيه اياه وخاصة من الاهل او الوالدين، اي شيء يعلمه الوالدان لابد ان ينبت في قلب هذا الطفل لذلك من المؤسف ان الكثير من الاهل يعتبرون اطفالهم لايفهمون ولايتعلمون وانه مهما علمناهم في الصغر فأنهم لايتأثروا بهذا الامر في صغرهم والعكس هو الصحيح فاليوم التجارب العلمية والتبحاث العلمية وبالعودة الى المصادر الاسلامية من ديننا الحنيف نجد ان الطفل وهو في الاشهر الاولى من حياته هو يقبل اي تعليم وهذا ماورد في الروايات هو ان الانسان عندما يصل الى مرحلة الخجل وانكسار الشخصية فأن ذلك يترتب عليه عواقب كثيرة في الحياة حتى انه التعليم في المدرسة عندما يكون الولد صاحب خجل كبير عند ذلك يؤثر هذا على تعلمه، على امتحاناته، على علاقاته مع الاطفال والاصدقاء لأنه بسبب هذا الانكسار في الشخصية. قد يكون الولد ذكياً وقد يكون الولد فاهماً ولكنه بسبب هذا الخجل الكبير والمفرط والانكسار في الشخصية يجعله متراجعاً ومتخلفاً كذلك ورد في بعض الروايات ان انكسار الشخصية والخجل المفرط كما هو حالة نوفل يمكن ان يعلمه لاسمح الله السكوت عن الظلم وقد يحرم من الكثير من حقوقه لأن الطفل عندما يكون خجولاً لن طالب بحقوقه ولن يقف مواقف فيها شجاعة ومن هنا اتوجه الى الاهل ان كان طفلهم مازال صغيراً فعليهم ان يستدركوا ماوقعوا فيه من الخطأ في تربية نوفل، ان يعودوا نوفل على المواقف الصعبة والمواقف الشجاعة، ان يعطوه الحرية، ان يعطوه القوة ايضاً يعني ان يحاولوا ان يوكلوا اليه بعض الامور التجارية ليقووا شخصية هذا الطفل، يعطوه الحرية ليعبر عن افكاره وحياته ليمكن ان نعدل في سلوكية هذا الطفل لأن شخصية الانسان يمكن ايضاً ان تعدل اذا كان في الصغر وبسهولة يمكن ان تعدل واذا كان هذا الطفل اصبح كبيراً في السن يعني اصبح شاباً متقدماً في السن فعليه هو ان يعدل في شخصيته، عليه هو ان يحاول قدر المستطاع ان يعوض ما وقع الاهل فيه من الاخطاء.
أيها الأفاضل نتوجه الآن الى الدكتورة زينب عيسى، الإستشارية في علم النفس من بيروت حيث سألناه عن أسباب تعرض الاولاد الى حالات الخوف والجبن، وكذلك الخجل، وما هي العوامل التي ساعدت على استمرار هذه الحالة. ومن المسؤول عنها. وكيف يمكن معالجتها؟
عيسى: نحن هنا امام حالة الام فيها مصدر الخوف لدى طفلها. اسلوب التعامل من الام هو اسلوب خاطئ في تعاملها مع ابنها، الاهتمام الكثير هو ليس هنا في مكانه في هذه الحالة، اهتمام الام وخوفها على ابنها هنا يؤدي الى نتائج سلبية قد تصل عليه ان يترك مايعبر عن ماذا يحب وماذا يريد ان يلعب لاان اعاقبه اذا كان الشيء لايناسبني علي ان اترك له مساحة ليعبر عن انفعالاته ومشاعره. ان اسلوب الام بتهديد الطفل وبأنها لاتريد ان يفعل هكذا وهكذا الطفل يصبح كآلة هي كما تحب وترضى، الطفل له انفعالاته وله نظرته وله دوافعه على المستوى النفسي فعلينا ان نحترم تلك الدوافع فالام هنا لها دورها وعليها يقع العبء في دعم ابنها في بث الطمأنينة في نفسه فأن الطفل اذا كبر على تلك المخاوف فأنها ستعزز انعدام ثقته بنفسه هذا اولاً. عليها ان تحيطه بالمحبة والرعاية الموجهة وليس الخاطئة، هي عليها يقع العبء الاكبر، عليها ان تعيد ثقة طفلها بنفسه، عليها ان لاتخوفه ولاتهدده ولاتعاقبه ولكن ان تعرف اين يكون العقاب ليست المسئلة مسئلة اعتباطية فالاهل لهم دور كبير واقول الام عليها ان ترعى ابنها وتوجهه فأذا كانت هي عاجزة عن القيام بهذه المهام فلتستشير اختصاصي في علم النفس لأن ابنها بعد فترة من الوقت ستؤدي الى شخصية عديمة الثقة بذاتها وشخصية فاشلة في السمتقبل وبأسرع مايمكن ان تستشير ولاتخجل في الاستشارة هذا ليس عيباً. ممكن ان يكون هناك سبباً نفسياً، عليها ان تعرف ماهو السبب الحقيقي وراء الدوافع، هل هي وراء السبب؟ ان كانت هي يوجهها الاختصاصي كيف تتعامل مع ابنها وان كان هناك سبب اخر ايضاً عليها ان تعرف. ممكن ان لاتكون هي الام ويمكن ان نظلمها ولكن يجب ان تعرف من المسؤول وراء المخاوف وهذا يحدده الاختصاصي في علم النفس.
في ختام حلقة اليوم مستمعينا، نشكر لكم حسن الاستماع الى برنامج من الواقع، الذي قدمناه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، على أمل أن نلتقيكم من جديد في حلقات أخرى قادمة، الى ذلك الحين نستودعكم الله والى اللقاء.


 

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة